قبل أن أودع اليوم بمزيد من الإحباطات وخيبات الأمل وأفشل في ثقب السماء والمرور إلى فضاء أرحب بعيدا عن ما يؤرقني ويستنزف طاقتي ويوأد قلمي.
أطلت لي من بين الأطلال رواية "بذلة الغوص والفراشة" للروائي الفرنسي جان دومينيك، وكأنها تدعوني لالتقاط ما تبقى من أمل وتكرار المحاولة بعد المحاولة دون ملل.
أزلت غمامة الحزن من على رأسي ووجدتني أبتسم وأتساءل لماذا الوجم؟.ما زلت قادرا على التحليق.. مازلت قادرا على الإمساك بالقلم.. مازلت قادرا على خط حلمي على السطور وحتما ستقرأ يوما الأيام.. حتما سيصغي إلى القدر.
قص لي دومينيك أنه في أسوأ حالاته لم يفقد الشغف، فبعدم أصيب بشلل تام وكف عنوة عن الحديث، ألف كتاباً من 150 صفحة.
كان كل شيء فيه قد سكن إلا قلبه وجفن عينه اليسرى ومع ذلك تشبث بحلمه وحاول رغم انعدام الفرص.
وجد دومينيك من يصغي إليه، إذ كانت المحررة تسرد عليه الحروف الأبجدية في كل مرة بالترتيب حتى تصل إلى الحرف الذي يؤشر عليه بجفنه.
6 ساعات كل يوم كانت تسجل نصف صفحة فقط.
لتخرج لنا معجزة في صيغة رواية كُتبت برمش العين اليسرى .
دومينيك كان مفعما بالحيوية والسعادة وهو يطل عليا من صفحات روايته «بذلة الغوص والفراشة» ليعطيني درسا في تخطّي المآسي وضرورة البحث عن سبل للتأقلم مع الواقع مهما كان قاسيا، وضرورة إيجاد صيغة تفاهم مع العالم بعيدا عن التباكي.
يقول دومينيك وأنا أصغي: "تعرّضت لحادث سيارة، أصيبت على إثره بمتلازمة المنحبس، التي تكون عبارة عن حالة يكون فيها المريض برغم وعيه التام مشلولًا من كل عضلات جسمه ما عدا عضلة العينين. يشعر أنه بمرور الشهور أصبحت بذلة الغوص أقل ضيقًا، لكن الروح مازالت حرة تستطيع التنقل من هنا إلى هناك.
كان لزاما عليه أن يخترع أبجدية خاصة به حتى يمكنه التواصل مع العالم الخارجي.
نجح دومينيك رغم كل معطيات الفشل وأستطاع بتحريك جفنه أن ينقش اسمه على متون الزمن.
ويكتب بجوار اسمه عبارة تخلد المعنى وتعطى المغزى: العجز هو عجز العقل لا الجسد.. فلا تيأسوا.
رواية جان دومينيك تحولت إلى فيلم كما تحولت إلى أيقونة.. فاكتبوا بما استطعتم.. اكتبوا فحتما سيأت من يقرأ.