شهد العالم أجمع وقفات تضامنية مع القدس وبقية مناطق فلسطين المحتلة، بسبب ما تتعرض له من عدوان إسرائيلي مستمر منذ عدة أيام. وقد تعلو صرخات البعض وتعلو كلمات تؤكد أن طريق البندقية هي الطريق الوحيدة لتحرير فلسطين. ولكن هل يجابه العنف بالعنف وهل من سبيل للتعايش في ربوع وطن واحد حين يتلاشى الحوار بين البشر؟
في هذا الإطار، أجرينا حوارًا مع رئيس اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي في لبنان، المطران مار متياس شارل مراد، النائب البطريركي لأبرشية بيروت للسريان الكاثوليك، لتسليط الضوء على أهمية الحوار، وعلى التحديّات التي تعيشها الكنيسة في ظل جائحة كورونا ومواضيع متفرقة.
في البداية حدثنا عن حياتك الكهنوتية وعن مسؤولياتك الكنسية؟
حاليًا أنا أسقف، وذلك منذ العام 2018، نائب بطريركي عام لأبرشية بيروت للسريان الكاثوليك، أتابع خدمة أبناء رعيّتي منذ كنت كاهنًا والمهام الموكلة إلى من ناحية التدبير والتعليم والتقديس. بالإضافة إلى كوني رئيس اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي ونائب رئيس اللجنة الأسقفية عدالة وسلام ونائب رئيس اللجنة المسكونية، هذه اللجان الأسقفية منبثقة عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وتمثل حضور الكنيسة الفعّال في مختلف المجالات الحياتيّة. وكوني تخصّصت في القانون الكنسي، فقد شغلت مناصب قضائية، وحاليًا أنا رئيس المحكمة الاستئنافية للسريان الكاثوليك في لبنان، ونائب قضائي ورئيس المحكمة الكلدانية في لبنان، وقاضي في محكمة الروم الكاثوليك والأرمن الكاثوليك واللاتين في لبنان، وأستاذ محاضر لمادة القانون الكنسي في جامعتين مرموقتين في لبنان، الجامعة اليسوعية وجامعة الحكمة.
هل اكتشفت دعوتك الكهنوتية منذ الصغر؟
دخلت الحياة الإكليركية الصغرى عن عمر يناهز الإثني عشر عامًا، ومنذ كنت صغيرًا كنت أحب خدمة المذبح، ومن حينها ولدت لدي الرغبة لكي اكون بخدمة الكنيسة. حين أتممت دراستي وأنهيت مرحلة البكالوريا في دير سيدة النجاة – الشرفة، التحقت بجامعة الروح القدس - الكسليك لدراسة الفلسفة واللاهوت. واصبحت كاهنًا عن عمر 24 سنة في العام ١٩٩٣، فيما بعد عينت بخدمه كاتدرائية سيدة البشارة في بيروت. خلال هذه الفترة تخصّصت في القانون الكنسي في جامعه الحكمة، وعند التخرج في العام ٢٠٠٠ حصلت على منحة من الفاتيكان لدراسة الدكتوراة في جامعه اللاتران في روما "الجامعة الحبرية في روما"، وعام ٢٠٠٣ حصلت على الدكتوراه في القانون الكنسي.
ما رأيك فيمَ يحدث في فلسطين؟
يؤلمنا جدّا أن نرى حالات العنف والكراهية التي تسود حاليًا بوتيرة تصاعديّة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتحصد معها المزيد من الدمار والضحايا، بحيث أصبح من الصعب شفاء هذا الجرح الخطير للأخوّة والتعايش السلميّ بين المواطنين، إن لم يُصار فورًا إلى انفتاح على الحوار. إنّ وصيّة السلام منقوشة في أعماق التقاليد الدينيّة، إذ أنّ الله الذي خلق جميع البشر متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، يدعونا باستمرار إلى العيش معًا كأخوة فيما بيننا. لا يسعنا الا أن نصلي باستمرار من أجل أن يحل السلام بشفاعة أمنا مريم، ملكة السلام.
