الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

عودة الروح.. ميلاد جديد للقاهرة التاريخية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قاهرة المعز، مدينة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، أسوارها التى بنيت قبل الألف عام شاهدة على مجدها وانتصاراتها، مساجدها وبيوتها التاريخية تروى سيرة حضارة لم تشهد مثلها أمة من الأمم، وجدران شوارعها تحكى قصة شعب صامد على مر العصور في وجه المعتدين.


عرفت القاهرة بمدينة الألف مأذنة، نظرا لكثرة مساجدها التاريخية ذات المآذن التى تُعانق السماء، وهو ما جعلها أكبر مدينة تضم مبانى ذات طراز معمارى فريد للأديان الثلاثة، لا سيما منطقة مُجمع الأديان، الأمر الذى جعلها مدينة فريدة متنوعة وثرية بما تضمه من كنوز تاريخية ذات طرز معمارية متنوعة. وخلال السنوات الماضية، أولى الرئيس عبدالفتاح السيسي أهمية كبيرة لقطاع الآثار، حيث شهد العالم افتتاح المتحف القومى للحضارة المصرية، وكانت مصر محور اهتمام العالم بعد فعاليات الموكب المهيب الذى شهد نقل 22 مومياء ملكية من المتحف المصرى بالتحرير، لمقرها الجديد بمتحف الحضارة. وقبله بشهور قليلة، شهد العالم افتتاح الرئيس لمتاحف شرم الشيخ، وكفر الشيخ، ومتحف المركبات الملكية، ليس هذا وحسب، فما زالت الدولة تدعم المشروع الحضارى والثقافى الأكبر في مصر والشرق الأوسط، وهو المتحف المصرى الكبير، المقرر له أن يضم المجموعة الذهبية الكاملة للملك الشاب توت عنخ آمون.





٥ مراحل لتطوير مدينة الألف مأذنة

وإن كانت الآثار المصرية قد حظيت باهتمام كبير من القيادة السياسية، فها هى القاهرة التاريخية تدخل دائرة الاهتمام الرئاسى، حيث اطلع رئيس الجمهورية على مشروع «حديقة تلال الفسطاط» بالقاهرة التاريخية الأكبر في الشرق الأوسط على مساحة ٥٠٠ فدان. حيث اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسي الثلاثاء الماضى بالدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، واللواء محمد أمين مستشار رئيس الجمهورية للشئون المالية لعرض المخطط العام لمشروع «حديقة تلال الفسطاط»، بموقعها المركزى في قلب القاهرة التاريخية، لتحتضن متحف الحضارة وبحيرة عين الصيرة ومجمع الأديان وجامع عمرو بن العاص، ولتتكامل الحديقة مع الطبيعة الحضارية للمكان ولتحدث نقلة بيئية نوعية كأكبر متنفس أخضر في قلب القاهرة. ويتضمن مشروع «حديقة تلال الفسطاط» عددًا من الأنشطة التى تعتمد على إحياء التراث المصرى عبر مختلف العصور الفرعونية والقبطية والإسلامية والحديثة، فضلًا عن مجموعة من الأنشطة الثقافية والتجارية والخدمات الفندقية والمسارح المكشوفة، بالإضافة إلى منطقة آثار وحفريات قديمة، ومنطقة حدائق تراثية، كما تتوسطها هضبة كبيرة تتيح التواصل البصرى الفريد مع أهرامات الجيزة وقلعة صلاح الدين ومآذن القاهرة. الرئيس السيسي وجه بالبدء الفورى في تنفيذ مشروع «حديقة تلال الفسطاط» مع ضغط المخطط الزمنى التنفيذى، وذلك بالنظر إلى قيمته المضافة متعددة الجوانب على جهود تطوير القاهرة الكبرى، ولتمثل الحديقة إطلالة على تاريخ مصر الخالد لتصبح مقصدًا سياحيًا إقليميًا وعالميًا يعكس عراقة الحضارة المصرية، مع الاستمرار في هذا الإطار في تطوير الطرق والمحاور والمداخل الرئيسية المحيطة بموقع المشروع لاستيعاب حركة المواطنين والسياحة المتوقعة لموقع الحديقة.

