لا تزال تشكل أزمة سد النهضة قضية حياة أو موت بالنسبة لجميع المصريين، فالنيل الذى هو شريان الحياة، وهبة مصر، مهدد من قبل إثيوبيا التى تصر على مواصلة خططها في بناء السد وتخزين المياه فيه، مع حرمان مصر والسودان من حقهما في المياه، بينما يمسك صانع القرار المصرى بيد الحكمة والدبلوماسية، مع عدم استبعاد اللجوء إلى الحلول الأخرى، حسبما تؤكد دوما الخارجية المصرية.
أمام التعنت الإثيوبي، يطرح خبراء تحدثت إليهم «البوابة» عددا من المقترحات لحل الأزمة، منها اللجوء إلى محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة فضلا عن مجلس الأمن، وكذلك ضرورة دعم أكبر عدد من الدول المؤيدة والمساندة للموقف المصرى لا سيما من الدول العربية والأفريقية، في ظل اتهامات للاتحاد الأفريقي بمحاباة إثيوبيا، وتركها بدون رادع، مع علم الجميع أنها تجور على حقوق تاريخية وإنسانية لنحو 100 مليون مصري. الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب أكد دعم الموقف المصري، فيما تبقى المطالبات بتحرك مجلس الأمن لاتخاذ التدابير والقرارات العاجلة لحفظ الأمن والسلم الدوليين ودرء العدوان الإثيوبى على دولتى المصب مصر والسودان قائمة. وحسب الخبراء، يملك مجلس الأمن اتخاذ قرارات تدين إثيوبيا، كما أن المجلس بإمكانه انتداب لجان دولية للبت في أضرار السد. واعتبر البعض أن موقف إثيوبيا أشبه بإعلان حرب ما يفتح المجال أمام مصر لكل خيارات الرد والردع لمنع المساس بأى نقطة مياه، مشددين على أن الدولة الأفريقية تثير فتنة دولية، وتنذر بحروب مياه مستقبلًا.
أستاذ قانون: مصر أخطرت مجلس الأمن بالانتهاكات والإجراءات الانفرادية
يقول الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى العام إن مصر قدمت رسميًا لمجلس الأمن اعتبارًا من أول مايو ٢٠٢٠ مذكرة تنبيهية بموجب المادة ٣٥ من ميثاق الأمم المتحدة؛ مفادها تنبيه المجلس باعتباره الجهاز الرئيسى المختص للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وذكرت أن الاحتكاك الذى يحدث بين مصر والسودان من جانب وأثيوبيا من الجانب الآخر في سد النهضة والنيل الأزرق من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين.
وأحال مجلس الأمن الملف بإجماع إلى الاتحاد الأفريقي تأسيسًا على الفصل الثامن من منظمة الأمم المتحدة وأيضًا البروتوكول الأساسى لمنظمة الاتحاد الأفريقي في يوليو العام الماضي.
وأخطرت مصر مجلس الأمن في مذكرة احتجاج مفادها أن إصرار إثيوبيا على الإجراءات الانفرادية المنتهكة لاتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة عام ٢٠١٥، وذلك بإصرارها على الشروع في الملء الثانى لسد النهضة قبل التوصل لاتفاق أو بروتوكول دولى قانونى ملزم مع مصر والسودان يحدد كل القواعد التفصيلية والتشغيلية والتنفيذية لتشغيل سد لنهضة والانتفاع المنصف بمياه النيل الأزرق الدولى بعد إنشاء السد الإثيوبى من شأن هذا تهديد الأمن والسلم الدوليين.
وتابع الخبير في القانونى الدولي: «ليس من المحتمل أن يتناول مجلس الأمن مرة ثانية النزاع الذى ما زال في حوزة الاتحاد الأفريقي وإن حدث ذلك فمن المستبعد أن يصدر المجلس تدابير عقابية لوقف الملء الثانى لسد النهضة وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ فبالتالي ليس من المرجح أن يصدر مجلس الأمن قرارات بوقف استمرار تشييد السد لنهايته أو وقف الملء الثانى لحين الوصول لاتفاق قانونى ملزم للأطراف الثلاثة».
