أخيرا وبعد عامين من الصمت المؤلم، ناقشت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المشاكل التي نتجت عن قانون ١٤٨ الذي ينظم التأمينات والمعاشات، جاء ذلك بعد طلب إحاطة قدمه النائب عادل عامر، بشأن "تظلم العاملين المتضررين من قانون التأمينات الاجتماعية الجديد رقم (148) لسنة 2019" وتابع المناقشة عشرات الآلاف من الضحايا لحظة بلحظة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وقبل أن ندخل في تفاصيل الاجتماع نقول للقارئ الحكاية باختصار ليكون معنا في الصورة ويحكم بنفسه، ملخص الحكاية هو أن قطاعا واسعا من المصريين يقدرهم البعض بمئات الآلاف إن لم يكن ملايين لم يجدوا في بداية حياتهم قبل عشرين عاما من يحنوا عليهم فوقعوا فريسة للقطاع الخاص الذي أكل صحتهم وأعمارهم حتى كره الناس اليوم الذي ولدوا فيه، اشتركوا بالتأمينات الاجتماعية على اتفاق أن من حقهم التقاعد بعد عشرين عاما من الخدمة، وفجأة ضربت الحكومة ومجلس النواب ضربتهما القاتلة فأصدرت قانونا يمنعهم من التقاعد وأخلت بالاتفاق ومن جانب واحد فرضت الدولة على المشترك نظاما جديدا للتقاعد وكأن لسان حال هيئة التأمينات يقول للمواطن إنني سأمنحك حقك في المعاش عندما أرى قدمك اليمنى في القبر، لسان حال متخذ القرار يقول لن أمنحك المعاش إلا بعد أن أرى الذل في عينيك وأرى عفش بيتك وهو يباع لكي تشترى غذاءك ودواءك.
لست مبالغا في الوصف ولكن هذا هو ما تم بالضبط، ويعتبر هذا القانون هو اكبر عملية قرصنة في سنواتنا الأخيرة، واكبر عملية استقواء تشريعي بمباركة تنفيذية في مواجهة ضحايا كل ذنبهم أنهم لم يكن لهم واسطة ليتمرغوا في تراب الميري فضاعت حياتهم بين تروس القطاع الخاص وجاء البرلمان في المشهد الأخير ليكتب لهم شهادة الوفاة بإصداره هذا القانون المعيب.
نعود للاجتماع وما خرجوا به لاحتواء غضب الغاضبين، حيث جاءت التوصية بالعمل على حل مشكلة العالقين، وفي تعريفهم لـ"العالقين" هم من خرجوا من الخدمة بالفعل من ١ يناير ٢٠٢٠ حتى الآن وتحرر لهم استمارة ٦، وبذلك يتمخض الاجتماع ويلد فأرا، وكأنهم لا يعرفون أن طابور الضحايا ممتد وما زال القطاع الأكبر منه عالقا داخل مؤسساته كخدمة من صاحب المؤسسة حتى لا ينغلق ملفه التأميني وحتى لا يترك في الشارع في فخ انتظار تعديل تشريعي منصف.
يا حضرة المشرع حل مشكلة العالقين هو حل بالقطعة وليس حلا شاملا للحفاظ على استقرار الوطن، يا حضرة المشرع ويا قيادات التأمينات الاجتماعية، لستم أكثر حرصا على المال العام من عمال مصر ضحايا قانونكم المشبوه، لأننا لو تكلمنا عن المال العام سوف نسألكم جميعا عن أرصدتكم في البنوك وإجمالي دخلكم وما تتحصلون عليه من مكافآت، لستم أكثر وطنية من عمال مصر ضحايا قانونكم، هؤلاء العمال هم من رصفوا لكم الطرق واستجابوا لدعوة ٣٠ يونيو لبناء مصر من جديد تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبصراحة كل من وقف ضد المؤمن عليهم وسرقة حقهم في التقاعد بعد عشرين عاما من الخدمة، هو يقف ضد إنجازات الدولة المصرية التي تتقدم في مختلف المجالات بما يشبه المعجزة، بينما حضرات الأفاضل سواء في الحكومة أو البرلمان كلهم إصرار على إغراق المركب بضرب وقتل مئات الآلاف من الأسر المصرية.
ابتكار مصطلح العالقين لن يحل الأزمة، أنتم تعرفون الحل، إما مرحلة انتقالية تسمح للراغبين في التقاعد بالتقاعد، أو العودة بشكل كامل للقانون القديم وتطبيق ١٤٨ على من يشترك معكم حديثا، وأن كنت أعتقد أنه لم يعد هناك مواطن متحمس للتعامل مع التأمينات من جديد وأننا سوف ندخل مرحلة التحويش تحت البلاطة، لأن البلاطة أكثر صدقا من أجهزة كل مهمتها قطع رقاب الناس.