ما هي أبرز التحديّات التي يواجهها لبنان؟
لا شك أن المشكلات الاقتصادية والمالية في لبنان والمشاحنات السياسية، بالإضافة إلى الثقل الذي ألقته جائحة كورونا قد أثرت بشكل كبير على حياة اللبناني الذي أصبح همه الأول تأمين مستلزمات حياته اليومية أكتر من أي شيء آخر. حتى أن علاقة المؤمنين بالكنيسة والرعيّة أصبحت للبعض بغية توفير الاحتياجات المختلفة من مساعدات عينية أو مادية، أو للمساعدة في أيجاد فرص عمل. وطبعًا كل تلك الأمور تشكل عبئًا كبيرًا لا تستطيع الكنيسة أن تحمله بمفردها، وذلك أيضًا قد يهدد نظرة المؤمن في حال لم تلبِ احتياجاته لحد أخذ موقف سلبي من الكنيسة. إنّ السعي لتأمين الاحتياجات المادية والخوف من عدم القدرة على تأمينها في الغد، قد يعيق المؤمن عن عيش حياته الروحية والتركيز على ما هو الأهم والأثمن. ولكنه واقع الحال، ونحن ككنيسة ورعاة نسعى أن نكون دومًا قرب كل متألم وحزين وجائع، هذه رسالتنا، على مثال سيّدنا المسيح الذي أتى إلى العالم ليَخدم لا ليُخدم.
كيف تعاطت الكنيسة في زمن كورونا ؟
عدلنا الاحتفالات الطقسية لكي تصبح جميعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأقفلنا الكنائس تماشيًا مع تعليمات رفع درجه الحظر وعدم التجمع التي اعتمدها لبنان لفترة طويلة حين ارتفعت اعداد الإصابات، فالتزمنا بكل الإرشادات. ومنذ فترة بدأنا نفتح الكنائس مع التقيد بالإجراءات الاحترازية مع التباعد الاجتماعي. ولكننا اكتشفنا في هذه الأزمة، كيفية الاستفادة من التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التواصل لتنظيم لقاءات روحية حوارية وخصوصًا في زمن الصوم الكبير، فوجدنا اقبالًا كبيرًا وخصوصًا من أبناء الرعية في المهجر، الذين لم يتوانوا عن المشاركة بالرغم من فوارق التوقيت. علينا دومًا التكيف مع الواقع، والنظر إلى الأمور بطريقة إيجابية تخدم الإنسان وتفيده، ريثما تنجلي الغيوم وتزول العتمة، لا نفقد الرجاء، أبدًا.
ما هو دور اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي في لبنان؟
تسهم اللجنة في تعزيز الحوار بين المسيحيين والمسلمين والحوار هو شيء صعب جدًا، ولكن يبقى الأهم أن نبادر بالتعرف على بعضنا البعض ونتحاور في ما يجمعنا وليس ما يفرقنا، وهنا يأتي دور الكهنة والشيوخ في تسليط الضوء على كوننا جميعا أبناء الله الواحد مدعوون للعيش سويًا كأخوة. فاللجنة المنبثقة عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، تضع نفسها بتصرف لبنان لبناء الحوار في هذه الظروف الدقيقة، وتسعى بشكل مستمر إلى اللقاء لتحقيق التعارف والتدارس في مختلف القضايا.
ماذا عن تعدد الطوائف؟
لم يعاني اللبنانيون ما عانوه بسبب تعدد الطوائف، بل أنهم متعايشون في مختلف المناطق اللبنانية منذ القدم ويحترمون الشعائر الدينية الخاصة بالآخر ويشاركونه المناسبات والأعياد، بحكم تعدد الزيجات المختلطة في لبنان بين المسيحيين والمسلمين. لا بل أن التعدد هو مصدر غنى من خلال ثقافة الانفتاح على الآخر وعاداته وموروثاته وثقافته،وفي هذا الإطار نستذكر ما قاله البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان خلال زيارته الرسوليّة في العام 1997: لبنان أكثر من وطن، «إنه وطن رسالة للشرق والغرب». الخطر الأكبر يأتي من تدخل السياسيين والأحزاب الذين يعملون على تنصيب أنفسهم ملوكًا على جماعاتهم ولا يعملوا بشفافية ومجانية للخير العام.
ماذا عن قانون الأحوال الشخصية في لبنان؟
قانون الأحوال الشخصية هو دائمًا في تطور مستمر لكي يناسب المجتمع بكل مكوناته. تسعى الكنيسة لمواكبة التطوير والتجديد ولكن بشرط أن تتناسب مع أصول وثوابت كنسية، فالقانون لدى الكنيسة الكاثوليكية هو لخلاص الإنسان وليس لمعاقبته. تواكب الكنيسة التحديات والمشكلات التي يعاني منها الإنسان وتساعده في حلها لكن بطريقة لا تتعارض مع تعاليمها، على سبيل المثال، لا يوجد طلاق في الكنيسة السريانية حتى لو ثبتت حالة زنا، لكن يُبطل الزواج.
