عشرات الحوادث يوميًا، جميعها متعلقة بالسيدات المطلقات في المجتمع، فلا تخل جريدة أو موقع إلكترونى، من جريمة قتل رجل لمطلقة، لمنعها من رؤية أبنائه، أو بسبب النفقة، أو قتل سيدة لطليقها، بسبب خطف أبنائه، وحرمانها من رؤيتهم، أو ترك رجل ومطلقته أطفالهن في الشارع، والشرطة تقبض عليهما، أو ترك طفل رضيع يموت جوعًا، بسبب عناد أبيه وأمه المطلقين.
هذا كله ليس من فراغ، وإنما يرجع إلى المعاناة في المحاكم، والمراوغات والتحايلات من قبل الطرفين، وهو ما يدفع في النهاية أجيالًا كثيرة إلى الشارع، خاصةً في ظل انتشار ظاهرة الطلاق؛ حيث وصلت إلى 237.7 ألف حالة، في العام، بمعدل حالة كل 2.11 دقيقة، وفقًا لإحصائية الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2019.
كل حالة طلاق تحول إلى أكثر من ٢٠ قضية أمام محاكم الأسرة، بحسب الخبراء، حتى وصلت أعداد القضايا التى تنظر يوميًا في المحكمة الواحدة، ١٢٠٠ قضية، من أجل الحصول على نفقة المتعة والمؤخر، ونفقة العدة، ونفقة الأطفال، وكسوة للأطفال، وأجر مسكن، وأجر حضانة، وولاية تعليمية، وؤية الصغير، وحضانة الصغير، إضافةً إلى بعض القضايا التى تطعن في شرف المطلقة أو المطلق..إلخ.
كل هذا لا يوجد له حلول؛ حيث يستمر الصراع حتى يكبر الأطفال، ويظل مستمرًا حتى ينتج لنا أبناءً مشوهين أخلاقيًا ونفسيًا واجتماعيًا، مما يترتب عليه خلق جيل بأكمله من المجرمين والمنحرفين، نتيجة عدم استيعاب هذه المرحلة الخطرة، التى تضيع فيها حقوق المرأة والطفل والرجل، في المجتمع، وبالتالى لا بد من قانون متوازن يحمى الجميع، ويضمن لهم حقوقهم.
جهات كثيرة؛ تحاول إقرار قانون الأحوال الشخصية، منها: الأزهر الشريف، والمجلس القومى للمرأة، وبعض أعضاء مجلس النواب، لكن الخلاف لا يزال قائمًا، والجميع لديهم وجهات نظر مختلفة، مما ينتج حالةً من الخلاف المحتدم، تعطل صدور قانون.
«البوابة»، بحثت في إجراءات قوانين الطلاق، في العديد من دول العالم، التى تحمى وتصون حقوق المرأة والطفل والرجل؛ فجميع إجراءات الطلاق في معظم دول العالم تتم أمام المحكمة، ولا يتم الطلاق إلا بعد التسوية المالية، في جميع الأمور، ويقدم طلب للمحكمة شفويًا أو كتابيًا لطلب الطلاق، مرفقًا باتفاق الزوجين على توابع الطلاق، وهو شيء أساسى لإتمام الطلاق، وتتمثل في:
١- المطالبات المالية القانونية المتبادلة.
٣- من له الحق في حضانة الأطفال «إذا وجدوا».
٤- مصاريف الأطفال.
٥- كيفية وطريقة رؤية وزيارة الأطفال.
مع التركيز على النظر إلى معايير العلاقة العاطفية للطفل، مع كلا الوالدين، تحديد الوالد الذى يهتم أكثر بالطفل، حيث تركز المحاكم على المسئوليات المباشرة، من إجراءات النظافة لرعاية الطفل، إعداد قائمة الطهى للطفل، توفير الملابس المناسبة للعمر، والموسمية، والحفاظ على نظافتها، والتدابير المتخذة لحماية صحة الطفل، ومساعدة الطفل في أداء الواجب المنزلي، وتعليم الطفل مهارات القراءة والكتابة والرياضيات.
«البوابة»، من جانبها؛ طرحت على عدد من الخبراء، سؤالًا نصه: هل يجوز إجراء الطلاق في مصر أمام المحكمة، بعد الاتفاق على التسوية المالية والقانونية؟.
