تستمدّ الإيقونة روحانيّتها وكذلك إسمها، من الرواية الإنجيليّة ذات الصلة، التي ينفرد بها الإنجيل "اليوحنّويّ". وهي تدخل في إطار الإيقونات التي تروي لنا آيات يسوع أثناء كرازته، آيات هي "علامات على حلول ملكوت الله بين البشر"... تُجلّلها خلفيّة ذهبيّة اللون، دلالةً على المجد المُلازم لحضور السيّد، كما على البُعد الأبديّ لكرازته ("كلام الحياة الأبديّة عندكَ"، بحسب قول بطرس)... كما يُمكننا اعتبار اللون الذهبيّ رمزًا "للنور الحقيقيّ"، المسيح الإله "نور العالم" الذي جاء عالمنا المُظلِم، لكي يُنير كل إنسان كما "أنار" أعمى بِرْكة سِلوام.
شرحها
يتوسّط الإيقونة مشهد "السيّد والعبد" وجهًا لوجه، "الخالق والخليقة". إن "الكائن"، "والذي هو"، يبدو واقفًا بعزم، وعلى وجهه علامات الجديّة، فهو "يعمل أعمال الذي أرسله" (يو 9: 4). يُعرَف بهالة البرارة الفريدة التي تُحيط برأسه، المدموغة بإشارة الصليب وبأحرف "أو أون" اليونانيّة، والتي هي بمثابة بطاقة تعريف بصاحبها... إنه يلبس الرداء البنّيّ (أو البنفسجيّ)، نفس لون الجبل الذي يظلّله، والذي يرمز إلى "الطبيعة الآدميّة" (الترابيّة) التي لبسها "آدم الجديد" لأجل تجديدها وإشراكها في الحياة الإلهيّة. ويلتحف بالرداء الأزرق الذي يُدلّل على هويّته الإلهيّة السماويّة. يبسط ذراعه اليُمنى باتجاه الأعمى، واضعًا الجبلة الطينيّة في عينيه، في حركة "خلق جديد". وهي من المرّات النادرة التي لا نرى يد الربّ مشبوكةً على شكل برَكة كالمعتاد، فههنا أعظم من البرَكة لأن حركة "الخلق الجديد" مُتضمّنة البرَكات كلّها. أما اليد الأخرى، فيُمسِك بها المخطوط الملفوف المُعتاد، الذي يرمز إلى بُشرى الخلاص التي أتى بها إلى العالم. أما العبد الأعمى، فإنه مُستسلِم بين يدَي سيّده الذي يخلق له "سراجًا جسديًّا" من العدم، وبنفس الوقت يُنير ظلمة نفسه بنور "الإيمان بإبن الله".
خلف السيّد، يتجمّع تلاميذه مُتهامِسين مُتعجّبين من الآية الجارية أمامهم، هم الذين كانوا قد سألوه بدايةً إن كان عمى الرجل نتيجة خطيئته هو، أم أنه نتيجة موروثة عن خطيئة أبوَيه... إنهم يرَون أمامهم "عجبًا مُستغرَبًا"، يشهدون على عمل "الخلق الجديد"، وإستنارة إنسان عاش كل عمره في الظلام وعلى هامش مُجتمعه، فأعاد الربّ إليه كرامته الإنسانيّة (ككل المُهمّشين الذين إلتقاهم).
مدينةً أورشليم
في خلفيّة الإيقونة، تنتصب أورشليم المدينة المقدّسة التي جرت فيها الآية، مُظلّلةً "بِرْكة سلوام" الظاهرة على شكل صليب (كما رأينا قبلًا بالنسبة لبئر يعقوب الآخذ شكل صليب)... إن الصليب يرمز بالطبع للسيّد له المجد، الذي هو نفسه "البِرْكة الحقيقيّة" (أو البئر أو النبع الحقيقيّ الذي يُعطي "الماء الحيّ"). وإسم "سِلوام" معناه "المُرْسَل"، رمزًا للسيّد أيضًا كونه "المُرْسَل" بإمتياز من قبل الآب السماويّ... ينحني الأعمى فوق البِرْكة ويغتسل، امتثالًا لأمر السيّد، فيعود إليه البصر ومعه البصيرة، إذ إن عينَيه الروحيّتَين إنفتحتا وآمنتا ب"إبن الله"، نورًا حقيقيًّا للعالم.
البِرْكة ترمز إلى جرن المعموديّة الذي ننزل فيه، فنموت عن "آدم القديم" ويزول منا العمى عن نعمة الله، ونخرج منه "إنسانًا جديدًا" مُستنيرين بالمسيح الذي لبسناه بالعماد المقدّس، صائرين أعضاء فاعلين في "جسده السرّيّ"، وأبناء لله بالنعمة.