هناك في سرير أقرب للكفن، ورائحة الموت تقترن بأنين المرضى بالعناية المركزة ،ومصير لست مسئولا عنه، ينقلونك مثل الميت في صندوق من مكان لآخر، لا يذكرك بالحياة سوي وخز الحقن .. هكذا كان مشهد عزلتي الطبية في المستشفى.. هذه العزلة ذكرتني بعزلة أخرى .. عزلة الزنزانة.
تجربة العزلة التي حفرت وجداني كيفية الحياة منفردا في عزلة، كانت في الحبس الانفرادي في سجن القلعة عام 1977. السجن الانفرادي جعل اليوم عندي يبدأ وينتهي من خلال النظرة الي الجدار والنافذة وإعمال الخيال، وفعلا هناك جزء كبير من روايتي الوحيدة (ثلاثة وجوه) كتبتها في مخيلتي بالزنزانه الانفرادي ، هكذا استيقظ اليوم وانظر الي شياك غرفة نومي وابتسم مرددا ما قالة محمود درويش :" لازلت احيا شكرا للمصادفة السعيدة "،
يقتادوني الحراس في السجن، او الممرضين في المستشفي ، اذهب الي الكلور وانظف الحمام وانا افكر من اخترع الكلور ، افتح جوجل وانا ممسك بالموبايل واقرأ : "هو عنصر كيميائي له العدد الذري 17، والرمز Cl. وهو من الهالوجينات ويوجد في المجموعة 17 (المجموعة السابعة سابقا) في الجدول الدوري للعناصر. ونظرا لأنه جزء من ملح الطعام ومركبات أخرى، فإنه متوفر طبيعيا، وهام لمعظم أشكال الحياة، بما فيها الجسم البشري. وغاز الكلور أصفر مخضر، وهو أكثر كثافة من الهواء بمرة ونصف، وله رائحة كريهة، كما أنه سام للغاية. وهو عامل مؤكسد قوي، مبيض (للأقمشة وما إلى ذلك)، كما أنه عامل مطهر. ومن أهم المركبات التي تحتويه حمض الهيدروكلوريك.". اترك الحمام وافرك يداي بالكحول ، رائحة الفنيك والكلور تختلط برائحة ما تبقي من حياة ، ابحث عن رائحة القهوة لكي استنشق عبيق بخارها . احاول القراءة السطور معقمة والكلمات تصارع الوباء ، يا الهي حاربت مرتين حيث كان العدو واضح ولكن هذة الحرب مع ذلك العدو الخفي تحتاج الي مزيد من الخوف والحزن والكتابة ، نعم اكتب لكي اعيش ، اكتب واتذكر في سفر الرؤيا ليوحنا الاهوتي كتب القديس كلمة اكتب سبعة مرات ، وفي مطلع انجيل يوحنا كانت "في البدأ كانت الكلمة والكلمة صارت بشرا" وهكذا احاول اكتب ولكن لابد من رؤية حتي تصير الكلمات بشرا ، لايعرفون الخوف .. اتخيل مليارات الفيروسات تهاجم المليارات من العالم ، الانسان يواجة المجهول والعلم يبحث عن قنابل دوائية لقتل هذا العدو الخفي.. وانا بالعناية المركزة اتحسس قلبي لازال ينبض ، لازلت احيا شكرا للمصادفة السعيدة.