هو روح الله، وهو واحد مع الله هو كيان مقدس أجمعت على وجوده كل الأديان وإن كانت قد اختلفت في تعريف ماهيته وطبيعته ومدى قدسيته، يظن البعض أنّ الروح القدس هو مجرّد قوة. ولكن الكتاب المقدس يُعلّمنا وبكل وضوح أنّ الروح القدس شخص وليس مجرّد قوّة فهو روح الله أي الله ذاته وقد سُميّ روحا لانه مبدع الحياة "ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض" (مز 30:104)، ودُعيّ قدوسًا ويقدّس حياة المؤمن
روح القدس في الكتاب المقدس
الكلمة اليونانية المستخدمة للدلاله على "الروح" هي "نيوما" ( Pneuma ) المشتقة من الفعل "نيو" بمعنى "يتنفس" أو "ينفخ"، فهي تطابق كلمة "روح " في العبرية، ونجد في العهد الجديد عبارات: " روح الله "، و" روح الرب "، و" روح الاب " و" روح يسوع " و" روح المسيح " و" الروح القدس " أو " الروح " فقط، وبعض هذه العبارات وردت في العهد القديم، ولكن مع هذا الفارق الهام، فبينما لا ترد عبارة " روحك القدوس " أو " روح قدسه " في العهد القديم إلا في المزمور الحادي والخمسين، وفي الاصحاح الثالث والستين من نبوة إشعياء، نجدها ترد أكثر من ثمانين مرة في العهد الجديد، كما ترد في العهد الجديد عبارات جديدة، مثل: " روح أبيكم " ( مت 10: 20 )، و" روح ابنه " ( غل 4: 6 )، و" روح يسوع المسيح " أو " روح المسيح " ( رو 8: 9، في 1: 19، 1 بط 1: 11 )، كما أنه " المعزي " الآخر أو الباراقليط " ( يو 14: 16 – 26 ).
رموز الروح القدس
نذكر خمسة رموز إلى الروح القدس وهي:
الحمامة
وقد ورد هذا الأمر في قصة عماد السيد المسيح إذ قيل عن يوحنا المعمدان إنه " رأي روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عايه" (مت 3: 16). وفي إنجيل مارمرقس " رأي السموات قد انشقت، والروح مثل حمامة نازلًا عليه" ( مر1: 10). " ونزل علية الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة" (لو3: 22). ولذلك فالكنيسة أو النفس البشرية الممتلئة من الروح القدس، شبهت بحمامة Pigeon.
الماء
يرمز الماء إلى الروح في أنه سبب الحياة، أو لأنه غذاء ضرورى ولازم للحياة. وفي ذلك يقول المزمور الأول عن الإنسان البار إنه " يكون كشجرة مغروسة على مجارى المياة" (مز1: 3). وهذه المياة تعطيها الحياة. ولذلك أكمل قلئلًا " تعطى ثمرها في حينه وورقها لا ينتثر ". ولعل بنفس المعنى يقول في مزمورلا آخر " مجارى المياة تفرح مدينة الله "(مز45: 4). والله ذاته شبة نفسه ينبوع الماء الحى.
يحل الروح القدس في الماء، فلا يصير بعد ماء حيًا، يمكن أن يولد الإنسان منه ميلادًا ثانيًا، وينال منه غسل " حميم " الميلاد الثاني (تى3: 5).
الزيت
واضح رمز الزيت إلى الروح القدس، من سر المسحة المقدسة، أو سر الميرون.
بالمسحة المقدسة كان الأنبياء قديمًا يمسحون الكهنة والملوك والأنبياء، فيحل عليهم روح المسيح، ويعطيهم الروح مواهب وقد أمر المسيح موسى النبى أن يصنع زيت أو دهن المسحة هذه، من زيت الزيتون النقي ومجموعة من الأطياب (حز30: 22 24 ). وقال له " وتصنعه دهنًا مقدسًا للمسحة... وتمسح به خيمة الاحتماع وتابوت الشهادة، والمائدة كل آنيتها، والمنارة وآنيتها، من اليمين لليسار: زيت الغاليلاون، زيت الميرون، الزيت البسيطومذبح المحرقة وتقدسها فتكون قدس أقداس. كل من يمسها يكون مقدسًا" (خر30: 25 29). وكما كان يتقدس بهذه امسحة بيت الرب وكل مذابحه وأوانيه هكذا كان يتقدس به الكهنة أيضًا.
النار
واضح في يوم البند كنسى أن حل الروح القدس على التلاميذ كألسنة كأنها من نار" (أع2: 3). وحينئذ " امتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى، كما أعطاهم الروح أن ينطلقوا" (أع2: 4). وليس هذا الأمر غريبًا، فالكتاب يقول " إلهن آكله" (عب12: 29). " والله روح" (يو4: 24).