وتكثف مصر والسودان ضغوطهما حاليا على إثيوبيا مع سعيها للمضى قدما في عملية الملء الثانى لخزان السد بشكل أحادى الشهر المقبل.
سيد فليفل: موقف دولتى المصب أصاب إثيوبيا بالرعونة
الاتحاد الأفريقي ليس به هيئة معنية بالسدود والأنهار تمتلك الكوادر والخبرات والقدرات العلمية والخبرة الميدانية القادرة على الفصل في مسائل فنية بشكل دقيق
الدكتور سيد فليفل عميد معهد الدراسات الأفريقية سابقًا يرى أن تشتتا سابقا في الموقف العربى فيما يخص سد النهضة حرم مصر من الدعم الكامل، لأن بعض الدول كانت تخشى على استثماراتها في إثيوبيا، وبالتالى جاءت القمة الوزارية الأخيرة لتأكيد وحدة الموقف العربى وإبراز أن أى استثمارات عربية أو مصالح ليست عائقًا أمام مصر والسودان في نيل حقوقها الطبيعية.
وأشار إلى أن الموقف العربى يعتبر تغيرا شاملا عن السابق، إذ أنه حاليا يقر بحق مصر والسودان في مياه النيل ضد التى كانت على اتصال مع أطراف دولية مثل فرنسا، ومع تراجع الموقف الأمريكى فإن الأمور في صالح مصر وإيجابية، وهناك رسالة واضحة بقوة موقف دول المصب ما أصاب الجانب الإثيوبى بالرعونة واتخاذ مواقف غير مدروسة ومنفعلة. وتعانى إثيوبيا من أزمات داخلية وانقسامات ودائما تحاول السياسة الإثيوبية استخدام وتصدير أزمة سد النهضة لدعم التلاحم الداخلى والسيطرة على الانشقاقات عن طريق اعتبار كل معارض لسياسة الحكومة خائنا ومتعاونا مع قوى أجنبية، وفق فليفل. وفيما يخص موقف الاتحاد الأفريقي، قال الخبير في الشأن الأفريقي إن الاتحاد ليس به هيئة معنية بالسدود والأنهار تمتلك الكوادر والخبرات والقدرات العلمية والخبرة الميدانية القادر على الفصل في مسائل فنية بشكل دقيق، ولهذا فقدت دورها الحقيقى عن محاولة التوسيط ولا تصل لحد الوساطة.
وأضاف: «ولهذا دفع الاتحاد أطراف الأزمة إلى طلب دخول وساطة دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى في المفاوضات، كون هذه الأطراف الدولية تمتلك خبرات عالية، وهذه خطوة لم يقدم عليها الاتحاد الأفريقي عليها رغم فشله في المفاوضات؛ ومن هنا كان اللجوء لمجلس الأمن ضرورة حتمية من قبل دول المصب». ويرى «فليفل» أن مصر أخذت خطوة متأخرة جدًا كان لزامًا أن تأخذها من وقت طويل وهى عدم ترك جيبوتى لإثيوبيا ومحاولة حصارها خاصة أنها دولة حبيسة وتعتمد على الرسوم التى تحصلها من تجارة إثيوبيا. وتابع: «من غير المعقول أن تمتلك اليابان والصين وفرنسا مواطن في أفريقيا ولا تمتلك مصر هذه النفوذ».
وواصل: «الساحل الجيبوتى مقابل لمضيق باب المندب ونحن أصحاب مصلحة فيه بحكم قناة السويس التى تعتمد على ذلك بشكل كبير في مرور التجارة الدولية، ومع عودة الدور المصرى حدث نوع من التوازن».