حقوق على الورق
في البداية؛ أكدت السفيرة ميرفت التلاوى، الأمين العام السابق للمجلس القومى للمرأة، أن الطلاق ببنود اتفاق أمام المحكمة، يصون حقوق وكرامة المرأة؛ لافتةً إلى أنها طالبت وزير العدل، في ٤ مذكرات، بإلغاء الزواج والطلاق أمام المأذون، لتلاعبه في الأوراق، مما سبب انتشار ظاهرة زواج القاصرات؛ وطالبت بأن يتم الزواج والطلاق أمام المحكمة.
وأشارت «التلاوى»، إلى أن الحديث عن أن المرأة تحصل على حقوقها من مطلقها، مجرد حبر على ورق، فبعد الطلاق تدخل المرأة في دوامة كبيرة للحصول على أحكام بحقوقها وحقوق أطفالها، وبعدها تدخل في دوامة أكبر، وهى دوامة تنفيذ تلك الأحكام؛ موضحةً أن هناك تحايلًا كبيرًا يقوم به الأزواج لكى يمتنعوا عن الإنفاق على أبنائهم.
وأوضحت الأمين العام السابق للمجلس القومى للمرأة، أن القانون به العديد من الثغرات، التى يستخدمها الطرفان، من تغيير محل السكن، وشهادات الفقر، والبطالة، فضلًا عن طول إجراءات التقاضى، وبعد سنوات أمام المحكمة تحصل على ٢٠٠ جنيه نفقة!.
لا طلاق إلا بعد الاتفاق
وتنصح الدكتورة عبلة إبراهيم، مستشارة منظمة اليونسكو، مدير إدارة المرأة والطفل بجامعة الدول العربية سابقًا، جميع الأسر المصرية، بضمان حقوق بناتها والحفاظ عليهن، بوضع شروط الاتفاق في حالة الطلاق، في وثيقة الزواج؛ وقالت: «يمكن الاتفاق على عدم وقوع الطلاق الشفوى، أو لا طلاق إلا أمام المأذون أو المحكمة، وأيضًا يمكن وضع اشتراطات خاصة في حال وجود أولاد».
وأضافت «إبراهيم»، أن معظم الرجال في المناطق الشعبية، وهنا لا أقصد الفقر، لكن اقصد الجهل، فالكثير منهم لديهم استهلاك خاطئ لبعض المفاهيم من خلال الحلف كثيرًا بالطلاق، فمن الممكن أن يحلف الرجل ٢٠٠ مرة في اليوم وهو كاذب، فهل يقع الطلاق، وتصبح زوجته مطلقة، لا أرى وقوع ذلك إلا بوثيقة، تثبت ذلك، سواءً من المأذون أو المحكمة، وللأسف نحن نستغل سماحة الإسلام، في التفريط في حقوق المرة، فالدين حفظ كرامة المرأة، وأمر بإكرامها، كما كان يفعل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وناشدت، مستشارة منظمة اليونسكو، القائمين على التشريعات في مصر، خاصة نواب البرلمان، بالعمل على إصدار تشريع، يصون حقوق المرأة والطفل، عبر منع الطلاق إلا أمام محكمة، وذلك بعد ضمان كل الحقوق المترتبة على الطلاق؛ من نفقة الطفل، وأجر حضانة الزوجة، والولاية التعليمية، والتخطيط لمستقبل الطفل قبل وقوع الطلاق؛ مشيرة إلى أنه لا يعقل أن يضيع عمر المرأة في المحاكم، فيالجرى وراء طليقها، من أجل الحصول على طعام أولادها.
وشددت مدير إدارة المرأة والطفل بجامعة الدول العربية سابقًا، على أن انتشار بعض الانحرافات في المجتمع أساسها تمزق الأسرة؛ لافتة إلى أن منح حقوق المرأة وصيانة وجودها في المجتمع، يعمل تربية أجيال قادرة على تحديات المستقبل ويصنعون تنمية حقيقية لبلادنا.
الإسلام لا يعارض وضع شروط الطلاق
كشف الدكتور محمد سالم أبو عاصى، عميد كلية الدراسات الأسبق بجامعة الأزهر، عن أن الشريعة الإسلامية تصون وتحمى حقوق المرأة والطفل؛ مقترحًا وضع كل الشروط التى تحمى الزوجة وأطفالها في وثيقة الزواج، قبل عقد القران، لمنع الاستهتار بالطلاق، وتكون هناك حالة من التريث، حتى لا تطلق المرأة على أسباب «تافهة».
