أعلنت فرنسا تعليق عملياتها العسكرية في مالي، بعد الانقلاب العسكري الثاني الذي وقع هناك هذا العام، على حكومة يقودها المدنيون بقيادة الرئيس المؤقت باه نداو ورئيس الوزراء مختار عوان، وهي الحكومة المدنية التي تم الاتفاق على توليها زمام الأمور بشكل ديمقراطي.
واعتبر المجلس العسكر في مالي أن التعديلات الأخيرة التي أجرها رئيس الحكومة، بالتشاور مع الرئيس نداو، دون التشاور مع المجلس العسكري خرقا للاتفاق الذي جرى بعد انقلاب 18 أغسطس/2020، والذي بموجبه استولى الموالين لقيادة المجلس العسكري أهم الحقائب السيادية، وعلى رأسها حقيبتي الدفاع والأمن. خصوصا وأن التعديلات كانت تهدف إلى اضعاف جناح المجلس العسكري بقيادة زعيم الانقلابيين غويتا.
وذكرت دراسة للمركز الفرنسي للبحوث والدراسات الدولية انه تعتبر خطوة جريئة وتحمل الكثير من المخاطرة والتحدي للمجلس العسكري الذي حاول الهيمنة على الحياة السياسية وفرض ضباط الجيش على مختلف المناصب التنفيذية والسياسية، وجعل الحكومة المؤقتة واجهة له.
وتغشى باريس والمجتمع الدولي، من المشهد الحالي بعد الانقلاب رغبة جناح من الجيش استعادة زمام الحكم، بعد اضطرارهم لتقاسمه مع المدنيين بضغط دولي، في بلد يشهد اضطرابا أمنيا حرجا، ويؤدي إلى دخول البلاد مجددا في دائرة رمادية من عدم اليقين، خاصة وأن العديد من المخاطر ما زالت قائمة ويمكن أن تتطور وتؤثر على عدة مستويات وتخلق تداعيات مختلفة:
وتابعت الدراسة أن هناك تخوف دولي واسع من وصول الضباط إلى سدة الحكم، وهو ما قد يشجع ضباط أخرين في دول منطقة الساحل، لا سيما (موريتانيا، بوركينا فاسو، النيجر) خصوصا وأن الانقلاب الثاني في مالي، كان يتزامن مع سيطرة مجلس عسكري انتقالي على الحكم في اتشاد، بعد مقتل رئيس البلاد إدريس ديبي، في أبريل الماضي، واعتراف فرنسا ودول الساحل به، مع اشتراطهم مشاركة المدنيين في إدارة المرحلة الانتقالية مع العسكريين. وكذلك كان أحبط الحرس الرئاسي في النيجر في نهاية مارس الماضي، محاولة انقلاب عسكري مشابهة بمالي.
ولفتت الدراسة انه لقد ظلت الانقلابات العسكرية حدثا متكررا في أفريقيا وعندما يحصل انقلاب واحد في بلد ما، فغالبًا ما ينذر ذلك بالمزيد من الانقلابات.
وأوضحت الدراسة انه لذلك وحتى لا تتكرر الانقلابات ولا تأخذ شرعية مطلقة، علق الاتحاد الأفريقي في بيان له، عضوية مالي ردا على الانقلاب العسكري الذي وقع هناك، وهدد بفرض عقوبات إذا لم تعد الحكومة التي يقودها مدنيون إلى السلطة.
ويسود توجس من تداعيات سلبية محتملة للأوضاع السياسية والأمنية المتوترة في هذا البلد ومعظم البلدان الأفريقية التي تعاني من الانقلابات العسكرية المتكررة، وما يمكن أن تستغله المنظمات الإرهابية المتطرفة من بينها القاعدة وداعش التي تقود عمليات ضد القوات المحلية والدولية.
ففي مارس مثلا أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" السيطرة على مدينة بالما الساحلية في شمال موزمبيق، بعد هجوم استمرت لثلاثة أيام وأوقعت عشرات القتلى والجرحى، وبهذا أصبحت بلدة بالما الواقعة على مسافة 10 كيلومترات فقط عن مشروع غاز عملاق تديره مجموعة "توتال" الفرنسية في يد الارهابيين، وذلك ضمن مشاريع للغاز قيمتها 60 مليار دولار.
هذه الأنماط يمكن ان تتكرر بسرعة وسهولة في أفريقيا، لن هناك ظلم محلي بسبب الأوضاع الاقتصادية وما تخلفه الانقلابات من فقر وشعور واسع من السكان المحليين بالتهميش والتمييز ضدهم من قبل حكومتهم.
وبالتالي فإن هذا النوع من الانتهازية الإرهابية لا يكون بهذه القوة الا إذا اطمئن لحاضنة، ويكون انعكاسًا في الأساس تمرد محلي وضع نفسه بشكل انتهازي تحت عباءة تنظيم الدولة ثم لفت انتباه العالم من خلال العنف الدموي وقربه من مثل ذلك المشروع التجاري المهم.
وكشفت الدراسة انه يسود القلق من تنامي التنافس الدولي والإقليمي، لا سيما وقد أسهمت طبيعة التفاعلات الداخلية والخارجية المرتبطة بالتطور بالمناطق الأفريقية في إعادة صياغتها وتركيبها أكثر من مرة؛ فالحروب الأهلية والصراعات العنيفة على السلطة، وانهيار مشروع الدولة الوطنية، والكوارث الطبيعية، والتنافس الدولي على الثروة والنفوذ أسهمت في صياغة وتشكيل هذا الإقليم المضطرب.