السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ابن يعقوب وابن حنبل.. لماذا اختار الشيخ مراوغة القاضي في حقيقة أفكاره؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علّم التيار السلفي أتباعه طوال العقود الماضية هدى النبي في أن أفضل كلمة حق هي أن تكون عند سلطان جائر، وأن الأمة لا تسير بدون أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فعندما جاء الاحتلال الإنجليزي لبلادنا وجد العلماء في الصف الأول لمواجهة المحتل، وعندما جاء الاحتلال الفرنسي خرجت جموع العلماء الأزهريين وطلبة العلم في ثورة القاهرة الأولى والثانية تقول ..
باشا يا باشا يا عين القملة! مين قال لك تعمل دي العملة!
باشا يا باشا يا عين الصيرة! مين قالك تدبّر دي التدبيرة!
اختار الشيخ محمد حسين يعقوب البطولة في زمن الإخوان ووقف بعد المطالبة بالتعديلات الدستورية ووصفها بالغزوة المصحوبة بالانتصار، استخدم مفردات يومها أزعجت الكثيرين بصوته الجهوري "ده غزوة اسمها غزوة الصناديق ــ بيننا وبينكم الجنائز ــ وقالت الصناديق نعم للدين ونكبر تكبيرة العيد ـــ الدين سيدخل في كل حاجة ــ ديمقراطيتكم عوزة الدين ـــ فسطاط أهل الدين وفسطاط الكفر ــ شكلك وحش لو انت بش مع المشايخ ـــ البلد بلدنا".
الشيخ "يعقوب " اعتبر نفسه حينها إمام الفاتحين وقائد غزوة الصناديق ومحرر اللجان الانتخابية من الكفار والملاحدة، حكى لنا يومها عن غزوة الصناديق.. في أكبر عملية للتوظيف السياسي للدين ، وان الشعب المسلم قال نعم للدين وإحنا بتوع الدين .. البلد بلدنا واللى مش عاجبه يدور على تأشيرة لأمريكا أو كندا... دعنا جميعا حينها لمشاركته لتكبيرة العيد احتفالا بالانتصار على الكفار فى هذه الغزوة المباركة .
وبعد حوالي 10 سنوات، هي الفارق بين مشهدين تصدر فيهما الداعية السلفي محمد حسين يعقوب جميع مواقع التواصل الاجتماعي وتصدر فيها مشهد البطولة، والمشهد الثاني كان أمام المحكمة في قضية "داعش إمبابة "، في مشهد بدت فيه علامات الانكسار عليه فحضر إلى المحكمة جالسا على كرس متحرك، وبدت عليه حالة من الإرباك الشديد والتجاهل الشديد لقضايا لطلما عاصرها وسمعها وتحدث عنها وهي مفاهيم السلفية والعلم الشرعي وما معني الطائفة الممتنعة وفتاوى التكفير والقتل واستحلال الدماء وخرج ينفي كل الآراء التي نسبها المتهمون في القضية له.
شتان بين المظهرين طبعا في الأول غلب عليه الاستعلاء تحدث فيه عن التعديلات الدستورية ووصفها بالغزوة المصحوبة بالانتصار، والثاني بدت فيه علامات الخوف والتحسب من كل كلمة يقولها .
نسي الشيخ حديثه عن سلمان الفارسي حينما قال: "عندما لاحظ سلمان الفارسي الصحابي الجليل بردة جديدة على الخليفة عمر بن الخطاب وقف أمام الناس وقال: لا سمع لك ولا طاعة علينا، من أين لك بهذه البردة؟ فنادى عمر ابنه ليخبره أنها بردته فعندئذٍ قال سلمان: الآن نسمع ونطيع.
نسي ما حدث لسعيد بن المسيب وكان عالمًا زاهدًا له من العلم والصيت ما جعل عبد الملك بن مروان يطلب منه البيعة لولديه الوليد وسليمان فرفض سعيد بن المسيب البيعة وهو من هو، عالم المسلمين وفقيه الإسلام، أرسل عبد الملك لوالي المدينة أن يعرض على المسيب إما أن يبايع أو يمكث بالمنزل أو يفر، فلم يقبل ابن المسيب الصمت أو الفرار ، فضرب بالسياط وسجنوه.
لم يتبني الشيخ موقف سعيد بن جبير من بيعة بني أمية وهو عالم له وزنه، فأمسك به الحجاج ودار بينهم حوار الله أعلم بصحته يوضح كيف حاول الحجاج أن يفتنه بشتى الطرق وأن يأخذ البيعة منه حتى أمر الحجاج بأن يذبح، قال سعيد بن جبير يومها: خذها يا حجاج حتى أحاججك بها الله يوم القيامة، ودعا: اللهم لا تسلطه على قتل أحد بعدي، وبالفعل لم يقتل الحجاج أحدًا بعده ومات الحجاج وهو يتألم لقتل هذا العالم ويعذبه ضميره على ذلك ويخشى دعوته التي أصابته!