وأشار «أبوعاصى»، المتخصص في علوم القرآن وتفسيره، إلى أن وضع شرط في وثيقة الزواج، بمنع الطلاق إلا أمام المحكمة، لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهذا حل مؤقت، لحين صدور تشريع يلزم المجتمع بالطلاق أمام المحكمة، لصون المرأة والطفل.
وعن هجوم البعض على «الطلاق أمام المحكمة»، ووصفه بأنه تشبيه بالغرب، قال: «هل كل ما جاء عن الغرب مرفوض، هناك أمور تتفق مع الشريعة الإسلامية وقواعدها، ومراعاتها لمصلحة الإنسان، كل ما فيه مصلحة للإنسان، ولا يتعارض مع نصوص الشرع، فالشريعة تقره، والشروط إذا كانت ملائمة لتحقيق المصالح فهى مقبولة».
وعن إجراءات ما بعض الطلاق؛ قال عميد كلية الدراسات الأسبق بجامعة الأزهر: «يتم تحديد نفقة الأطفال حسب قدرة الأب، أما الحضانة فيمكن التغيير فيها، ومراعاة مصلحة الطفل والزوجين، ويمكن أن تكون راحة الطفل مع أبيه أو أمه، وأرى أن يؤخذ برأى الطفل، إن كان عنده تمييز للاختيار، أما عن توفير مسكن بعد الطلاق، فيجب على الأب توفير مسكن لها ولأولاها، لحمايتهم وصونهم، وإن لم يكن له منها أولاد، فمن باب البر يمكن أن يوفر لها مسكن».
نقيب المأذونين: لا نوثق شروط الطلاق
قال إسلام عامر، نقيب المأذونين، إن قانون الزواج والطلاق، مستمد من الشريعة الإسلامية، وبالتالى يجوز للزوجين الاتفاق على أى أمور، بشرط ألا يكون الاتفاق على أمر يحل حرامًا أو يحرم حلالًا، وبالتالى لا يجوز الاتفاق على عدم وقوع الطلاق الشفوى، أو اشتراط الطلاق أمام المحكمة، أو في عدم غيبتها، أو خلافه؛ مضيفًا: «يمين الطلاق لا يوجد به تهريج، وهو يقع حتى لو لم يوثق.. وليس لى علاقة بمن يرون أنه لا يقع».
وأضاف «عامر»، لـ»البوابة»، أن الزوجة والزوج، يعقدان القران، ليعيشا حياة كريمة، وليس لديهما تخوف من الطلاق، وهذا هو المفروض، فالزواج عقد أبدى، ولا يجوز فيه نية مبيته للطلاق، أو الحديث عنه نهائيًَا.
معاناة للحصول على حقوقها
كشف عصام أبو العلا، الفقيه القانونى، عن أن التسوية المالية والقانونية للزوجيين (قائمة العفش، المسكن، النفقة بأنواعها، حضانة الأطفال، الولاية التعليمية)، قبل إجراء الطلاق، بحكم محكمة، يصون الطفل والمرأة، ويقلل الضغوط والقضايا، التى تستمر لسنوات في ساحات المحكمة؛ لافتًا إلى أن هذه الإجراءات متبعة في العديد من دول العالم.
وأوضح «أبو العلا»، أن هناك حالة من القصور في القانون الراهن أمام المحاكم، فبعد مرحلة الطلاق تتشتت المرأة في العديد من القضايا، من النفقة والحضانة والرؤية، أمام محاكم وقضاة مختلفين، وذلك لعدم إلزام القانون، المدعى برفع كل القضايا المتعلقة أمام قاضى واحد، مما يسهل جميع الإجراءات بعد ذلك.
وأشار، إلى أن مكاتب تسوية النزاعات الأسرية، كان غرض المشرع منها إنهاء النزاع، على يد خبير نفسى واجتماعي وقانونى، قبل أن يتطور الأمر ويصل إلى المحكمة، لكن الواقع العملى جاء على عكس ذلك، بسبب أن معظم الخبراء النفسيين والاجتماعيين، ليس لديهم الخبرات الكافية للاقناع، وبالتالى كل القضايا وصلت المحكمة، وأصبح وجودهم تعطيل للمحكمة، وأيضًا تقريرهم غير ملزم للمحكمة.
