حلت أمس الأحد 13 يونيو ذكرى وفاة أحد رواد النهضة الفكرية الحديثة في القرن التاسع عشر عبدالرحمن الكواكبي، الذي أسس مع زميله هشام العطار أول جريدة رسمية عربية سميت بجريدة "الشهباء" وهو في عامه الثاني والعشرين، ولكنها لم تستمر سوى خمسة عشر عددا فقد أغلقتها السلطات العثمانية بسبب المقالات النقدية اللاذعة الموجهة ضدها.
سافر "الكواكبي" إلى الهند والصين، وسواحل شرق آسيا وسواحل أفريقيا، كما سافر إلى مصر حيث لم تكن تحت السيطرة المباشرة للسلطان العثماني عبد الحميد، وذاع صيته هناك، وتتلمذ على يديه الكثيرون، وكان واحدا من أشهر العلماء، وقد أمضى الكواكبي حياته إلى النهوض والتقدم بالأمة العربية ومقاومة الاستبداد العثماني، وهو الأمر الذي ربما ضاق به السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ذرعا.
اتسعت آفاقه أيضا بالاطلاع على كنوز المكتبة الكواكبية التي تحتوي مخطوطات قديمة وحديثة، ومطبوعات أول عهد الطباعة في العالم، فاستطاع أن يطلع على علوم السياسة والمجتمع والتاريخ والفلسفة وغيرها من العلوم.
وقد بدأ "الكواكبي" حياته بالكتابة إلى الصحافة وعين محررا في جريدة الفرات التي كانت تصدر في حلب، وعرف بمقالاته التي تفضح فساد الولاة.
أمضى "الكواكبي" حياته داعيا إلى النهوض والتقدم بالأمة العربية وقد شكل النوادي الإصلاحية والجمعيات الخيرية التي تقوم بتوعية الناس وقد دعا المسلمين لتحرير عقولهم من الخرافات وقد قسم الأخلاق إلى فرعين فرع أخلاقي يخدم الحاكم المطلق وفرع يخدم الرعية أو المحكومين ودعا الحكام إلى التحلي بمكارم الأخلاق.
برع عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" سبب هذا الداء الذي رآه يتمثل في الاستبداد السياسي، بأنواعه الكثيرة، ومنها استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، فهو يقول إن الله خلق الإنسان حرا، قائده العقل، فكفر وأبى إلا أن يكون عبدا قائده الجهل، ويرى أن المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور، وأن تراكم الثروات المفرطة، مولد للاستبداد، ومضر بأخلاق الأفراد، وأن الاستبداد أصل لكل فساد، فيجد أن الشورى الدستورية هي دواؤه.
وقد ذكر الكواكبي في هذا الكتاب ايضا عن الاستبداد قائلا: "لو كان الاستبداد رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: "أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي وحياتي فالمال المال المال، والمال يصح في وصفه أن يقال: القوة مال، والوقت مال، والعقل مال، والعلم مال، والدين مال، والثبات مال، والجاه مال، والجمع مال، والترتيب مال، والاقتصاد مال، والشهرة مال، والحاصل كل ما ينتفع به في الحياة هو مال".
ألف "الكواكبي" العديد من الكتب وترك تراثا أدبيا كبيرا من الكتب منها طبائع الاستبداد وأم القرى كما ألف العظمة لله وصحائف قريش،، كما أن له الكثير من المخطوطات والكتب والمذكرات التي طبعت، وما زالت سيرة وكتب ومؤلفات عبدالرحمن الكواكبي مرجعا هاما لكل باحث.
توفي عبدالرحمن الكواكبي في ظروف غريبة عام 1902، وقد زعم أقاربه أن عملاء جمعية الاتحاد والترقي قد دسوا للكواكبي السم في فنجان القهوة.