تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها، نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
61 – عبيد بن الأبرص
" هل اللياليُّ والأيامُ راجعةُ
أيامَ نحن وسلمى جيرةُ خُلُطُ؟ "
السؤال الذي يطرحه عبيد، قبل أكثر من ألف وخمسمائة عام، هو السؤال نفسه الذي لا يتوقف الشعراء عن الانشغال به في مختلف العصور، كأنهم ينوبون عن معذبي البشر جميعا. الجدير بالانتباه والاهتمام أنهم لا ينتظرون الإجابة بطبيعة الحال، فهي معروفة لا تحتاج إلى من يرهق نفسه للقول: هيهات أن تعود الليالي والأيام. كل قديم آفل لا مستقر له إلا في غرفة التذكارات المكدسة التي تتراكم فيها آلاف الصور والحكايات، وبالخيال وحده قد تُستعاد، وعندئذ تنفجر شلالات الوجع والشجن والحسرة.
مرعبة مرهقة مزعجة هي علاقة الإنسان بالزمن والتاريخ الشخصي المزدحم بالقديم الذي يتوارى ولا يموت، ولا فارق هنا يستحق الذكر بين كبار المثقفين المنظرين والعاديين من بسطاء الناس. لا ينبع الهم الوجودي الضاغط من وعي نظري يتم اكتسابه وتعلمه، لكنه غريزي فطري يُولد به الإنسان ويتعذب مسكونا بالحيرة محاطا بضباب الغموض، ثم يموت ولا يصل حتى إلى الوقوف على عتبات الإمساك ببداية الإجابة المستحيلة.
السؤال محسوم الإجابة بمثابة الترجمة الفنية لهواجس الأسى والحنين عندما يجتمعان في لحظة وجع، تصنع الأزمة الخانقة. لا شيء يعود، وغاية المأمول هو طرح السؤال تنفيسا عن مشاعر الاضطراب والغضب، دون طموح إلى إجابة لا موضع لها.