لا تزال حركة «الشباب» في الصومال، تمثل التحدي الأمني الأساسي، كما تظل أحد أبرز مهددات الاستقرار والأمن الإقليمي بمنطقة القرن الأفريقي، وذلك في ضوء تصاعد نشاطها في الداخل الصومالي وتمددها، حيث تسفر هجماتها الإرهابية عن سقوط المزيد من الضحايا، إلى جانب استهدافها للمصالح والمؤسسات الحكومية داخل الصومال وخارجه.
آخرها سيطرة مسلحي الحركة الإرهابية، على قاعدة عسكرية بمنطقة «مرين غوباي» بإقليم شبيلي السفلى، جنوب الصومال، مما يشكل عبئًا كبيرًا على دول القرن الأفريقي، والقوى المنخرطة في المنطقة، بسبب المخاطر والتهديدات التي تمثلها الحركة، ورغم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى مواجهة حركة الشباب في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك بعض التحديات التي تعيق تحقيق نتائج إيجابية في سبيل القضاء عليها أو الحد من أنشطتها، وهو ما يجعل السيناريوهات مفتوحة أمام مستقبلها في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.
قال الدكتور إسماعيل التركي، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة القاهرة، إن هجوم حركة الشباب الصومالية الإرهابية، على قاعدة عسكرية بالصومال، ليست المرة الأولي، ولن تكون الأخيرة، في هذا البلد الذي تمزقه الحرب الأهلية منذ عام ١٩٩٢، حين أطاح أمراء الحرب بالرئيس محمد سياد بري، ثم تحولوا لقتال بعضهم البعض.
وأضاف "التركي"، لـ"البوابة"، أنه تم طرد الحركة من العاصمة مقديشو في ٢٠١١، ومنذ ذلك الحين فقدت معظم معاقلها الأخرى، لكنها لا تزال تمثل تهديدًا مع شن مقاتليها هجمات بشكل مستمر في الصومال، وفي كينيا المجاورة، التي تشكل قواتها جزءًا من قوات مهمة حفظ السلام.
وأشار، أستاذ العلوم السياسية، إلى أن الحركة سيطرت على خمس الأراضي الصومالية، خاصةً في الريف، والبلدات الصغيرة في جنوب ووسط البلاد، وتزيد من وجودها في الشمال، خصوصًا في منطقة بونت لاند، حيث تواجه مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في مرتفعات جل جلا.
كما تتخذ الحركة من مدينة "جيليب"، في الجنوب الصومالي، عاصمة فعلية لها، ولكن سيطرة حركة الشباب على بعض المناطق في الصومال، ليست بشكل دائم، وإنما ضمن ما يمكن أن نسميه سيطرة مؤقتة بين عمليات كر وفر، فعادةً ما يغادر عناصر الحركة المنطقة، قبل هجوم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال عليها، إلا أن هذه القوات لا تستطيع السيطرة، على تلك الأراضي، التي يتم استعادتها، فتسيطر عليها الحركة مرة أخرى، ولا تمتلك الحركة السيطرة على أية مناطق بحرية في الصومال.
وأوضح "التركي"، أن الحركة أعلنت منذ يناير ٢٠٢٠، أنها سيطرت على ٤ مناطق في الصومال، منها منطقتين استراتيجيتين، تقع إحداهما على الحدود مع إثيوبيا، والسيطرة على منطقة "عيل عدي"، في إقليم هيران، في ولاية هيرشبيلي، بوسط الصومال، واستولت على منطقة "فرلباح"، على بعد ٤٥ كيلومترا من إقليم هيران، بعد انسحاب القوات الصومالية منها، وهو ما يعكس استمرار الحركة في توسيع الرقعة الجغرافية، لمناطق سيطرتها في البلاد.
وأكد، أن العمليات الأخيرة للحركة، توضح بعض المؤشرات المهمة، منها أن الحركة تتبع تكتيك حرب العصابات في الداخل الصومالي وخارجه، وهو ما يمنحها مساحة حركة كبيرة في مختلف المناطق الصومالية، خاصةً في ظل الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة الصومالية، خلال الفترة السابقة.
كما أن الحركة تحتفظ ببصمة واضحة في المناطق التي لا تسيطر عليها، من خلال التورط في تنفيذ بعض الهجمات الإرهابية بشكل منتظم، لاسيما ضد المصالح والمؤسسات الحكومية.
وتابع "التركي"، بأن الحركة استطاعت إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار، في منطقة "تورا توورو"، بإقليم شبيلي السفلي، وهو الأمر الذي يوضح التطور في أساليب الحركة، ونوعية الأسلحة التي تمتلكها، وتطور قدراتها العسكرية في مواجهة مثل هذا النوع من الطائرات الأمريكية، التي تستهدف عناصرها، وهو ما تشير إليه التحقيقات الأمريكية الرسمية، التي أكَّدت أن الحركة تصنع متفجرات محلية الصنع، منذ يوليو ٢٠١٧، الأمر الذي يعزز من قدراتها في المنطقة.