استعادة مكانة القاهرة التاريخية

تسعى الدولة منذ أشهر لعودة الروح التاريخية لكل منطقة بالقاهرة، وذلك ضمن توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بإعادة رونق جمال القاهرة وتطويرها، ويُعتبر مشروع تطوير القاهرة التاريخية من أهم المشروعات التى تتبناها الدولة.
ومنذ مايقارب عام، خرج الدكتور مصطفى مدبولى في تصريحات سابقة يتحدث عن تفاصيل تطوير القاهرة التاريخية، حيث تأثرت مبانى القاهرة التاريخية في الفترة الأخيرة، وتحديدا منذ ٥٠ عاما، بتنامى العشوائيات داخلها وزاد الأمر بعد حدوث زلزال ١٩٩٢، وتوافد الكثير من المواطنين للعيش فيها، وبناء العشوائيات، الأمر الذى شوه جمال أكثر مدن العالم رونقا وحضارة.
وقال مدبولى وقتها إن مصر تمتلك كنزا من الآثار الإسلامية المسجلة ضمن هيئة الآثار الإسلامية ومنظمة اليونسكو.

وفى نهاية يناير الماضى عقد مدبولى اجتماعا مع اللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، والمهندس خالد صديق، المدير التنفيذى لصندوق تطوير المناطق العشوائية، واللواء خالد مبارك، مساعد رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة للمشروعات، واللواء إيهاب عرفة، مدير إدارة شرطة المرافق، والمهندس محمد الخطيب، استشارى التطوير، وأكد أن الرئيس يولى اهتماما كبيرا لتطوير القاهرة التاريخية، وطلب من المسئولين البدء لنقل الأهالى لأماكن أخرى بديلة، بعد تجهيزها لتليق بهم في مناطق عالية الخدمات، ونقلهم من العشوائيات، في حى الأسمرات أو غيرها من الأحياء التى قامت بإعدادها الدولة بأحدث الطرق والمبانى الجديدة.
مسجد الحاكم بأمر الله يشهد الانطلاقة
وأول الصروح المعمارية الإسلامية التى ستشهد الانطلاقة لبدء لتنفيذ المشروع العملاق، حيث تحدد مساحة مبدئية مُقدّرة بـ ١٤ فدانا حول المسجد كمرحلة أولى لتطويرها ونقل السكان إلى حى جديد سيتم تنفيذه في نفس المنطقة على الطراز الإسلامى الذى تميزت به القاهرة التاريخية، يليه التجهيز للمناطق المحيطة بكل من مسجد عمرو بن العاص ومساجد الحسين ومسجد أحمد بن طولون والصالح طلائع، والأزهر الشريف، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد الرفاعى، ومسجد السلطان حسن، ومسجد السيدة زينب، ومسجد السيدة عائشة، ومسجد الظاهر بيبرس، والظاهر برقوق ومسجد قلاوون، والمؤيد شيخ، والعديد من الآثار الإسلامية التى تتفرد وتتميز بها القاهرة التاريخية دون غيرها من المدن المصرية.

وهذا المشروع يعيد للقاهرة التاريخية مجدها المعمارى، لكشفه عن الشكل الحضارى للمدينة التى عانت لسنوات من عمليات تعدٍ ممنهجة على حرم المبانى الأثرية، وفى مقدمتها المساجد سالفة الذكر، علاوة على العديد من المدارس والأسبلة التاريخية، كما أن المشروع بطريقة تنفيذه المزمع أن يتم بها، سيكون بمثابة مشروع موازٍ لمشروع مسار العائلة المقدسة، فالأول يحكى تاريخ العمارة الإسلامية في مصر القديمة، وهى مدينة تشهد أكبر عدد من المساجد والمبانى التاريخية في العالم من حضارة واحدة وهى الحضارة الإسلامية، ومن الممكن أن يتم تحديد خط سير لبدء الزيارة في المنطقة التى يشملها المشروع، بحيث ينطلق الزائر أو السائح من نقطة بداية يمر خلالها بمختلف المبانى والمساجد الأثرية، مثلما في مسار العائلة المقدسة مع اختلاف بعد المواقع والمحطات الأثرية في كل من المسارين.

