يحتفل العالم، غدا الثلاثاء، الموافق 15 يونيو من كل عام، باليوم العالمى للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين، وتعتبر إساءة معاملة المسنين مشكلة موجودة منذ فترة ليست بالقريبة، وعلى الرغم من أن هناك جهلا بهذه المشكلة، فإن أهميتها الاجتماعية والأخلاقية واضحة، وهو الأمر الذى يتطلب من مؤسسات المجتمع المدنى التعاون مع المؤسسات الحكومية في العمل على معالجتها.
وكانت الجمعية العامة لحقوق الإنسان قد أعلنت بموجب قرارها رقم 127/66، اعتبار يوم 15 يونيو من كل عام، يوما عالميا للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين، ويعتبر هذا اليوم الفرصة السنوية التى يرفع فيها العالم صوته معارضا إساءة معاملة بعض أجيالنا الأكبر سنا وتعريضهم للمعاناة.
ويمكن تعريف إساءة معاملة المسنين بأنها فعل واحد أو متكرر أو غياب الإجراء المناسب، الذى يحدث في أى علاقة يكون فيها توقع الثقة التى تسبب الأذى أو الإحباط لشخص مسن، ويمكن أن تتخذ إساءة معاملة المسنين أشكالًا مختلفة مثل الإساءة البدنية والنفسية والعاطفية والجنسية والمالية، كما يمكن أن يكون نتيجة إهمال مقصود أو غير مقصود.
وفى أجزاء كثيرة من العالم، يحدث سوء معاملة المسنين دون إدراك أو استجابة تذكر، وحتى وقت قريب، كانت هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة مجهولة للرأى العام، وتعتبر في الأغلب مسألة خاصة، وما زال الاعتداء على المسنين من الأمور التى يتم التقليل من أهميتها وتجاهلها في جميع أنحاء العالم. بيد أن الأدلة تتراكم للإشارة إلى أن إساءة معاملة المسنين مشكلة صحية ومجتمعية مهمة.
وتشير الإحصاءات الدولية، إلى أنه بين عامى ٢٠١٩ و٢٠٣٠، من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين ٦٠ عاما أو أكثر بنسبة ٣٨٪، من مليار إلى ١.٤ مليار شخص، ما يفوق عدد الشباب على مستوى العالم، وستكون هذه الزيادة هى الأكبر والأكثر سرعة في العالم النامى، وإقرارًا بضرورة إيلاء اهتمام أكبر للتحديات المحددة التى تؤثر على كبار السن، بما في ذلك في مجال حقوق الإنسان.
قوانين وتشريعات
تضمن مشروع قانون رعاية المسن، الذى تقدم به الدكتور عبدالهادى القصبى، رئيس لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة والأشخاص ذوى الإعاقة، للبرلمان؛ ١٩ هدية لكبار السن، ممن تخطوا سن الـ٦٥ عاما، من بينها؛ إقرار حق المسن الذى لا يقدر على تحمل نفقاته أو أهله، في الحصول على معاش له أو المكلف برعايته وإلزام القانون الدولة بتهيئة المستشفيات والمراكز الطبية المختلفة لتوفير تلك الرعاية خلال ٣ سنوات من صدور القانون.
بالإضافة إلى ضم كل الأشخاص غير المستفيدين من خدمات تأمين صحية إلى مظلة التأمين الصحى الشامل إلى جانب الإعفاء من الضريبة الجمركية للتجهيزات والمعدات الطبية، ومختلف وسائل المساعدة، والآلات والأدوات والمعينات الخاصة بالمسنين، وإعفاء «المسن المعوز» من الرسوم القضائية في المحاكم بمختلف درجاتها، بالإضافة إلى إلزام الدولة بإدراج حقوق واحتياجات المسنين في برامج وسياسات مكافحة الفقر والحد منه، وتلتزم الدولة، بحسب القانون بتيسير الرعاية المناسبة في كل أماكن الاحتجاز والسجون وفق القوانين والنظم المعمول بها.
