في يوم مثل هذا قبل واحد وثلاثين سنة، قدم الكاتب الكبير فرج فودة، روحه قربانا للمجاهرة بالفكر المستنير، وهو ما رآه أصحاب الفكر الانغلاقي، والراديكالية الأصولية، سببا كافيا، لاغتياله.
ويتميز فرج فودة عن غيره من المفكرين، بأنه كان صاحب فكرة واضحة المعالم، وكان يمتلك قدرة فريدة على طرح الأفكار وشرحها بألفاظ واضحة، يعصب فهمها بشكل خاطئ، أو إيجاد ثغرات فيها، الأمر الذي صنع منه خصما عنيدا، لم يكن أمام التيار المتأسلم سوى إزاحته، حتى لا تضيء طريقته في التفكير الطريق لإنقاذ الشباب من المصير، الذي كان يعد لمصر، في تسعينيات القرن الماضي.
ويرى المحللون السياسيون والفلسفيون على السواء، أن السمة الرئيسة التي صنعت العداوة بين فودة والتيار الراديكالي، كانت قدرته على وضع أسس جوهرية لأي حوار يخوض فيه، بشكل يجعل مهمة من أمامه عصيبة، في الخروج فائزا.
كمان أن فرج فودة كرّس في كتاباته للقيمة الوطنية، وأهمية الوطن فقال: «عليهم أن يدركوا حقيقة واحدة، وهي أنهم موجودون لأداء دور تفرضه عليهم معطيات الواقع ومتطلبات المستقبل، ويدفعهم إليه إيمانهم بأوطانهم، وبمستقبل الأجيال القادمة، وأن وجودهم مرتبط بأداء هذا الدور، وأنهم بقدر هذا الأداء سيكونوا»، في إشارة واضحة إلى أن الجميع يجب أن يدور في فلك الوطن، وهذا ما لا يحبه أنصار التيار المتشدد، الذين لا يعترفون أبدا بأهمية الأوطان، أو بوجودها.
وهاجم فرج فودة الإرهاب، مؤكدا أنه "لا يمكن أن يعيش إلا عندما تفقد العين القدرة على التمييز بينه، وبين الشرعية، وعندما يتنادى البعض بأن هناك إرهابا مشروعا، وإرهابا غير مشروع، وإرهابا مستحبا، وإرهابا غير مستحب"، وهو نهج لم يكن سائدا في عصره، إذ كانت النخب الموجودة وقتها، تتعامل مع الإرهاب وفقا للهوى، فإن وقعت جريمة إرهابية ضد خصومها، فهم عنها لاهون صامتون، أما إن وقعت ضد معسكرهم، يخرجون للهجوم على الإرهاب، وهو تابوه كسره فودة، وجعل الإرهاب إرهابا مهما كان.
وكان فرج فودة سابقا لعصره، حين أشار إلى أن الإرهاب يعتمد في انتشاره وتوغله، على نشر الشائعات، وهو ما جرى فعلا بعد تاريخ اغتياله بما يزيد عن خمسة عشر عاما، حين احتاجت الجماعات المتطرفة لتأجيج المجتمع بالشائعات، حتى يمكنها أن تجد فرصة للتمدد والبقاء.
كان يوم الثامن من يونيو عام 1992، إيذانا بتغيير كبير في نهج النخب الثقافية، باغتيال فرج فودة، ما أدى إلى تغيرات دفع المجتمع ثمنها بعدها بسنوات طويلة، ومازال يدفع هذا الثمن إلى الآن.