الريح
في الواقع أن الكلمة اليونانية " ابنفما " تعنى الريح والروح في نفس الوقت...ريح، هواء فنقول: " الريح تهب حيث تشاء " أو " الروح يهب حيث يشاء" (يو3: 8). ومع ذلك نرى حلول الروح القدس في يوم الخمسين، قيل في مقدمته " وصار بغتة من السماء من السماء صوت كما من ريح عاصفة، وملأ كل البيت... وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس" (أع2: 2 4).
أسماء عيد الروح القدس
1- سمي بأحد العنصرة لانه كان من أهم الاعياد عند اليهود هو عيد العنصرة وهي كلمة عبرية تعني الجمع أو الاجتماع أو الحفل المقدس لأنهم كانوا يجتمعون ويعبدون
وجاءت المسيحية ودعت عيد حلول الروح القدس باسم العنصرة لان الروح القدس حل على التلاميذ وهم مجتمعين بالعلية
2- سمي أيضا بعيد الخمسين "البنطيقستي باليونانية لان عيد العنصرة عند اليهود كان معروفا باسم عيد الاسابيع أو عيد الخمسين لأنه كان يأتي بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح فجاءت المسيحية ودعته بعيد البنطيقستي لانه يصادف في اليوم الخمسين من قيامة الرب.
3-ايضا تحتفل الكنيسة بعيد حلول الروح القدس في يوم العنصرة أو عيد الاسابيع أو عيد الخمسين لما يأتي: لأنه في ثاني يوم عيد الفصح كان اليهود يحتفلون بتقديم حزمة أول حصيد من القمح أمام الرب وبعد سبع أسابيع يحتفلون بتقديم كل إنسان رغيف من باكورة حصاده ولذلك دعوا هذا اليوم بعيد الحصاد.
إن حزمة أول حصيد ترمز إلى قيامة المسيح وبالتالي عيد الحصاد يرمز إلى حلول الروح القدس وتأسيس الكنيسة وبدء الحصاد الروحي بالكرازة والتبشير بواسطة الرسل
4- وقد رتب المسيح أن يحل الروح القدس يوم الخمسين لأنه ايضا هو ذكرى اعطاء الشريعة لموسى النبي على جبل سيناء ذلك ليشاهد اليهود الذين ياتون من جميع أنحاء العالم إلى أورشليم للاحتفال بهذا العيد ،الاحداث التي ارتبطت بحلول الروح القدس
حلول الروح القدس ( بابل القديمة وبابل الجديدة )
في بابل الأولى قام الله بتأديب سكانها خلال بلبلة الألسن، لكن هذا التأديب هو هبة لنفع هؤلاء المقاومين له. وفي بابل الجديدة أو المختارة وهب المسيح تلاميذه التكلم بألسنة دون حاجةٍ إلى تعليم أو تدريب. غاية هذه العطية ليس استعراض قوة الروح، وإنما إعلان حب الله لكل الشعوب والأمم.
كثيرًا ما يقارن بعض الآباء والمفسرين بين بلبلة الألسن التي حدثت بعد الطوفان في أيام نوح، وبين تمتع التلاميذ والرسل بعطية الألسن المتنوعة. اجتمع البابليون وخططوا لبناء برج، وكان غايتهم التحدي ضد الله نفسه. وأما التلاميذ ومن معهم في علية صهيون فكانوا في ضعفٍ يترقبون تحقيق الوعد الإلهي لكي ينالوا قوة من الأعالي. فيكرزون ببشارة الخلاص، ويردون البشرية من كل الأمم والشعوب والألسنة إلى الله في حبٍ وتواضعٍ وتسليمٍ لمشيئة الله المقدسة. إلى أيام الطوفان، "كانت الأرض كلها لسانًا واحدًا ولغة واحدة" (تك 11: 1).لكن تأديبات الله لشعب بابل في ذلك الحين كانت مملوءة بالمراحم الإلهية:
فإنه سمح ببلبلة الألسنة، لكنه لم يبلبل ألسنة الأسرة الواحدة، وإلا صار التعامل بين الأعضاء مستحيلًا، خاصة بين الأزواج وزوجاتهم، والآباء وأبنائهم. فالهدف ليس تحطيم المجتمع خاصة الأسرة، وإنما مراجعة الإنسان لنفسه بعد إقامة شعوب بثقافات متنوعة. تحول التأديب إلى هبة لبنيان كل إنسانٍ، كما لبنيان الجماعات. فاضت المراحم من العلي على البابليين، فأغناهم بألسنة، كما لو كان بالذهب.وزع الله اللغات بين البشر، وهذه اللغات نفسها هي التي وهبها للرسل تلاميذه. بدون تعليم ولا ممارسة، بالروح نطق التلاميذ بكل اللغات. أُرسل هذا الغنى إلى التلاميذ ليتكلموا بألسنة جديدة دون أن يتعلموها.
أتكلم إذا عن البابليين وعن التلاميذ وعن بلبلة وعن توزيع ألسنتهم.