نادر نور الدين: الحل قد يكون بيد محكمة العدل الدولية
يقول أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور نادر نور الدين، إن مجلس الأمن يملك اتخاذ قرارات فيما تخص الأمن القومى العالمى ويملك إصدار قرارات من شأنها تدين الجانب الأثيوبى عن طريق إحالة الملف إلى لجان من الخبراء مثل البنك الدولى أو المنظمات المائية الدولية مثل محكمة العدل الدولية لتحديد الأضرار التى ستقع على دولتى المصب ويصدر أحكامًا على إثيوبيا سواء تعويضات أو عمل تعديلات في السد ضمن عدم الإضرار بالأمن المائى المصرى السودانى.
وأضاف: «القيادة السياسية صرحت بأننا أمضينا سنوات عشر في التفاوض غير مجدية وعقيمة خلالها إثيوبيا اعتمدت على تسويف الوقت وفرض الأمر الواقع ولاتريد الالتزام بأى حصة مائية أو ضمان أى قدر من المياه الخاصة بالنيل الأزرق لما كانت عليه قبل بناء السد وهنا تظهر نية التحكم والسيطرة وفرض الوصاية على النيل الأزرق».
وأشار إلى أن تدويل القضية يخدم مصر، وتابع: «كان يجب على الجانب المصرى والسودانى أن يصرا على بقاء الملف بمجلس الأمن»، مضيفا: «جنوب أفريقيا أودعت الملف بالاتحاد الأفريقي لاستنزاف الوقت وإفشال تدويل القضية وعدم اتخاذ أى إجراءات. فالبتالى العودة إلى مجلس الأمن مرة أخرى هو إصرار على تدويل القضية وقراءة لفشل ملف الاتحاد في طرح خارطة طريق أو تقريب وجهات نظر أو الوصول لحلول بين الدول الثلاث».
وأكد أن تعنت الجانب الإثيوبى رغم أنه به وفرة مائية ولديه ٩ أنهار أخرى غير النيل، لكن مع زيارات الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي إلى دول أفريقية خاصة جيبوتى فإن إثيوبيا تجد نفسها محاصرة سياسيا، لأن كل مستلزمات السد تأتى من موانئ جيبوتى وأغلب صادرات إثيوبيا تخرج من موانئ جييوتى والصومال التى تمتلك مصر علاقات طيبة معهما.
أمانى الطويل: مصر عليها تقديم شكوى رسمية
الخبيرة أمانى الطويل مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية والمتخصصة في الشئون الأفريقية ترى أن دعوة وزراء الخارجية العرب لحل الأزمة هو تحرك إيجابى ينقصه أن يكون في صورة شكوى، وألا يقتصر على كونه مجرد عودة لبحث الموضوع لأن الشكوى يكون لها مسار وإجراءات معينة بمجلس الأمن لتكون أكثر فعالية وضغط على الجانب الاثيوبى.
وتتوقع «الطويل» في المرحلة المقبلة أن تكون المساندة لحقوق دول المصب من الدول الأفريقية العربية نتيجة الجولات التى قامت بها وزيرة الخارجية السودانية من ناحية والمجهود الدبلوماسى المصرى من ناحية أخرى؛ فيما تظل أولويات المفاوض المصرى هى الحفاظ على الحقوق المائية المصرية عبر اتفاق قانونى ملزم والأخذ بعين الاعتبار كل الشواغل المرتبطة بحياة ١٥٠ مليون مواطن بمصر والسودان.
وعلى الجانب الرسمي، قال السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية إن الوزير سامح شكرى اجتمع مع نظرائه العرب في اجتماع الدورة غير العادية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزارى لبحث قضية سد النهضة، وأطلعهم على جهود مصر وإرادتها الصادقة للتوصل لاتفاق قانونى ملزم يراعى مصالح الدول الثلاث، مشددًا على أن إصرار إثيوبيا على الملء دون اتفاق يخالف قواعد القانون الدولي.
حسن عمر: احتجاز المياه عدوان مباشر ومجلس الأمن يمكنه اتخاذ إجراءاته لفرض الأمور وقراراته بالقوة إذا لزم الأمر في ضوء الفصل السابع
خبير القانون الدولى حسن عمر يؤكد من جانبه أن كل دول العالم لها حقوق الدفاع عن نفسها ومنها حق البقاء، مؤكدا أن سد النهضة انتهاك لحق البقاء وتعريض كل الشعب للخطر.