كما يجب أن تلتزم جميع البنوك ومختلف الجهات المصرفية والهيئة القومية للبريد بتهيئة مبانيها وإتاحتها لاستخدام المسنين، وتوفير كل الخدمات المصرفية لهم بشكل ميسر، ووضع نظام خاص لتسهيل التعاملات البنكية لهم، وإلزام الجهة الإدارية بتخصيص نسبة لا تقل عن ٥٪ من المساكن التى تنشئها الدولة أو المدعمة منها للمسنين، من غير القادرين والمستوفين لضوابط ضمن اللائحة التنفيذية للقانون، وتُشكل بكل محافظة لجنة برئاسة المحافظ؛ تختص بمتابعة تقديم كل الخدمات المقررة بهذا القانون، وتلتزم الدولة والوزارات المختصة بالنقل والجهات المعنية الأخرى بوضع النظم اللازمة، لإتاحة وتيسير انتقال المسنين، بما في تذلك تخصيص أماكن لهم في جميع وسائل النقل بكل درجاتها وفئاتها، وأنواعها.
بالإضافة إلى حق المسن الحق في الحصول على خصم ٢٥٪ على خطوط الطيران الداخلية، وخطوط السكك الحديدية، وذلك لشخصه وبحد أقصى مرتين في السنة ويستحق المسن ومساعده في وسائل النقل العام تخفيض بنسبة لا تقل عن ٥٠٪ من قيمتها المدفوعة، يكون للمسن الأولوية في إنهاء كل معاملاته بمختلف الجهات الإدارية والهيئات الحكومية بالدولة، وكذا في استخدام المرافق ووسائل النقل العامة، والحدائق، والمسارح، وفق النظم التى تضعها كل جهة، حسب ظروفها خلال ٣ أشهر من تاريخ إصدار القانون وتخصيص الجهات القائمة على الرياضة والثقافة ٥٪ من عضويات جمعياتها العمومية للمسنين، وتتولى الحكومة إعداد برامج لتهيئة المسنين نفسيا، قبيل إحالتهم للمعاش، وتقديم المشورة النفسية والاقتصادية لهم وحظر قبول المسنين بدور الرعاية أو بقائهم فيها دون رضاهم وإلزام الأقارب برعاية من تجاوز ٦٥ عاما، والإنفاق عليه من أمواله أو أموالهم أو تقاضى معاش حال عدم قدرتهم على تحمل تكاليف المعيشية، ويعرض أى شخص بالحبس والغرامة يعرض كبار السن للخطر.
التضامن ودور المسنين
وتقول وزارة التضامن الاجتماعي في تقرير صادر عنها، إن عدد دور المسنين بلغ ١٧٢ دارا، وعدد أندية المسنين ١٩٢ ناديا، ويبلغ عدد المستفيدين ٣٤٧٤ مستفيدا بدور المسنين، وعدد المستفيدين في أندية المسنين ٣٧٨٠٠ مستفيد بنسبة إشغال ٨٠٪.
نزلاء دور الرعاية يروون قصصهم
من إحدى الجمعيات الخيرية بمدينة الشروق، قالت الحاجة نفيسة كامل إحدى نزيلات الدار؛ إنها تشعر أن إقامتها بالدار أفضل قرار تم في هذه الفترة من حياتها حيث لم تشعر بالاحتياج لأى شيء؛ مؤكدة أن كل الأشياء متوافرة سواء على مستوى المأكل والمشرب أو وسائل الترفيه والترويح عن النفس وقبل مجيئى لم أتوقع أن تكون الحياة في الدار بهذا المستوى.
وأضافت الحاجة نفيسة؛ أن الحياة الاجتماعية لظروف أولادها كانت صعبة للغاية قبل أن تأتى للدار: «ولم تسمح أن أجلس معهم وأشاركهم المعيشة؛ لذلك أشعر أن هنا أحسن وأريح وأشعر بامتنان للمكان مضيفة: » صعب حد يقعد مع حد دلوقت» شغله أبنائى أخذ كل أوقاتهم ولم تبق مساحة من الوقت يوفرونها لي؛ مشيرة إلى أن هنا الوضع يختلف تماما حيث إن الدار تتيح لنا فرصا في كل شيء لاستكشاف معانٍ جديدة لحياتنا؛ موضحة أن من ضمن الأشياء التى توفرها لنا خروجنا للنوادى وحمام السباحة وتنظيم لقاءات مع أشخاص جدد بشكل دوري».