«فؤاد»: الطلاق الملزم ببنود اتفاق يحمى الزوجين والأطفال
كشفت الدكتورة هند فؤاد، أستاذ علم الاجتماع المساعد، بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، عن أن الطلاق الملزم ببنود اتفاق أمام القاضى، يقى المطلقة والأبناء من أهوال السعى وراء الزوج، لجلب النفقة والمصاريف المدرسية والولاية التعليمية، كما يقى الأطفال من الانحراف والتشرد بين الأسر أو في الشارع، كما يحفظ حق الطفل في النفقة والتعليم، سواء مع أمه أو أبيه، ويحافظ على نفسية متوازنة للطفل.
وأشارت أستاذ علم الاجتماع المساعد، بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إلى أن القوانين الحالية، تسهم في نشر التفكك، لوجود العديد من الثغرات والمخارج القانونية، التى يستغلها المحامي، لإنقاذ وكيله من دفع النفقة، وحقوق الأطفال، وكأنه سيفوز عندما لا ينفق على أطفاله.
وأوضحت «فؤاد»، أن هناك عوامل وظروفًا متعددة ومختلفة، ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية، وراء انتشار ظاهرة الطلاق في المجتمع، خاصة بين الزيجات الحديثة، حيث بلغت حالات الطلاق في عامى ٢٠١٧، ٢٠١٨، نحو ٩٨١ ألف حالة، بين الأسر التى تتراوح أعمار الزوجين فيها بين (٢٠- ٣٥ عام)، وتزايدت تلك النسب في ظل أزمة (كوفيد ١٩)، نظرًا لإجراءات الغلق، وتواجد الزوجين معا في البيت لفترات طويلة.
وقالت أستاذ علم الاجتماع المساعد، هناك دراسة تبحث في أسباب وعوامل انتشار الطلاق بين الزواج المبكر، وقدمت أطروحات لعلاجها بين الشباب، وتداولت مقترحات لقانون الأحوال الشخصية، بين مؤسسات المجتمع المدنى، والمجالس القومية المتخصصة، وعقدوا العديد من الندوات، وناقش الحوار المجتمعى تلك المقترحات، لكنها لم تثمر عن مشروع قانون جديد متكامل، يتوافق عليه جميع الاطراف، ومن أجل هذا لم يقدم المشروع، ولم يظهر في مجلس النواب حتى الآن.
وشددت «فؤاد»، على ضرورة إجراء إصلاحات تشريعية عاجلة، تشمل إثبات الطلاق أمام القاضى بالمحكمة، وإلزام الطرفين ببنود اتفاق، تحافظ على تداعيات الطلاق واستمرارها، من نفقة ورؤية وخلافه، مثلما يحدث في السعودية والأردن وتونس.
وأكدت، أن الرؤية من الأمور المهمة، التى يجب أن يحرص القاضى على تنظيمها بين الطرفين، قبل الطلاق، وتكون بالتراضى، ويلتزم كل طرف بمواعيدها، ويتجنب عدم الإخلال بها إلا في ظروف مشددة، وذلك لمراعاة نفسية الأطفال، وتيسير الحياة مع الأم أو الأب.
ولفتت أستاذة علم الاجتماع المساعد، إلى أن ساعات الرؤية لا تكفى لتكوين شخصية سوية للطفل، ويجب استبدالها بالاستضافة ليوم أو أكثر، بشروط مشددة أمام القاضى، وأن يكون للإخلال بها عقوبة الحبس الفورى، مهما كان منصب وهوية هذا الطرف أو ذاك.
وكشفت «فؤاد»، عن أن مكاتب التسوية، في القانون، المفروض أن تقلل قضايا الطلاق، لأن دورها الفعلى هو التوفيق، ومحاولة الإصلاح بين طرفى النزاع، وهى خطوة مهمة، قبل الوصول للمحكمة، لكن التنفيذ الفعلى أوضح أن دورها شكلى، ويقتصر على الورق، دون محاولة الاخصائيين الاجتماعي والنفسى، الإصلاح بين الطرفين، وبالتالى لم يصبح لها دور فعلى، بل بالعكس أصبحت مجرد إجراء يتحصل من خلالها على رسوم وأوراق لا أكثر، وفى النهاية يترك الأمر كله للقضاة.