تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها، نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
58 – الطغرائي
"ترجو البقاءَ بدارٍ لا ثبات لها
فهل سمعتَ بظلٍ غير منتقلِ؟"
أيّ ظلٍ غير منتقل؟. الحركة قانون حتمي صارم يحكم الطبيعة والبشر والأشياء، والتحول فعل ضروري بلا رحمة، ولا تنبيه يسبق هبوب العواصف وضربات الزلازل واشتعال البراكين. الموت تتويج القانون، والوهم الأكبر يتجسد في مراودة المستحيل للبقاء والثبات في دائرة جهنمية تطيح بكل شيء، وتلتهم ما يقع في براثنها النهمة.
سخرية الطغرائي مغلفة بالمرارة، وتوبيخه لا يخلو من التعاطف، والأمر عنده حقائق راسخة لا بد من التسليم بها والتعايش مع ما تفرضه من معطيات ونتائج. السؤال في الشطر الثاني لا يطرحه إلا عالم متمكن قادر على إقناع من لا يقتنع، وقد يعفيه وعي المسئول من العناء وإهدار الوقت في مناقشة بديهات لا يجدي الجدال فيها.
"لامية العجم" ثمرة ناضجة متفردة في تراث الشعر العربي، وشاهد عدل على الأوضاع المضطربة التي لا ينجو منها مجتمع إنساني، مسلما كان أم غير مسلم، في القرن السادس الهجري أو قبل ذلك وبعده بقرون. الحكمة تصنع الشجن، والشجن يقود إلى الحكمة. الاغتراب ساطع ذو حضور قوي متوهج، وهيمنة الأسى الصادق لا تعني الإسراف الانفعالي غير المحسوب في التعبير عن المشاعر. لا شيء يبرر الغضب والاحتجاج والصراخ، ذلك أن المباراة محسومة النتيجة قبل بدايتها، والهزيمة لا نجاة منها. لا أحد من العقلاء يسمع عن ظل غير منتقل، أو حتى يتوهم وجوده.