وأضاف: «احتلال نهر الغير بالقوة عن طريق احتجاز المياه يعادل احتلال الأرض بالقوة ما يمثل عدوانا مباشرا على دولتى المصب، وهنا ستكون مصر في حالة دفاع، ويجب اتخاذ جميع الوسائل المتاحة لدرء هذا العدوان مع إبلاغ مجلس الأمن بالخطوات التصعيدية المُتخذة».
وواصل: «مجلس الأمن يمكنه اتخاذ إجراءاته لفرض الأمور وقراراته بالقوة إذا لزم الأمر في ضوء الفصل السابع ناهيك عن أن حالة الدفاع الشرعى تبيح لك حالة الحرب، خاصة أنه في هذه الحالة تشكل إثيوبيا تهديدا على السلم والأمن الدوليين».
ويملك مجلس الأمن والمنظمات الدولية إصدار قرارات بوقف أعمال الإنشاءات، فقد أصدرت محكمة العدل الدولية في السابق قرارا بهدم الجدار العازل في فلسطين، تأسيسًا على أن هذا الحاجز أو السور تعدى حدود قرار التقسيم رقم ١٨١ فيعتبر عدوانا.
وأشار إلى أن مجلس الأمن يعتبر هذا السد عدوانا، وكان لزامًا اتخاذ موافقة الدول قبل إنشائه، ويكفى تصريحات إثيوبيا أن تحويل النهر إلى بحيرة وهذا عدوان مباشر.
وما يجعل مصر أمام قضية دولية هو أن نهر النيل يتشارك فيه دول المصب والمنبع وتحكمها اتفاقيات دولية، وقد تحذو دول أخرى مثل إثيوبيا وتتحول لفتنة السدود على الأنهار الدولية ويدخل العالم في حروب المياه خلال السنوات المقبلة، ولذلك لا بد لمجلس الأمن من اتخاذ كل الإجراءات والتدابير للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
ويؤكد الخبير القانونى أن مصر تستطيع أن تحمى نفسها وحقوقها وكل الخيارات مفتوحة أمام الدفاع الشرعى عن الحق في الحياة.
ضياء القوصى: كل الخيارات متاحة والحفاظ على الحقوق المائية المصرية عبر اتفاق قانونى ملزم
مستشار وزير الرى الدكتور ضياء القوصى يرى أن زيارة الرئيس إلى دولة جيبوتى مؤشر لتضييق الخناق على إثيوبيا وهى خطوة موفقة مع بناء علاقات مع الصومال وجنوب أفريقيا وأوغندا وإرتيريا.
وشدد «القوصى» على ضرورة امتناع كل الدول العربية عن تزويد إثيوبيا بأى قروض أو منح مع التلويح والتهديد بسحب الاستثمارات، وهو ما قد يؤثر بشكل كبير في الموقف الإثيوبى.
وتابع: «أما الاتحاد الأفريقي فمقره في أديس أبابا ومواقفة دائما مع الجانب الإثيوبى عن طريق المساعدة في استنزاف الوقت والمماطلة علاوة عن اتفاقية (عنتيبى) الموقعة من ٦ دول أفريقية، مع تشبث إثيوبيا بعدم خروج القضية لمجلس الأمن الذى يستطيع من خلال المادة ٣٢ أو ٣٣ أو ٣٤ أو٣٥ أن يصدر قرارا أو مسودة اتفاق بما يراه منصفا وعادلا لجميع الأطراف، ويطلب الالتزام به من جميع الأطراف أو أن ينقل الملف إلى جهة تحقيق دولية مثل محكمة العدل الدولية لإجراء دراسة وتحقيق وتحكيم به لعرض النتائج واتخاذ القرار المناسب، فيما يبقى الخيار العسكرى محتملا خاصة أن الشعبين المصرى والسودانى لن يقبلا الجوع والعطش.