وفى نفس السياق، قال عماد درويش: «جئت إلى هذا المكان من سنتين ونصف؛ اختارت ابنتى هذه الدار بعد اختيارات وفحص كان سبب مجيئى إلى هنا أن ابنتى كانت تعمل ولم تجد وقتا لرعايتي؛ جئت الدار وأنا أسير على قدمى الآن أصبحت لدى كرسى متحرك وابنتى تركت عملها بعد أن أودعتنى في الدار بسبب ظروف مرضية ألمت بها ولم تعد تزورنى بسبب مرضها».
وأضاف درويش: «لدى منزل ولديّ ابن ظروفه أيضا لم تسمح بأن يعولني؛ أكثر ما يحزننى هو إيداعى في دار المسنين؛ وعلى عكس الحاجة وجيهة أعرب درويش عن ضجره من دار المسنين ونظم التعامل بها».
زيادة النزلاء
ويقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، إن الفترة الأخيرة زاد بشكل كبير الأشخاص الموجودون داخل دار المسنين مقارنة بالأعوام الماضية.
وأوضح صادق أن كبار السن أدوا دورهم في خدمة المجتمع في أثناء شبابهم ولا يستحقون تلك المعاملة بعد تقدم العمر بهم، خاصة أن هناك جزءا كبيرا من المسنين لديهم أبناء ولكن لا يسألون فيهم من قريب أو بعيد، لذلك لا بد أن يقدروا من قبل الدولة والحكومة والمواطنين أيضا، وأن يتم توفير لهم جميع المتطلبات التى يحتاجونها من خدمات وحقوق، لأن المسن ليس لديه ذنب أن وجد نفسه وهو مسن في الشارع أو في دار مسنين.
وطالب الخبير الاجتماعي من وزارة التضامن الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدنى بأن يكون هناك اهتمام بهذا الملف بصورة أكبر من ذلك، وأن يكون هناك تطوير مستمر في دور الرعاية بشكل عام ووجود ندوات في مراكز الشباب والأندية من قبل المسئولين ورجال الدين لتوعية المواطنين بالاهتمام بالوالدين وكبار السن، لذلك فإن رعاية كبار السن فرض على الدولة أن توفر لهم أماكن تليق بهم وهم في هذه السن، موضحًا أن الأديان السماوية جميعها طالبت بالاهتمام والتعاطف مع كبار السن، لذلك لا بد أيضا، وأن يكون هناك دور لوسائل الإعلام المختلفة لتقديم الدعم لكبار السن سواء كان ذلك الدعم ماديًا أو معنويًا أو نفسيًا.
وأضاف صادق، أن الوضع تغير تمامًا في الوقت الحالى في الوضع الحالى من مستوى دور الرعاية ومدى انتشارها، موضحًا أن دور الرعاية في الوقت الحالى لها دور كبير للغاية مقارنة بالوقت الماضى مؤكدًا على أن هناك دور رعاية دون المستوى، ففى المقابل هناك دور رعاية توجد بها رعاية جيدة ومميزات كبيرة من المأكل أو المشرب أو الملبس.
وأشار صادق إلى أن هناك اختلافا كبيرا بين دور الرعاية في المدن والمناطق الراقية عن دور الرعاية في الأماكن الشعبية موضحًا أن دور الرعاية في تلك الأماكن تعد ٥ نجوم.
وتابع صادق، لا بد من التركيز في الفترة المقبلة على حماية حقوق كبار السن ومعالجة إساءة معاملة المسنين التى تحدث، ووجود سيستم ونظام للحد من تلك الإساءات في سياق ثقافى واجتماعي وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية لهم، لا بد أن تكون إساءة معاملة المسنين مكروهة والحد منها وتغييره من جميع طوائف المجتمع.
نشر الوعي
وفى نفس السياق قال الدكتور جمال فرويز الخبير النفسى، لا بد من نشر الوعى بالتدابير الاجتماعية والصحية والنفسية والعمل على مراعاة احتياجات كبار السن وتنفيذ كل متطلباتهم، مؤكدا أن ذلك دورهم علينا في المجتمع، خاصة أن أزمة كورونا أضرت بالكثير من كبار السن في ظل عدم توفير فرص عمل وزيادة المعاناة التى يعانى منها المجتمع بشكل عام بسبب تلك الجائحة.