وتمتلك حركة الشباب، مساحة حركة تسمح لها بالتغلغل في أجهزة ومؤسسات الدولة الصومالية، من خلال تجنيد عناصر مؤيدة لها، بهدف جمع وتوفير المعلومات الإستراتيجية لها، إضافةً إلى نجاحها في اختراق بعض الاجتماعات الأمنية، التي تجمع القيادات العسكرية، مما يجعل استهداف بعض القيادات أكثر سهولة، كما يمنحها المزيد من المعلومات المسربة، ومعرفة القرارات والتوجهات الأمنية.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أن عمليات الحركة بالدعم والمساندة من بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى في القارة الأفريقية، وهو ما يعد بمثابة تشجيع ودفع نحو تنفيذ الحركة للمزيد من الهجمات الإرهابية، كما يكشف عن طبيعة العلاقة بين تلك التنظيمات، التي تتسم بالتشابك والتعقيد، بالرغم من البعد الجغرافي نسبيًا، وقد أثنى تنظيم القاعدة على عملية قاعدة "سيمبا"، في خليج ماندا، بمقاطعة لامو الكينية، ضمن سلسلة "عمليات القدس لن تُهوَّد".
بدورها؛ تقدم الحركة الدعم لتنظيمات إرهابية أخرى، وهو ما برز في بيانها الموجه إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تتمركز في منطقة الساحل والصحراء (مالي)، والذي كشف عن دعمها ومساندتها للجماعة، ومطالبتها بمواصلة عملياتها العسكرية ضد الفرنسيين.
بينما قال عبدالناصر مأمون، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، إن حركة الشباب أكبر تهديد مباشر للسلم والأمن في الصومال، على وجه الخصوص ومنطقة القرن الأفريقي عمومًا، ويكشف نشاطها أن المنطقة أضحت تشكل رقعة جغرافية رخوة للإرهاب في أفريقيا، باعتبارها تضم واحدة من أخطر التنظيمات الإرهابية في القارة والعالم. ومن ثمّ، فإن استمرارية النشاط الإرهابي للحركة، يجعلها الأبرز والأقوى على رأس قائمة التنظيمات الإرهابية، بمنطقة شرق أفريقيا، خاصةً مع ظهور تنظيم "داعش" في الصومال، عند مرتفعات جل جلا، بإقليم بونت لاند.
وأضاف "مأمون"، لـ"البوابة"، أن وجود الحركة له مخاطر عدة، تتمثل في استمرار حالة الفوضى في الصومال، وتنامي حالة الفراغ الأمني، الأمر الذي يقوض من محاولات إعادة بناء الدولة الصومالية، وتعزيز الحاضنة الشعبية المحلية للحركة، من خلال خلق المزيد من التعاطف معها، والتخوف الحقيقي من احتمالية سيطرة حركة الشباب على أحد الموانئ البحرية في الصومال، مما يمنحها منفذ بحريا يسمح لها بممارسة التجارة وتأمين ممر لتلقي الأسلحة من الخارج.
الأوضاع الإنسانية الصعبة بالصومال
وأوضح، عبدالناصر مأمون، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، أن الأوضاع في الصومال صعبة جدًا، لذلك تبذل الحكومة مجهودات كبيرة، بهدف تعزيز القدرات العسكرية المحلية، لمواجهة خطر حركة الشباب، لكن عدم وضع بناء جيش وطني صومالي قوي، في أعلى قائمة الأولويات، ضمن أجندة المحادثات بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم الصومالية، وإعطاء الأولوية لأمور أخرى، وغياب إستراتيجية أمنية لدى الحكومة الفيدرالية الصومالية لمكافحة الحركة، يزيد من صعوبة المواجهة، وضعف القدرات العسكرية والتدريبية للقوات العسكرية والأمنية الصومالية.
وقال "مأمون": وهو ما يجعلها غير قادرة على حسم المواجهة مع حركة الشباب، واستمرار المعارك بين الميليشيات المحلية في بعض الأقاليم، وهو ما يعطي الفرصة للحركة للتوسُّع، ومساحة حركة كبيرة في أقاليم الصومال، والفشل في تجفيف منابع التمويل لدى الحركة، من أجل الحد من قدراتها ونشاطها في الصومال ومحيطه الإقلمية، وغياب الحلول السياسية في التعامل مع حركة شباب واستبعاد فتح حوار سياسي معها ومن ثمَّ فإن استمرار المعادلة الأمنية على ما هي عليه، سيقلل من فرص صنع وحفظ السلام في الصومال، خاصةً مع تواضع جهود مكافحة الإرهاب.