نسي الشيخ ما قالة عن ابن تيمية وهو في السجن: إنما جنتي بصدري فأينما كنت هي معي، مات إمام الأمة في السجن كما عاش في السجن.
الغريب عندما عندما سأله القاضي ماذا تعرف عن "الطائفة الممتنعة"؟ قال الشيخ محمد حسين يعقوب: عن الطائفة الممتنعة وما أدراك ما الطائفة الممتنعة ، أنا أول مرة أسمع عن هذه الكلمة؟! فأوضحت المحكمة وفسرت له: "هي الفئة الممتنعة عن تطبيق الشريعة". فرد فضيلة مولانا الجهور: لا أعلم.
وسألته المحكمة: ما رأيك أن هذه العبارات عن "الفئة الممتنعة" وردت في كتاب ابن تيمية وبالتحديد في كتاب مجموع الفتاوى، وأنت تقول إن ابن تيمية هو شيخكم؟ فرد الشاهد: ابن تيمية له 37 مجلدًا وقد تكون الجملة التي تتحدث عن تطبيق الشريعة قد تكون في سياق آخر، وقد يكون حديثه عنها عن فئة معينة في عصره.
وهي الكارثة بعينها فالرجل يعرف جيدا ما معنى الكلمة ومدلولاتها الفقهية والعقدية منذ أن ظهر في الساحة في السبعينات من القرن الماضي ، وقد أرسل إليه أحد قيادات التيار السلفي وهو وائل سرحان، أحد أبناء الدعوة السلفية بالإسكندرية؛ طلب العلم على يد يعقوب وغيره من شيوخ الدعوة السلفية ، وهو أحد مؤسسي أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم.كتاب "الطائفة الممتنعة" وهو في الأساس كتاب صادر عن أكاديمية أسسها التيار السلفي بالإسكندرية يشرح القضية والمصطلح بعمق شديد ويستعرض تاريخها من الناحية الفقهية .
وقد قام سرحان بمراجعة الكتاب وقراءته تفصيليًّا على أحد أبرز مشايخ السلفية، وهو نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر، وممن لهم خبرة ودراية بكتب ابن تيمية دراسة وتدريسًا؛ ألا وهو الشيخ ياسر برهامي.
ورغم أهمية الكتاب إلا أنه أغفل موقف الدعوة السلفية وكيف تسلل كثير من أبناء الدعوة السلفية والتيار السلفي إلي فكر السلفية الجهادية ثم إلى السلفية التكفيرية فيما بعد وهو مربط الفرس وما قصده القاضي في اسئلته إلي شيخ السلفية محمد حسين يعقوب وأمر بإحضاره؛ وهي سابقة تعد الأولى من نوعها في تحري أفكار الجماعات وأسباب تكوينها ويبدو أن لها ما بعدها .
كثير من ردود الشيخ يعقوب مع القاضي كانت متصادمة مع فكره واعتقاداته، وكان تعامله مع بعض المسائل العلمية والفقهية بطريقة غاية في السطحية ولا تناسب مستوى الأهلية العلمية أو الدعوية التي يضع نفسه فيها.
هل تشهد ظاهرة الدعاة الجدد أو مشايخ الدعوة السلفية غروبا بهذه الضربة المحكمة في أحد رموزها الكبار؟!، وهل هناك بديل جيد يملأ الفراغ الذي سيحدث من بعد "محمد حامد الفقي"، مرورا بمحمد خليل هراس إلى أن وصلنا إلى الشيخ محمد حسان وأبو إسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب، وسط غياب تام لمؤسساتنا الدينية إلا فيما ندر؟!
لقد كان المجتمع المصري حريصا على احترام المشايخ والعلماء ورجال الدين، واستطاع الواقع أن يفرض صيغا جديدة لم يكن متعارفا عليها في العصور الإسلامية الأولى، من دعاة ومشايخ وأقطاب ومقلدين وأتباع ، وكل ذلك جعل طرق من الدعوة العمل لإصلاح الواقع كانت مختلفة جدا عما سبق ، وهنا قفزت تيارات الإسلام السياسي واستغلت هذا الواقع المأزوم في النفاذ للبعض ممن لم يكن عنده الوعي الكافي بمجريات الحقائق التاريخية، فكونت قاعدة متخالفة عن النخب الفكرية والثقافية المتعارف عليها فى الواقع الاجتماعي المصري مستغلة الدين لأهداف سياسية، مما نتج عنه أخطار كثيرة كان نتاجها ظاهرة (يعقوب وحسان و الحويني) ، لذلك واجب الوقت هو تفكيك مسببات الظاهرة وإظهار مثقفي الأمة الكبار لحمل أمانة الوعي الفكري المصري في المرحلة القادمة.
اختار الشيخ المراوغة عن مقعد ابن حنبل ومحمد بن نوح في محنة خلق القرآن، فسقط وتبقى محكمة التاريخ في انتظاره.