الأدب بصور فنونه المتنوعة يحاول أسر التجارب الإنسانية المنفتحة واللامتناهية لثراء التجربة البشرية، ولا شك أن الشعر أحد هذه الفنون التي تحاول التحليق في فضاء الخيال، وربما هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس في وعي الإنسان وفي اللاوعي أيضا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع والشكل ليستمر العطاء الفني متجددا ودائما كما النهر..
تنشر "البوابة نيوز" عددا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميا.
واليوم ننشر قصيدة بعنوان "بكائية ليلية" لشاعر الجنوب أمل دنقل، وذلك تزامنا مع ذكرى ميلاده التي تحل اليوم الأربعاء.
للوهلة الأولى
قرأت في عينيه يومه الذي يموت فيه
رأيته في صحراء "النقيب" مقتولا..
منكفئا.. يغرز فيها شفتيه،
وهي لا تردّ قبلة.. لفيه!
نتوه في القاهرة العجوز، ننسى الزمنا
نفلت من ضجيج سياراتها، وأغنيات المتسوّلين
تظلّنا محطّة المترو مع المساء.. متعبين
وكان يبكى وطنا.. وكنت أبكي وطنا
نبكي إلى أن تنصبّ الأشعار
نسألها: أين خطوط النار؟
وهل ترى الرصاصة الأولى هناك.. أم هنا؟
والآن.. ها أنا
أظلّ طول اللّيل لا يذوق جفني وسنا
أنظر في ساعتي الملقاة في جواري
حتّى تجيء. عابرا من نقط التفتيش والحصار
تتّسع الدائرة الحمراء في قميصك الأبيض، تبكي شجنا
من بعد أن تكيسّرت في " النقب " رأيتك !
تسألني: " أين رصاصتك ؟ "
" أين رصاصتك "
ثمّ تغيب: طائرا.. جريحا
تضرب أفقك الفسيحا
تسقط في ظلال الضّفّة الأخرى، وترجو كفنا !
وحين يأتي الصبح – في المذياع – بالبشائر
أزيح عن نافذتي السّتائر
فلا أراك..!
أسقط في عاري. بلا حراك
اسأل إن كانت هنا الرصاصة الأولى ؟
أم أنّها هناك ؟؟