وطالب فرويز من وزارة التضامن الاجتماعي والمسئولين عن دور الرعاية في مصر التعرف على أهم الآليات المناسبة للتعامل مع كبار السن ووجود كوادر مؤهلة علميًا ونفسيًا للتعامل مع كبار السن إلى جانب وضع المقترحات والتوصيات التى تساعد على تحسين مستوى الوعى بالمشكلات التى يواجها كبار السن خاصة خلال الأزمات مثل أزمة كورونا وغيرها.
وأضاف، يجب أن يكون هناك نظام جديد لإلقاء الضوء على المشكلات العديدة التى يعانى منها كبار السن سواء كان ذلك من إساءة أو سوء معاملة من الناحية الاجتماعية والصحية وخاصة في الوقت الراهن ووجود وباء فيروس كورونا، والعمل على تحقيق استراتيجيات وخطط تزيد من ضمان الرعاية لكبار السن سواء كان ذلك على المستوى الوطنى أو الدولى، إلى جانب ضمان حماية كبار السن من كل أشكال التمييز والعنف والاستغلال بكل أشكاله على مستوى الأسرة والمجتمع. وأوضح فرويز، يجب تعميم دور الرعاية في جميع مستوى الجمهورية سواء كان في الريف أو المدن لأنه توجد أماكن في الريف لا توجد بها دار رعية المسنين مما يجعلهم مجبرين إلى الذهاب إلى المدينة أو المحافظة.
وتابع فرويز، أن إساءة معاملة المسنين زادت بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة بسبب أن المجتمع المصرى تأثر بالمشاهد الدرامية والتى تظهر عقوق الأبناء لآبائهم.
وأوضح فرويز أن السبب الرئيسى في زيادة إساءة معاملة كبار السن يرجع إلى بعد رب الأسرة عن المنزل منشغلا في توفير لقمة العيش وعدم التواصل مع الأبناء أو عدم الاقتراب منهم بالقدر الكافى بسبب أعباء الحياة.
وأشار إلى أن هناك عادات أصبحت غير موجودة في مجتمعنا لاحترام كبار السن والمسنين مثل وجود كبار السن في أماكن مزدحمة يجب علينا إجلاسه لأن ذلك حق من حقوقه علينا، ويجب علينا أيضًا ألا نشعر المسن بعدم أهميته أو أنه أصبح ليس لديه دور في المجتمع.
وتقول أمل محمود، مديرة دار مسنين الأمل بالمعادى الجديدة، إن العنف والمعاملة السيئة التى كانت موجودة في السابق أصبحت غير موجودة الآن مقارنة بما كان يحدث في الماضى.
وأوضحت محمود إن الدار يقيم بها عدد مسنين ويقدم لهم فيها جميع أوجه الرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية، موضحة أن من يقوم على الدار ومراعاة المسنين كوادر وظيفية مؤهلة من جميع الاختصاصات الطبية والصحية والاجتماعية والنفسية والتغذية والعلاج الطبيعى للتعامل مع المسنين وكبار السن بصورة صحيحة. وأضافت محمود، إن في فترة كورونا يكون المجهود مضاعفا من قبل العاملين في الدار بسبب التعقيم والتطهير الذى يقوم به العاملون في الدار على مدى ٢٤ ساعة لاتخاذ كل التدابير الاحترازية لمنع الإصابة بفيروس كورونا وحرصًا على سلامة النزلاء والعاملين. وتابعت محمود، أن الفترة الأخيرة شهدت تطورًا كبيرًا في ملف المسنين حيث هناك اهتمام كبير في الآونة الأخيرة من جانب الحكومة والمسئولين بالعنصر البشرى للحفاظ على كرامة الإنسان وتوفير حياة كريمة لكبار السن إلى جانب وجود اهتمام كبير بالمرأة والطفل إلى جانب تطوير دور الرعاية والمسنين، والفترة الماضية شهدت تطورًا كبيرًا في كل القطاعات والتعامل مع المسنين بكل الاحترام والتقدير. وطالبت محمود، من أبناء وأولاد المسنين مراعاة الله فيهم ومعاملتهم بطريقة تليق بهم حتى وإن وضعوهم في دار مسنين لا بد من الرأفة بهم ومعاملتهم بطريقة حسنة بسبب تربيتهم لهم وتعبهم طوال السنين الماضية.