بدأ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" خطواته العملية في إقامة دولته البديلة في الصحراء الكبرى بعد إعلان سقوطها في ٢٢ مارس من العام ٢٠١٩، في ظل غياب دولي عن مواجهة التنظيم بعد إعلان سقوطه على لسان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فضلًا عن ضعف فرص المواجهة لهذا التنظيم وغيره داخل القارة السمراء.
قرار القوات الفرنسية الأخير بالإنسحاب مالي، بعد أن قضت قرابة ثمان سنوات، لعله أحد أهم الأسباب الداعمة لإقامة دولة "داعش" الجديدة داخل القارة "الفقيرة"، فقرار "باريس" الانسحاب من عملية "برخان" والاكتفاء بقدراتها الاستخباراتية ومراقبة نشاط التنظيمات المتطرفة في العاصمة الأفريقية أمر في منتهى الخطورة ويصب في مصلحة الدولة "البديلة".
قررت باريس أن تنسحب من الخطوط الأمامية لمواجهة الإرهاب في أفريقيا، ولعل سلوك العاصمة الأوروبية لا يختلف كثيرًا عن سلوك الولايات المتحدة الأمريكية التي قررت أن تستكمل انسحابها بشكل كامل من أفغانستان في الذكرى العشرين لضرب برجي التجارة العالميين في ٢٠٠١، وهو ما سوف ينعكس على انتشار الإرهاب في هذه القارة ويعطي فرصة لإقامة دولته المزعومة نظرًا لوجود صراع سياسي ممتد في أغلب عواصم هذه القارة.
اشتركت فرنسا في مالي بقوات تصل إلى ٥١٠٠ من الضباط والعساكر على مدى قرابة عقد من الزمان، كان الهدف منها مواجهة التنظيمات المتطرفة الموجودة، والتي تعد أهم عاصمة أفريقية ينتشر فيها الإرهاب بصورة كبيرة، ربما أثرت على وجودة في الصومال ونيجيريا والكاميرون وتشاد، وهو ما سوف يؤدي إلى إخلال منظومة الأمن في هذه الدولة، ويصب في قوة هذه التنظيمات وإقامة المملكة الجديد لـ "داعش".
حجة باريس من قرار الانسحاب "المرتقب" هو التخفف من عبء مواجهة الإرهاب في القارة الأفريقية ومالي على وجه التحديد، والذي يعدها البعض عاصمة فرنسية، غير أن قوات الأمن داخل هذه العاصمة، ضعيف ومتهاو للدرجة التي لا تسمح بأي مواجهة ناجحة لهذه التنظيمات، وهنا قررت فرنسا أن يقتصر دورها على الدعم والإسناد، من خلال المشاركة بطائرات بدون طيار أو طائرات مقاتلة لمواجهة هذه التنظيمات.
الانسحاب الفرنسي في "برخان" سوف يعجل إقامة دولة داعش، خاصة وأن التنظيم يشهد تناميًا كبيرًا في أفريقيا لعدة أسباب، أغلبها يرتبط بضعف الأجهزة الأمنية داخل هذه العواصم، وهي المعنية بالمواجهة الحقيقية، وبالتالي أصبحت هذه التنظيمات ذات وجود قوي ربما يُبشر بإقامة دولته الجديدة.. تراجع التنظيمات المحلية في أغلب العواصم الأفريقية لصالح تنظيم "داعش" قد يمثل السبب الأهم بين مجمل أسباب إقامة الدولة الإسلامية "داعش"، فضلًا على أن الكثير منها أعلن مبايعته لتنظيم "داعش" وأعطى وجودًا كبيرًا لتنظيم "داعش" داخل هذه القارة.. ما حدث في نيجيريا مؤخرًا من انتصار تنظيم "داعش" على التنظيم المحلي الأكبر والأبرز، بوكو حرام، حيث نجح أبومصعب برناوي، في قتل زعيم "بوكو حرام، أبوبكر شيكاو، ويضاف لذلك أن تنظيم بوكو حرام أعلن مبايعته لدولة "داعش" في العام ٢٠١٤، والخلاف الذي حدث في العام ٢٠١٦ عندما نصب أبوبكر البغدادي "برناوي" أميرًا لداعش، وقام الأخير بحل دماء "شيكاو" حتى باتت "داعش" هي التي تسيطر على نيجيريا.
العاصمة الأفريقية تقع حضن الصحراء الكبرى، والتي يتم تمهيدها لإقامة الدولة المزعومة لـ"داعش"، وهو ما يضع عبئًا على المجتمع الدولي بضرورة مواجهة الأنظمة السياسية في أفريقيا بحيث تكون قادرة على مواجهة الإرهاب التنامي في القارة السمراء، هذا الدعم لا يكفي، بل لا بد من وجود القوات الأمريكية والفرنسية في الخطوط الأمامية لمواجهة التنظيمات الأكثر تطرفًا مثل "داعش" و"القاعدة" فكل منهما سوف يدفع لتصدر المشهد الجهادي وإقامة دولته.