شرارة البدء في المشروع العملاق تبدأ من مسجد الحاكم بأمر الله، أحد أشهر وأهم وأكبر جوامع مدينة القاهرة التى بنيت في العصر الفاطمى، يقع الجامع في بداية شارع المعز لدين الله الفاطمى، وهو ملاصق لسور القاهرة الشمالى، ويبعد بضع خطوات عن بوابتى الفتوح والنصر، وهو المسجد الرابع في مصر من حيث الأهمية بعد الأزهر الشريف، ومسجد عمرو بن العاص ومسجد أحمد بن طولون. وكان جامع أحمد بن طولون يقع خارج أسوار مدينة القاهرة، وفى عهد الخليفة المستنصر قام وزيره بدر الجمالى بإعادة تحصين القاهرة وإنشاء سور جديد للمدينة ضم داخله جامع الحاكم بأمر الله.

وأمر بإنشاء المسجد الخليفة العزيز بالله، وهو الخليفة الثانى بمصر، بعد الخليفة الأول المعز لدين الله الفاطمى عام ٣٨٠هـ، واكتمل البناء في عهد ابنه الخليفة الحاكم بأمر الله عام ٤٠١ هـ، وسمى المسجد على اسمه. وفى العام ٢٠١٧ أجريت مجموعة من أعمال الترميم للمسجد بغرض ترميم الأجزاء السفلية من الدعامات التى تقوم عليها الأسقف، نظرًا لتأثير المياه الجوفية على الأعمدة، علاوة على الأملاح وتأثيرها على «التكسيات» الخارجية أو طبقات «الضهارة» التى أدت بمرور الوقت بفصل بعض الطبقات عن بعضها البعض، وتضمن أعمال الترميم إزالة الطبقات البارزة «المنتفخة» بفعل الأملاح والمياه.

تجرى الآن جهود كبيرة من الدولة لإزالة المخالفات وعمليات التعدى على حرم المسجد، وهى ضمن خطة الدولة للحفاظ على مدينة القاهرة التاريخية وتحويلها لمتحف مفتوح يضم مختلف الآثار الإسلامية في القاهرة القديمة، وتبدأ خطة التطوير للقاهرة التاريخية من مسجد الحاكم بأمر الله.