وعن سيناريوهات مستقبل حركة تحالشباب وجهود مكافحتها؛ اعتقد "مأمون"، أن هناك أكثر من سيناريو، مشيرًا إلى أن الخطورة تمثل استمرار تنامي نشاط حركة الشباب في الصومال، وتمددها إلى دول المنطقة، وذلك بسبب قدرة حركة الشباب على البقاء والاستمرارية والتمدُّد، وقدرتها على استقطاب عناصر جديدة لها، واستغلال ضعف القدرات العسكرية والتدريبية والمالية للجيش الوطني الصومالي، وضعف الجهود الإقليمية والدولية في مواجهة الحركة.
وأضاف، الباحث في شئون الحركات الإسلامية: أضف إلى ذلك، وتفاقم الخلافات في المشهد السياسي الصومالي بين الحكومة الفيدرالية والولايات. فضلًا عن استمرار الدعم المالي للحركة من بعض الدول الراعية للإرهاب في المنطقة، ومن الممكن أن يفشل هذا السيناريو في حالة رفع القدرات التدريبية والعسكرية للجيش الوطني الصومالي، وتضافر كافة الجهود الرامية إلى القضاء على الحركة، والنجاح في تجفيف منابع تمويلها.
وقال "مأمون": إضافة إلى دعوة قياداتها إلى الانشقاق عنها، والتصالح مع الدولة، ويعد هذا السيناريو هو الأكثر تهديدًا، على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، في ظل تهديد الحركة للأمن القومي الصومالي، والأمن الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي.
وأشار، إلى أن السيناريو الثاني تكثيف الولايات المتحدة عملياتها العسكرية ضد حركة الشباب، بهدف القضاء عليها، ويعد هذا السيناريو الأقل احتمالًا، نظرًا لاستمرار اعتماد واشنطن في استراتيجيتها لمكافحة الحركة على الضربات الجوية بالطائرات بدون طيار، دون توسيع الإستراتيجية لتشمل العمليات البرية، ضد معاقل الحركة وعناصرها. فضلًا عن تهديد أكثر من تنظيم إرهابي لدول المنطقة، إلى جانب حركة الشباب، مثل تنظيم داعش، وتنظيم جيش الرب الأوغندي، وإن تباينت درجة التهديد. وعدم تعويل واشنطن بدرجة كبيرة على الجيش الصومالي في الوقت الحالي.
وأوضح الباحث في شئون الحركات الإسلامية، أن السيناريو الثالث، وهو تضافر الجهود الإقليمية والدولية لتقديم المساعدة والتدريب إلى الجيش الصومالي، سيناريو ضعيف، بسبب رغبة بعض القوى الإقليمية في بقاء الصومال دولة هشة و مأزومة، حتى لا تسترد قوتها، وتستعيد دورها الإقليمي، إلى جانب عدم وجود إرادة دولية تدفع إلى تكاتف الجهود من أجل القضاء على حركة الشباب.
كما أن وجود الحركة وتمددها، في هذا المنظور، هو بمثابة ذريعة للتزاحم الدولي والإقليمي في القرن الأفريقي، ودافع لاستمرار اجتماعات قادة قوات بعثة الاتحاد الأفريقي، لبحث خطة الانسحاب من الصومال.
وقال: مأمون": من وجهة نظري؛ تظل حركة الشباب الصومالية الإرهابية، تمثل خطرًا حقيقيًا على جهود إحلال الأمن والاستقرار في الصومال، وجوارها الإقليمي، ويتطلب التعاطي مع هذا الخطر مضاعفة المساعي الإقليمية والدولية، لتعزيز مؤسسات حكم القانون في الصومال، وتكثيف التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الحركة والشبكات الإجرامية والإرهابية المتعاونة معها.
والأهم من ذلك، وضع حد لمظاهر التدخلات الإقليمية الضارة بالاستقرار السياسي والأمني في هذا البلد، والتي فضل تعزيز مصالح بلدانها على حساب أمن الشعب الصومالي، وقدرته على بناء دولة طبيعية، ومقتدرة تؤمن له الرخاء والازدهار.
في المقابل؛ قال محمد ربيع الديهي، الباحث في الشأن الدولي، إن التفجيرات والعمليات الإرهابية، رسائل واضحة للعالم بأن حركة الشباب في الصومال، ستسعى لإفساد الانتخابات المقبلة في الصومال، كما أنهت رسالة للمجتمع الدولي، بأن القوات الصومالية غير قادرة على السيطرة على الأوضاع بالصومال، خاصةً وأن الهجوم جاء على قاعدة كانت تحت قوات السلام الأفريقية، وتلك القوات كانت قد بدأت في الانسحاب ليحل محلها قوات الأمن الصومالي.
وأضاف "الديهي"، لـ"البوابة"، أن هذا الهجوم في الصومال، لن يكن الأخير، خلال الفترة المقبلة، مع اقتراب موعد الانتخابات الصومالية، ومحاولة حركة الشباب السيطرة على مسار الانتخابات وإفسادها، بهدف نشر الفوضى، وعدم استقرار الأوضاع في الصومال، ودعم مرشح بعينه، خلال تلك الانتخابات.