تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
الدلالات السياسية التى حٌملت بها صور تجول مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل فى شوارع طرابلس وأزقة المدينة القديمة إلى جانب رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة؛ كانت الأقوى والأوقع مقارنة بصور استقبال أرفع وفد من المسئولين الأتراك من قبل ضباطهم وجنودهم داخل مطار قاعدة معيتيقية.
فى مؤتمر برلين2 لم تجد أنقرة الصدى الذى أرادته من زيارة استعراض القوة والنفوذ المفاجئة التى قام بها وزراء خارجيتها ودفاعها وداخليتها وكبار مسئوليها إلى العاصمة الليبية طرابلس دون اسئذان أو حتى إعلام نظرائهم فى حكومة الوحدة الوطنية؛ ومع ذلك أصدرت وزارة الدفاع التركية تزامنًا مع نهاية المؤتمر بيانًا على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعى فيسبوك قالت فيه أن ضباطها وجنودها سيواصلون تدريب وتأهيل الضباط الليبيين وفقًا للاتفاقية الأمنية المبرمة.
"يذكر أن الاتفاقية المشار إليها وقعت مع حكومة فائز السراج بعد انتهاء ولايتها ولم تحز موافقة أو تصديق البرلمان الليبى ما يجعلها ووفقًا لاتفاق الصخيرات غير قانونية".
الزيارة التى جاءت مخالفة للأعراف الدبلوماسية لم تكن الرسالة الاستباقية الوحيدة للمجتمعين فى برلين2، فقبل الاجتماع بعدة أيام استبدلت تركيا 160 عنصر من المرتزقة السوريين بـ 200 آخرين حسب المرصد السورى لحقوق الإنسان وقبل الاجتماع بيوم واحد هبطت طائرة شحن عسكرية فى مطار معيتيقة قادمة من تركيا محملة بأسلحة ومعدات عسكرية وكميات كبيرة من الذخائر وفقًا لموقع قناة 218 نيوز الليبية الذى ذكر فى تقريره أن تلك الشحنة كانت الأولى منذ نحو عام.
الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يريد القول بشحنات المرتزقة والأسلحة (أنا هنا أمر واقع) فى سلوك مشابه للأطفال عندما يريدون لفت انتباه الكبار؛ فى سياق متصل حاول التأكيد على ذلك الواقع من حيث كونه محتل يستطيع استباحة الأراضى والثروات الليبية وكأن أصحابها مجرد رعايا لدى حكومته بدعوته رئيس أذربيجان فى التعاون فى استخراج الثروات النفطية والغازية والاستثمار فى الصناعات البتروكيماوية فى ليبيا.
يتصرف أردوغان دائمًا كطفل لا يقنع بالحلوى التى بين يديه، طامع فيما يملكه الآخرون، وتدرك أوروبا على ما يبدو هذه الحقيقة ما دعى رئيسة المفوضية الأوروبية إلى اقتراح تعديل الإغاثة العاجلة التى يمنحها الاتحاد الأوروبى لتركيا حتى لا تفتح حدودها أمام ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سورى ليغزو القارة العجوز إلى دعم بعيد الأمد وهو اقتراح تتم مناقشته اليوم الخميس فى اجتماع الاتحاد الأوروبى ببروكسل.
غير أن أوروبا تعى جيدًا أن أردوغان طفل مدلل يعشق اللهو بلعبة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين على نحو يتسبب فى أضرار جسيمة تهدد الأمن القومى الأوروبى وتخشى أن يلهو بنفس اللعبة إذا استقر تواجده العسكرى داخل ليبيا؛ لذلك لم تؤت كل رسائله الاستباقية ثمارها.
قادة القارة العجوز –وقبيل اجتماع برلين2- راحوا يطلقون تصريحات متلاحقه حول ضرورة جلاء المرتزقة وجميع القوات الأجنبية من الأراضى الليبية رابطين تواجدها باستمرار حالة عدم الاستقرار وفشل مسارات المصالحة وكل محاولات تهيئة ليبيا لانتخابات ديسمبر القادم؛ بل أن محاولته مغازلة واشنطن بعرض تولى الجيش التركى حماية مطار العاصمة الأفغانية كابل بعد انسحاب القوات الأمريكية قد باءت هى الأخرى بالفشل وفوجئ بمواقف مماثلة يعبر عنها وزير الخارجية الأمريكى وقائد قوات أفريكوم.
