أحد الأعمى في هذا اليوم الَّذي هو الأَحد الخامس بعد الفصح، نصنع تذكار العجب الصَّائر للأَعمى منذ مولده على يد المسيح.
تذكّرنا الكنيسة بأعاجيب قام بها يسوع قبل آلامه وحصلَت "نهار السبت"، بكلام آخر هذه الأعاجيب كانت السبب المباشر لغضب الفرّيسيّين ورؤساء اليهود عليه:
"لو كان هذا من عند اللّٰه لما اجترح العجيبة في هذا اليوم المقدَّس"، وجواب الأعمى لهم: "لو لم يكن من عند اللّٰه لما فتح عينيَّ"؛ وأيضًا كان ردّه على اتّهامه بأنّه إنسان خاطئ: "نحن نعلم أنَّ اللّٰه لا يسمع للخطأة".
رمزيته
يأتينا أحد الأعمى في قمة آحاد الفصح، مذكرًا ومؤكدًا لنا، بأننا أبناء القيامة! بالرغم من كل الصعوبات التي تواجهنا.. شرط أن نتضع، ونسلّم أمرنا لله. فالإتضاع يجلب الايمان البسيط.. الايمان الساجد (يوحنا ٩: ٣٨).
انَّ أحد الأعمى (الذي تتلى فيه هذه الحادثة) يظهر بمثابة قمة في نهاية أحداث القيامة في فترة الخمسين يوما قبل العنصرة.. انها قمة في طريق تمثلنا للفصح:
طلي العينين بالطين والاغتسال، ثم الايمان المتواضع والسجود. فبدون الاتضاع قد لا ينفع لمس الرب كتوما، ولا الخدمة المتفانية كحاملات الطيب، ولا معمودية المخلع ثانية، ولا أنهار مياه السامرية النابعة من الداخل... بل قد تنقلب هذه كلها ضدنا إذا ظللنا ندعي الفهم.
إنجيل أحد الأعمى يضعنا امام البعد الروحي الصحيح لشفاء الاعمى العجائبي، هو اعادة اكتشاف النور، نور المسيح، النور البهي لقدس مجد الآب الذي لا يموت، النور الأكثر اضاءة، النور الحقيقي الوحي، نور المسيح الذي لا يغرب الذي يضيء كل شيء ومن كل جهة،الم يقول السيد المسيح: "أنا هو نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة".
لم يرد في العهد القديم والجديد تفتيح عيني مولود اعمى سوى في هذا الاصحاح،وقد ورد في العهد الجديد في هذا النص الذي قراناه عن عطية النظر للعميان كأحد أعمال المسيح، المخلص المنتظر. وكأن الإنجيلي يوحنا وهو يشير إلى تفتيح اعين الاعمى المولود اعمى يعلن تحقيق النبؤات من خلال شخص يسوع بكونه هو المسيح المنتظر المخلص، اذ به اي يسوع المسيح قد تحققت النبؤات حيث تمم أعمالا لا يمكن ان يمارسها غير الله نفسه،لهذا الرب الذي يفتح الاعين الداخلية للقلب مع العيون الجسدية فيه تحققت النبؤات.
تأملات في حياة المولود أعمى
ولد هذا الرجل أعمى من بطن أمه وعاش فترة حياته حتى شبابه محروم من الرؤية وكان يستعطى من الناس ولما وجدوه تلاميذ المسيح سألوا المخلص... هل أخطأ هذا أم والديه؟؟ وكان رد المخلص لا أخطأ هذا ولا أيضا والديه ولكن من أجل مجد الله.
أليس كان من الأولى ان يقدموه للمخلص ويطلبوا من أجله بدلا من أن يسألوه هل أخطأ هذا أم والديه.. عندما نبحث في حياة هذا الأعمى نجده يتصف بصفات جميلة منها.
الصمت
كان ممكن ان يدافع عن نفسه عندما سمع التلاميذ يسألون المخلص ويتهمونه بدون سابق معرفة هل اخطأ هذا أم والديه لكنة فضل أن يسكت ولا ينطق ببنت شفا لكن السيد المسيح دافع عنه وأوضح لتلاميذه أن هذا من أجل مجد الله.
تحمل التعب وظروف معيشته والامة ونظرة الاخرين له وتقبل كل هذه الالام بصدر رحب وكان ممكن ان تكون هذه الأوضاع سبب في يأسه وبؤسه لكنه تحملها بصبر.
عدم التذمر
رغم الآلام والتعب وحياته الصعبة التى وجدها بدون أن يكون له دخل بها إلا أنه رضى بها وعاش حياته بدون أن يتذمر على شىء ولو حدثت هذه الأشياء لشخص في هذا الزمن لوجد الف حجة وحجة من التذمر.
الشكر
نرى الشكر ظاهر بوضوح لما المخلص وهبه الشفاء وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام فذهب ورجع إليه لكى يشكره..