معلومات أكثر

الدكتور محمد حمزة، عميد كلية الآثار جامعة القاهرة السابق، قال إن الصور المُتاحة للمشروع لا توضح حدوده أو موقعه، ولابد لنا أن نعرف من أين يبدأ المشروع وأين ينتهى، متسائلًا: «ما الذى أتى بمسجد الحاكم بأمر الله في شمال القاهرة في الجمالية لمتحف الحضارة في الجنوب الغربى، فالصورة المطروحة الآن حول المشروع ليست مفهومة، المفروض أن مشروع تطوير منطقة القاهرة التاريخية وإعادة الوجه الحضارى لها تضم مسجد الحاكم بأمر الله والمنطقة المحيطة له، سواء كانت ١٤ فدانا أو ٢٠ فدانا، وهذا التطوير تحدثنا عنه منذ ٢٠ عاما، ولكن منطقة الحسين منطقة أخرى، ومنطقة مسجد عمرو بن العاص ومجمع الأديان منطقة ثالثة، وجميعها في القاهرة التاريخية، ولكن حينما أقول إن هناك «حديقة تل الفسطاط»، لا بد أن أحدد موقعها لأن هناك حديقة الفسطاط، ولا يصلح أن نتحدث عن هذا المشروع دون أن تتوافر لنا المعلومات حوله.
وأضاف «حمزة»: «منطوق اسم المشروع لا علاقة له بأرض الواقع، لأنه من مسجد الحاكم بأمر الله إلى مسجد عمر بن العاص هذه المساحة تتجاوز الألفى فدان، لأن مساحة القاهرة نفسها ٤٠٠ فدان وهى داخل الأسوار، ولنا أن نتأمل المساحة من باب زويلة في الجنوب إلى مسجد عمرو بن العاص، الـ٥٠٠ فدان هذه من المفترض أنها الفسطاط، وهى منطقة حفائر على بهجت والتلال الباقية منها، وبقايا سور صلاح الدين، والمصبغة بجوار متحف الحضارة، مع حديقة الفسطاط بعين الصيرة، وأعتقد أنه من الممكن أن تكون بداية المشروع مع إعادة تطويرها مرة أخرى وتنميتها بحيث تكون ما بين بحيرة عين الصيرة من ناحية ومتحف الحضارة من ناحية أخرى، ومجمع الأديان ومسجد عمرو بن العاص من ناحية، وحفائر على بهجت الأثرية من ناحية أخرى، وفى هذه المنطقة عزبة أبو قرن وعزبة خيالة الشرطة، والقباب السبع، ومنطقة إسطبل عنتر، وهى الرصد القديمة، وهى عبارة عن هضبة يمكن من خلالها أن ترى القلعة والأهرامات، وهى المنطقة التى يمكن ربطها ببعضها البعض، ولكن تطوير القاهرة التاريخية شيء، وتطوير حديقة الفسطاط ومحيطها شيء آخر».

عواصم مصر القديم

أما الدكتور حجاجى إبراهيم، أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية والعميد السابق للمعهد العالى للسياحة والفنادق بالغردقة، فأوضح أن الفسطاط أول عاصمة إسلامية لمصر، وأن الاهتمام بهذه العاصمة المصرية الأولى أمر جيد.
وأشار إلى ضرورة الاهتمام بإحياء مدينة العسكر التى كانت عاصمة لمصر فترة الحكم العباسى، ومدينة القطائع وهى العاصمة الثالثة لمصر التى تضم مسجد أحمد بن طولون، والعاصمة الرابعة وهى القاهرة الحالية، مثمنًا دور القيادة السياسية في بناء العاصمة الخامسة وهى العاصمة الإدارية الجديدة. وأضاف إبراهيم، إحياء العواصم المصرية القديمة أمر في غاية الأهمية، فهناك آثار مدنية، وهناك آثار دينية، وهناك آثار دفاعية، وهناك آثار جنائزية في هذه العواصم، فالدينى الإسلامى مُتمثل في مسجد عمرو بن العاص، والدينى اليهودى متمثل في معبد إبراهيم بن عزرا، والدينى المسيحى متمثل في العديد من الكنائس في مصر القديمة، وهى المنطقة التى نُطلق عليها مُجمع الأديان، ولكن لا بد أن تتم عمليات التطوير بشكل لا يفقد الأثر معالمه المعمارية التاريخية.

ومن الآثار المدنية في مصر القديمة سبيل قائم بين الكنيسة المعلقة والمتحف القبطى، وهو ما يؤكد أن هناك أسبلة مسيحية مثلما هناك أسبلة إسلامية، ومكتوب عليه لوحة هذا السبيل «بسم الله الرءوف الرحيم»، ومن المعالم الجنائزية في مصر القديمة المدافن والأضرحة والمشاهد، مثل مشاهد آل البيت والمدافن الدينية الخاصة بالأولياء والصالحين، والمعالم الدفاعية تتمثل في قلعة صلاح الدين على جبل المقطم، وقلعة محمد على المجهولة للكثيرين. وأوضح حجاجى، أن مصر من أغنى بلدان العالم بما تحويه من معالم سياحية وواقع أثرية، ولدينا أكثر من ٤٦ نوعا من السياحة، سواء كانت سياحة علاجية أو شاطئية، أو سياحة لزيارة المعالم الأثرية المصرية، في مختلف الحقب التاريخية.