«حسنا.. إنني أحب أعدائي.. لا حبا مسيحيا طبعا.. إنهم يسألونني وينشطون دمي.. أن أظل دائما على يقظة، أن أفاجئ كل نظرة من نظراتهم، أن أحرر كلا من كلماتهم أن أنفذ إلى صميم نواياهم، أن أحبط مشاريعهم، وأن أتظاهر بأنني غر مخدوع، ثم أهدم بضربة واحدة كل ما بنوا بالجهد الطويل الشاق والمكر والحيلة، تلكم هي عندي الحياة».
تلك العبارات الجريئة التي هاجمها الأخلاقيون، مؤكدين أن من كتبها رجل أناني حقير، شيطان لا أخلاق له، لم يمنعها هجومهم من الظهور والانتشار فقد نفذت جميع نسخ الرواية التي حملت عنوان «بطل من زماننا» من جميع مكاتب بطرسبورج، وبات الحديث عن ميخائيل ليرمونتوف لا يتوقف، فشغف القراء لمعرفة هذا الشخص بات كبيرا.
ليرمنتوف ابن النبلاء الذي تمرد على الواقع بكتابة الأشعار وتأثر بمصرع شاعر روسيا العظيم ألكساندر بوشكين في مبارزة غامضة فكتب عنه رائعته "موت شاعر"، التي ما إن تقرأها حتى تشعر أنه يرثيك ويرثي «بوشكين» ويرثي نفسه فقر قُتل هو الآخر في مبارزة في أواخر يوليو 1841.
مَاتَ الشَّاعر !
سَقَطَ شهيدًا
أسيرًا للشرفِ
الرصاصُ في صدرِه يَصرُخُ للانتقام
والرأسُ الشَّامِخُ انحنى في النهاية
مَات !
فَاضَت رُوحُه بالألَمِ من الافتِراءات الحًقيرة
حَتَّى الانفِجَار..
وَقَفَ وحيدًا في المواجهة وها قد قُتل !
قُتِل !
ونحنُ نُحملقُ في إرادةِ الموت!
وَبَعد – فهل أنَتُم أبرِيَاء
يَا مَن حَاصرتُم في قَسوةَ
مَوهِبتَهَ الحُرَّةَ الشُّجَاعة ؟
يَا من نَفَختُم في الَّلهَب الخَامِد
حَتَّى فَورة الغَضَبِ المُفَاجِئ
فَلتَبتَهَجُوا إذَن
رغم الفترة القصيرة التي قضاها في عمله الأدبي والتي لم تتجاوز 13 سنة، إلا أنه تمكن من كتابة الكثير من القصائد الجميلة، ومنها "أسير القوقاز"، و"الشركسي"، و"الخريف"، و"الشراع"، و"القرصان"، و"النخلات الثلاث"، و"النبي"، و"الخنجر"، و"الشاعر"، و"الشيطان".
وعندما ظهرت رواية "بطل زماننا" أعيد طبعها مرات لا تحصى باللغة الروسية ولغات شعوب الاتحاد السوفيتي السابق، وترجمت إلى جميع لغات العالم تقريبا.
وحاول ليرمنتوف الذي لم يتجاوز عندما كتب هذه الرواية الخامسة والعشرين من عمره أن يرسم صورة واقعية لأبناء جيله فتركت روايته أثرا عميقا في حياة الكثير من الأجيال التالية. وقال ليرمنتوف في مقدمة روايته: "إن "بطل زماننا" ليست صورة لرجل واحد، بل صورة تضم رذائل جيلنا كله.. وإذا قال أحد إن الأخلاق لن يجني من ذلك خيرا، فلا تتعجلوا، فطالما غذي الناس بالحلوى حتى فسدت معدتهم. ويجب عليهم الآن أن يتناولوا العقاقير المُرة، وأن يتقبلوا الحقائق اللاذعة.. لقد أردت على سبيل التفكه أن أرسم صورة لإنسان هذا العصر كما فهمته، وكما رأيته في أغلب الأحيان.
الهيئة العامة لقصور الثقافة أعادت طباعة الرواية مترجمة بعنوان «بطل من هذا الزمان» ضمن سلسلة آفاق عالمية لتُهدي لنا واحدة من أمتع الروايات، ولعل ما جذبني للحديث عنها هو جرأة الكاتب في مواجهة الواقع بسلاحه الأوحد وهو الشعر.. لكنه مات..
مَاتَ وارتَحَل
مِثلَ ذَلِكَ الشَّاعِرِ الرِقيقِ القَلبِ المَغمُور
وَالَّذي أَنشَدَ فيه قَصَائِدَ رَائِعة
مَن مِثلَه بِيَدٍ قَاسِيَة خَرِبَة
سَقطَ ضَحِيَّةَ الغِيرَة العَميَاء
لماذَا غَادَرَ صَدَاقَاتِه وَتَأمُّلَاتِه الآمِنَة
إلى عَالَم مَن الحَسَدِ الخانِق
لِقَلبٍ عَشِقَ الحُرِّيَّةَ واشتَعَلَ بالحُب ؟
لِمَاذَا أَسلَمَ يَدَيه لِلوُشَاةِ التَّافِهين ؟
لمِاذَا استَسلَمَ لِلكَلماتِ الكَاذِبَةِ والابتِسَامَاتِ المُخَادِعَة ؟
وَهَو مَن كَانَ
مُنذُ الشَّبَابَ قَادِرا على اكتِشَافِ حَقِيقَة النَّاسِ
لَقد سَلبَوه تَاجَهُ وَتَوَّجُوه بِالشَّوك
لِيُمَزِّقُ الشَّوكُ الخبئ
جَبهَةَ الشَّاعِرِ النَّبِيلَة
وكَانَت لحََظاتُه الأخِيرَة
مُسَمَّمَة بالشَّائِعَاتِ والهمس البَذِئ
وَهَا قّد مَات