ذكر الروح القدس عدة مرات في الإنجيل منها مثلًا:
(و لما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضًا، وإذ كان يصلي انفتحت السماء*و نزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة،وكان صوت من السماء قائلًا أنت هو ابني الحبيب الذي به سررت) لوقا 22:3 (و لما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة *و صارت بغتة من السماء كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين*و ظهرت لهم السنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد فيهم*و امتلأ الجميع من الروح القدس.....) أعمال الرسل 42:1، الروح القدس هو الذي يساعد المؤمن في صلاته فالمؤمن عندما يكون في مع الله يكون مملوءا من الروح القدس وهو الذي يوجهه ويساعده.
لكلمة "روح" مدلولات عدة في أسفار العهد القديم:
1- ريح: ففي اللغة العبرية لا فرق بين الكلمتين. فالروح أو الريح هنا هي نسمة الله المحيية، كما في التكوين2:1. ويمكن أن تعني نسيم".
2- قوة: عندما عصى شاول الأمر الإلهي فارقه روح الله وأحلّ محلّه روحًا شريرًا. وعندما مسح صموئيل داود حلّ روح الرّبّ عليه(1ص1:16-13)
وهذا "الروح الملكي" هو "الروح النبوي" نفسه. من هنا قال ميخا النبي:" لكنني أنا ملآن قوة(مع) روح الرّبّ لأخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيئته"( ميخا8:3)
3- نبؤة:" إني أسكب روحي على كلّ بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم...( يوئيل28:2)
وعلامات كثيرة ظهرت قديمًا في هذا السياق، منها:
- يوسف وفرعون: قال فرعون لعبيده "هل نجد مثل هذا( أي يوسف) رجلًا فيه روح الله(تك37:41)". فيوسف إذًا إستطاع التنبوء وتفسير حلم فرعون لانه كان يمتلىء من روح الله أي الروح القدس
- موسى والسبعون شيخًا: لم يكن بوسع موسى تحمل المسئولية وحده، فجمع
سبعين رجلًا، فنزل الرّبّ في سحابة وتكلّم معه وأخذ من الروح الذي عليه وجعل
على السبعين رجلًا. فلمّا حلّ عليهم الروح تنبأوا(عدد25:11).
- روح قدس: في مزمور التوبة نقرأ بشكل جليّ وواضح وللمرة الأولى أن
هذا الروح هو الروح القدس عينه " وروحك القدوس لا تنزعه مني".
- روح الرّبّ: روح السيد الرّبّ عليّ لأن الرّب مسحني لأبشر المساكين(إش1:61)
لنسأل الله أن يفيض علينا روحه القدوس ومواهبه السبعة وهي:
الحكمة، والفهم، والمشورة، والقوَة، والعلم، والتقوى، والخوف.، ويثمر فينا تلك الثمار التي أشار إليها بولس الرسول بقوله: " أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام وطول الاناة واللطف ودماثة الأخلاق والأمانة والوداعة والعفاف " ( غلاطية 5: 22 ).
لماذا حلّ الروح القدس على شكل نار؟
عندما اعتمد المسيح في الأردن ظهر الروح بهيئة حمامة. حلّ الروح القدس ليس ليكمل شيئًا في المسيح بل ليُشير رمزيًا إلى ما يمتلكه المسيح أيْ البراءة والطهارة والوداعة.
هذا ما ترمز إليه الحمامة. وعندما اجتمع الرسل في اليوم الخمسين لقيامة المسيح
ظهر الروح القدس لهم على هيئة نار. ظهر لكي ينزع منهم أشياء ولكي يهبهم أشياء أخرى، لكي ينزع الخطيئة والضعف والخوف ونجاسة القلب، ولكي يهبهم القوة والنور والحرارة.
إنّ النار ترمز إلى هذه الثلاثية: القوة والنور والحرارة. أنت تعرف كم هي النار قوية وكيف تنير وكيف تمنح الدفء، لكن عندما تتكلّم عن الروح القدس إياك أن تتخيّل ذلك ماديًا وليس روحيًا. وهكذا فإن الحديث هنا عن القوة الروحية والنور الروحي والحرارة الروحية، والتي في جوهرها هي قوة الإرادة ونور المعرفة وحرارة المحبّة. فبهذه الأسلحة الروحية سلّح الروح القدس جُند المسيح ضدّ هذا العالم لأن معلّمهم كان قد منع عليهم أيّ سلاح مادّي حتى العصا.
لماذا انسكب لهيب النار على رؤوس الرسل على شكل ألسنة؟
لأنه كان يجب على الرسل أن يبشروا بلسانهم الشعوب بالبشارة المفرحة وهي بشارة الحق والحياة وتعاليم التوبة والغفران. كان عليهم أن يعلّموا بالكلمة وأن يشفوا المرضى بالكلمة وأن يعزّوا بالكلمة وأن ينصحوا ويقودوا بالكلمة وأن يؤسسوا الكنيسة بالكلمة، وأخيرًا أن يدافعوا عن أنفسهم بالكلمة. لأن معلّمهم أوصاهم ونبّههم بألا يخافوا من مضطهديهم ولا يهتمّوا بما يجيبون في المحاكم، "لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح القدس" (مر 13: 11).