في عام 2014 كتب الشاعر العراقي سعدي يوسف، الذي رحل عن عالمنا صباح اليوم الأحد، قصيدته الشهيرة "مصر العروبة.. عراق العجم"، والتي تضمنت ثناء بالغ على الوسط الثقافي المصري، وذكر فيه أسماء بعينها. لذلك وضعته في مرمى نيران المثقفين العراقيين، وتسببت في هجوم حاد عليه، حتى أن البعض دعا إلى حرق أعماله، واختاروا شارع المتنبي، أهم الشوارع الأدبية والثقافية في العاصمة بغداد لتنظيم فعالية الحرق.
جاءت هذه الدعوة في مواجهة رفض مثقفين آخرين، وصفوا الهجوم الضاري على الشاعر الراحل بأنه "محكمة تفتيش، واستنساخ لما كان يفعله النازي"، وهو ما أيدته شريحة واسعة من الجمهور على مواقع التواصل، والذين رفضوا كافة أنواع أو محاولات مصادرة الرأي وحرية الفكر؛ بينما اكتفى هو نفسه برد مقتضب على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك هو "نارك ولا جنة أهلي".
وجاء في نص القصيدة:
من مصر تأتيني الحقائقُ ملموسةً.
أصدقائي من أهل الثقافةِ الحقّ، يأخذون مكانَهم ومكانتَهم:
محمد بدوي، في «فصول».
محمد شُعَير، في «عالَم الكتُب».
سعد القرش، في «الهلال».
إبراهيم داود، في «الأهرام».
رفعت سلام، في دائرة الترجمة بالهيئة المصرية العامة للكتاب.
أحمد مجاهد، يدير الهيئة المصرية العامة للكتاب...
جمال الغيطاني، يتفضّلُ على «الأخبار» بفيضٍ منه.
أحمد عبدالمعطي حجازي يُغرِّدُ طليقًا!
«لستُ مؤرِّخًا لأحصي!»
لكنّ عليّ القول إني ابتهجتُ بجابر عصفور وزيرًا للثقافة في جمهورية مصر العربية.
**
كلما دخلتُ مصرَ أحسسْتُ بالعروبة، دافقةً...
ليس في الأفكار.
العروبةُ في المسْلكِ اليوميّ.
أنت في مصرَ، عربيٌّ... هكذا، أنت في مصر عربيٌّ، لأن مصر عربيةٌ. ولأنّ أي سؤالٍ عن هذا غير واردٍ.
الأمرُ مختلفٌ في أراضٍ أخرى.
السؤالُ يَرِدُ في بلدانٍ مثل الجزائر والمملكة المغربية وموريتانيا، والسودان، ولبنان أيضًا، على اختلافٍ في المستوى.
لكن هذا السؤال، في هذه البلدان، ذو مستوًى ثقافيّ أركيولوجيّ. هو سؤالُ هويّةٍ وتاريخٍ.
في العراق اختلفَ الأمرُ.
وربّما كان مختلفًا منذ دهرِ الدهاريرِ.
هل العراق عربيٌّ؟
يرِدُ تعبير «شيخ العراقيين» عن فقهاء أجمعَ الناسُ عليهم.
يعنون: عراق العرب
وعراق العجم.
الدولة الحديثة، بتأسيسِها الأوروبي، الاستعماري، ليست دولة الفقيه.
هي دولة لإدارة كيانٍ جغرافيّ «قد يكون متعددَ الإثنيّات، وقد لا يكون».
لكن العراق ليس مستحدَثًا.
اسمُ العراق آتٍ من أوروك !
إذًا...
ما معنى السؤال الآن عن أحقيّة العراقِ في دولةٍ جامعةٍ؟
ما معنى أن يتولّى التحكُّمَ في البلدِ، أكرادٌ وفُرْسٌ؟
ما معنى أن تُنْفى الأغلبية العربية عن الفاعلية في أرضها التاريخية؟
ما معنى أن تُستقدَم جيوشٌ من أقاصي الكوكبِ لتقتلَ عربًا عراقيّين؟
ما معنى أن تكون اللغة العربية ممنوعةً في إمارة قردستان عيراق البارزانية بأربيل؟
إذًا:
نحن في عراق العجم!
سأسكن في مصر العربية!