فى الساعات الأخيرة التى سبقت برلين2 طلبت أنقرة من حكومة عبدالحميد الدبيبة عرض ورقة تركيا فى مؤتمر برلين باعتبارها وثيقة ليبية تطالب المجتمع الدولى باستثناء القوات التركية من مطلب إجلاء المرتزقة والعناصر الأجنبية تحت دعوى حاجة ليبيا لبقاءها حتى إتمام انتخابات ديسمبر لتبقى مزيدًا من الوقت إلى ما بعد تلك الانتخابات وذلك بحسب تقرير نشرته صحيفة المرصد الليبية.
هذا المسعى الأخير لأنقرة يؤكد أنها باتت مقتنعة تمامًا أن المجتمع الدولى لن يسمح لها بالاحتفاظ بقوات عسكرية نظامية على الأراضى الليبية وأن محاولاتها السابقة للتمييز بين ضباطها وجنودها النظاميين والمرتزقة السوريين الذين جلبتهم قد باءت جميعها بالفشل رغم ما قاله مستشار الرئيس أردوغان ياسين أقطاى فى سياق مناكفاته الساذجة مع الدولة المصرية بشأن استحالة تلبية المطلب المصرى برحيل جميع القوات التركية وعناصر المرتزقة من الأراضى الليبية.
أثناء إنعقاد برلين2 طالب رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة المجتمع الدولى المساعدة فى إنهاء تواجد كافة القوات الأجنبية والمقاتلين والمرنزقة الأجانب من بلاده ما يعنى أن الورقة التركية قد قوبلت بالتجاهل من الجانب الليبى وأجمع كل القادة المشاركين فى الاجتماع من أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى وزير الخارجية الأمريكى على ضرورة رحيل جميع المرتزقة والقوات الأجنبية؛ وصحيح أن وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس قال فى مؤتمره الصحفى بعد انتهاء مؤتمر برلين2 أن تركيا تحدثت عن وجود فارق بين قواتها النظامية والمرتزقة إلا أنه شدد على أن بلاده ستعمل جادة مع شركائها برحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب لأن تواجدهم يؤثر سلبًا على استقرار ليبيا ومسار المصالحة وحتى الانتخابات المقبلة.
ومع ذلك فيما يبدو أن القوات التركية ستكون آخر الراحلين حيث سيتم البدء بالمرتزقة الأجانب وبشكل متوازى ومتوازن بحسب وزيرة خارجية ليبيا دكتورة نجلاء المنقوش التى ألمحت إلى أن عملية إجلاء المرتزقة سوف تبدأ خلال أيام مرجأة مسألة تحديد إطار زمنى إلى ما سيظهر من تحديات.
ويمكن القول أن المخاوف التى أبدتها بعض الدول مثل السودان وتشاد علاوة على الاتحاد الافريقى من أن تؤدى عملية إجلاء المرتزقة والمسلحين الأجانب إلى انتشارهم داخل بعض الدول الافريقية خاصة الساحل والصحراء علاوة على دول الجوار الليبى هى من ساعد تركيا فى إبطاء جلاء قواتها النظامية إذ سيتعين أولًا تجريد المرتزقة من أسلحتهم وإعادتهم إلى بلدانهم على مراحل وفق ترتيبات أمنية تحتاج إلى تعاون دولى خاصة وأنه لم يتم بعد توحيد المؤسسة العسكرية الليبية وباقى الأجهزة الأمنية علاوة على استمرار وجود المليشيات والمجموعات المسلحة الليبية التى لم يتم تفكيكها أو دمجها ناهيك عن مليشيات وعناصر التنظيمات الإرهابية المنتشرين داخل العاصمة طرابلس وباقى مدن الغرب الليبى.
فى نهاية الطريق سوف تنسحب تركيا لأن الجميع يدرك أنها تريد بتواجدها العسكرى تحويل ليبيا إلى ورقة تفاوض فى صراع غاز شرق المتوسط سيما وأنها قد حصلت بالفعل على مكاسب اقتصادية بموجب 14 عقد أبرمته مع حكومة الدبيبة وفق مصادر ليبية.