فلو كان ذهب ولم يرجع للمسيح لكى يشكره فلن يلومه أحد لآنه يعانى 30 سنة من عدم الرؤية وكان يسمع فقط عن كل شىء في الدنيا والآن أصبح يرى الحياة ويرى كل ما كان يسمع عنه.. لكن هذا الرجل لم يكن لديه حب للحياة بقدر حبه للمخلص الذى أعطاه نعمة الشفاء.
عدم الخجل
تخيلوا لو ان احدا ما اعطاه الرب مال كثيرر أو ورث عن اهله أو منصب كبير في شركة بعد ان كان موظف صغير..يا ترى ماذا يحصل لهكذا شخص فقير.
احتمال كبير
إن المال أو المنصب سيجعلوه يتغير ويتنكر لكل أصحابة واهله ولكن هذا الرجل بعد أن شفاه المسيح لم يحدث ان تغيّر ابدا لكنه اعترف انه هو نفس الشخص الذى كان مريض ويعانى من عدم الرؤية ولما اليهود والناس احتاروا فيه وقالوا إنه هو وآخرين قالوا إنه شخص يشبهه وآخرين قالوا ليس هو إما هو فقال عن نفسه أنى أنا هو.
نقاط مهمة في قصة أحد الأعمى:
1- المسيح جبل الطين وصنع عينين للأعمى تمامًا كما خلق الله الإنسان قديمًا، وهذه إشارة واضحة أن يسوع قادر على صنع معجزات.
2- يسوع أعطى النور لأنّه هو النور ونور من نور.
3- الأعمى لم يرى فقط، بل أصبحت له بصيرة. فكم من إنسان ينظر وهو أعمى البصيرة وكم من إناس لا يستطيعون النظر ولديهم بصيرة.
4- البصيرة الحقيقيّة هي أن نعيّ أن الله تجسّد ليخلّصنا وهو دائمًا بجانبنا.
5- اغتسال الأعمى معمودية جديدة للروح والجسد معًا.
6- ببصيرته تحوّل الأعمى إلى لاهوتي وأحرج كبار العلماء والفرّيسيين، لأنه أصبح ينطق بالروحيات ويشهد لله ولعظمته ومجده وخلاصه.
7- مجد الفرّيسيين المزيف سقط أمام بساطة الأعمى الممتلئة من الروح.
8- تأتي كلمة حتى هنا " ولم يصدِّقِ اليهودُ عنه أنَّه كان أعمَى فأبصَرَ حتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذي أبصرَ " وهي تشير بأن اليهود لم يصدّقوا حتى بعد أن أتى والدا الأعمى، وهي تذكّرنا أيضًا بما يدّعيه البعض أن العذراء ولدت أولادًا بعد يسوع ويفسّروا تفسيرًا خاطئًا الآية التالية:" ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر".
9- هو: عبارة تشير إلى الرّب يسوع وتعني الكينونة "هيه" باللغة العبرية، الكلمة نفسها أطلقها الله على نفسه عندما كلّم النبي موسى في العليقة غير المحترقة. " أهيه أشير أهيه" أي أكون الذي أكون. ومن هذا الفعل أتت كلمة يهوى التي تعني الكائن. فاسم يسوع هو "يهوى يخلّص" أي"الكائن من ذاته الذي يخلّص" أي الله. في اليونانية هي OWN، المكتوبة على أيقوناته.
خواطر
- يأتينا أحد الأعمى اليوم، في قمة آحاد الفصح، مذكرًا ومؤكدًا بأننا أبناء القيامة! بالرغم من كل الصعوبات التي تواجهنا شرط أن نتضع، ونسلّم أمرنا لله. فالإتضاع يجلب الايمان البسيط.. الايمان الساجد (يوحنا ٩: ٣٨).
- بعد أن أبصر هذا الأعمى النور، شهد بقوة واصرار للرب يسوع. تعالوا جميعنا، نحن أيضًا، لنشهد بجرأة، لنور الرب، الذي حلَّ فينا بالمعمودية. تعالوا لنشهد، وعن خبرة شخصية، بإيماننا ب يسوع، غير مبالين بما يقوله الناس.. وحتى ولو لم يقبل أحد، بهذه الشهادة.. عندها نصير أنا وأنت، ذلك العالم الذي قام المسيح من أجله!
- علّمنا يا رب، جميعًا، تواضعك، وأعطنا عيناك لنرى.. عندها تستقيم أمورنا كلها.. فَنُتمّمْ بقية زمان حياتنا، بسلام وتوبة.. علّنا نستحق أن نعيّد الفصح الأخير في ملكوت الله، آمين.
الجدير بالذكر ان الأربعاء قبل الصعود: وداع عيد الفصح المجيد نحتفل بالليترجيا الالهية كما في يوم احد الفصح المقدس ماعدا الرسالة والإنجيل. في هذا اليوم تودع الكنيسة احتفالاتها الليتورجية كل ما يختص بعيد الفصح المجيد وتقودنا إلى التفكير بعيدي الصعود والعنصرة أي حلول الروح القدس على التلاميذ وهم مجتمعون في العلية بالقدس.