ماذا عن التبني في القانون الكنسي؟
باختصار، تشترط الكنيسة الكاثوليكية أن يتجاوز عمر المتبني الأربعين عامًا وأن لا يكون له نسل شرعي وقت التبني، وأن يزيد عمره 18 سنة عن من يريد أن يتبناه. يطلق على المتبني اسم عائلة متبنيه، وتصبح حقوق عليه وواجباته نحوه حقوق الولد الشرعي على والده وواجباته نحوه، رغم أنه يبقى عضوًا في عائلته الأصلية، له فيها كل الحقوق وعليه نحوها جميع الواجبات. ولا يصح التبني إلا بقرار من المحكمة الكنسية يصدقه مطران الأبرشية.
ماذا عن رؤيتك للإعلام الكنسي وتصحيح المفاهيم المغلوطة عند البعض؟
سؤال مهم جدًا، بقدر أهمية دور الإعلام والأديان ودوره في نشر ثقافة الحوار والسلام والتعايش. الإعلام ينبغي أن يعمل على نقل الخبر السار لكل إنسان، وأن يعطي صورة سليمة وصحيحة عن الأديان. في الكنيسة لجنة أسقفية تعنى بشئون الإعلام لتصحيح مسار المعلومات المغلوطة أو التي تسعى لخلق الفتن والنعرات. ليس كل المعلومات التي نتلقاها عبر الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي صحيحة ولذلك وجب التمييز والتدقيق وترصد الأخبار والمعلومات من المصادر الرسمية.
ما رأيك في تحديات العصر التي تواجهنا هذه الأيام كالانتحار والمخدرات؟
الكنيسة الكاثوليكية هدفها الأول هو خلاص الإنسان، ونحن نؤمن بتجسد المسيح من أجل خلاص الإنسان، كل إنسان. ومن أجل ذلك، عدلت الكنيسة في موقفها من الصلاة على المنتحر، فقديمًا كان المنتحر يدفن من دون ادخاله الكنيسة والصلاة على روحه، لكنها وبفضل تقدم العلم، أدركت أن الإنسان قد يصيبه مرض نفسي أو خلل عقلي يدفعه للانتحار، فأصبحت تحضنه وتدعو له بالرحمة، والربّ أعلم بحال كل إنسان وما يختلج قلبه وهو الذي يجازي ويحاسب. من خبرتي الشخصية، نسب الانتحار ليست مرتفعة في لبنان ولا تشكل حالة مقلقة.
أما عن المخدرات فهي تشكل تهديدًا للمجتمعات كافة، كونها تضرب بالدرجة الأولى فئة عمرية شابة، فتضع مستقبلهم ومستقبل مجتمعهم في خطر. نحن نطرح ذلك في حركات الشبيبة ونحاول احاطتهم دومًا والإصغاء إلى مشكلاتهم وهواجسهم لحمايتهم من الوقوع في التجربة المريرة.
المنتحر
هدف الكنيسة الكاثوليكية خلاص الإنسان، ونحن نؤمن في تجسد السيد المسيح لخلاص الإنسان. في السابق كان هناك تشدّد ورفض حيال الصلاة على روح المنتحر. لكن بما أن الرحمة الإلهيّة كبيرة، وتعاليم الكنيسة تتطوّر، وبما أن لا أحد يعرف ما في أعماقنا سوى الله، على الكنيسة أن تحتضن الناس والخاطئين.
في الختام، كيف ترى حكم مصر الآن في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي ؟
حققت مصر العديد من الإنجازات في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تم تنفيذ مئات من المشروعات القومية ضمن عملية إصلاح اقتصادى، والتى وضعت مصر على بداية الطريق الصحيح، في ظل ظروف شديدة الصعوبة ومتغيرات محلية وإقليمية وعالمية غير مسبوقة، حققت خلالها مصر إنجازات هائلة في كافة المجالات خلال السنوات الست الماضية وأشادت كبرى المؤسسات العالمية بهذه الإنجازات والتى حققتها مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.