السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فرج فودة ضحية الإرهاب.. تنبأ بما حدث بعد 30 يونيو 2013

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمر اليوم ٨ يونيو الذكرى الواحدة والثلاثون لاغتيال شهيد الكلمة فرج فودة، والذى صدق حينما قال: «العقل المصرى قابل للمحاورة معك مهما اختلفت معه بشرط أن تكون واضحا ومقنعا، وهو أيضا مستعد لتلقى آرائك مهما كانت بشرط أن يتيقن من صدقك في التعبير والدفاع عنها، وحاسته في إدراك الصدق وتميزه حاسة باهرة».
ولعل هذا يفسر لنا تقبل المصريين لفكر رواد الحضارة في بداية القرن العشرين، أمثال: «رفاعة الطهطاوى، وعلى مبارك، وأحمد لطفى السيد، وسعد زغلول، وقاسم أمين، وطه حسين، وعلى عبدالرازق، وأحمد أمين.. وغيرهم».
ربما كلام فرج فودة هذا يعطينا دفعة للتعامل مع الشعب المصرى والاهتمام بمحاورته بديلا عن فرض الوصاية عليه من قبل بعض العلمانيين أو ممن يطلقون على أنفسهم هذه التسمية بأنه شعب متخلف ولا يجد الحوار معه نفعا، إذ يؤكد فرج فودة على أهمية الحوار ولكن بشروط مهمة، أساسها المصداقية، والدفاع عن الرأى ليس بتجهيل الآخر أو فرض وصاية عليه بل بالحوار الصادق، والاستمرارية حيث يضرب لنا مثلا برواد نهضتنا في العصر الحديث.
فلم يكن واحدا من هؤلاء يسير مع التيار العام، أو يرضخ لما يطلبه الرأى العام. أو يتمسك بالثابت والمستقر، وقد تكالبت عليهم العقول الراضخة والظلامية إلا أن من بقى هم الرواد وأما الزبد فيذهب جفاء.
ويستطرد فرج فودة ويقول: «وليس عليهم إلا أن يدركوا حقيقة واحدة، وهى أنهم موجودون لأداء دور تفرضه عليهم معطيات الواقع ومتطلبات المستقبل، ويدفعهم إليه إيمانهم بأوطانهم وبمستقبل الأجيال القادمة، وأن وجودهم مرتبط بأداء هذا الدور، وأنهم بقدر هذا الأداء سوف يكونون، وبقدر التضحية سوف تنتصر دعوتهم، وبقدر قوة مناوئيهم وعنفهم وجبروتهم، بقدر ما يكون لأدائهم مضى، ولدورهم تأثير».
هكذا كان فرج فودة يعطى نفسه وإيانا الدرس في الدفاع عن أفكارنا وحريتنا ووطننا.
الإرهاب حسب الطلب
«إن الإرهاب لا يعيش، ولا ينمو إلا في ظل الديماجوجية، وإلا عندما تفقد العين القدرة على التمييز بين الإرهاب وبين الشرعية، وإلا عندما يتنادى البعض بأن هناك إرهابا مشروعا، وإرهابا غير مشروع، وإرهابا مستحبا، وإرهابا غير مستحب».
وضرب فرج فودة مثلا بقتل السادات وقتل رجال الشرطة في أسيوط حيث صنفت بعض القوى الحزبية قتل السادات بأنه عمل بطولى، وأما قتل ضباط الشرطة صنفوه إرهابا.
وهنا يضع فرج فودة يده على الجرح وعلى الأزمة الحقيقية لدى نخبنا الثقافية وفى القلب منهم هؤلاء الليبراليون الذين يتشدقون طول الوقت بحقوق الإنسان طالما هذا الإنسان ضد السلطة، بينما لو كان مع السلطة فليس له أى حقوق بل يكون بالنسبة لهم خائن وعميل وأمنجى، وليس شرط أن يكون مع السلطة في كل المواقف، فقط لو أيد السلطة أو الحكومة مرة واحدة يريدون إقامة حد الخيانة والعمالة عليه.
هذا الجزء من كتاب «الإرهاب» لفرج فودة يضعنا أمام أزمتنا بالفعل، وأعتقد أننا جميعا نتذكر ما حدث من عاصرى الليمون وما حدث بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وموقفهم من فض اعتصامى رابعة والنهضة، ودفاع الكثير من العلمانيين والليبراليين حتى اليوم عن هؤلاء الإرهابيين في السجون المصرية أو بعد النطق بالحكم ضدهم، وكأن هؤلاء الإرهابيين حمائم سلام لم يغتالوا الوطن، ولم ينتهكوا حرماته، وخير مثال على ذلك أولئك الذين ما زالوا يدافعون عن جماعة إرهابية أرادت قتلنا جميعا ورفعت شعار «يا نحكمكم يا نقتلكم».
فنحن الآن في هذه الحالة تماما من عدم القدرة على التمييز ما بين الإرهاب والشرعية.
الشائعات والطلقات
يقول فرج فودة، شهيد الكلمة، الذى اغتالته رصاصات إرهابية غادرة في ٨ يونيو ١٩٩٢: «للإرهاب أنياب ومخالب، تتمثل في إطلاق الشائعات الكاذبة المدروسة، والتى تمثل – إذا استعرنا أسلوب حرب العصابات- ستار الدخان الذى يحمى الإرهابيين، سواء في إقدامهم على الفعل، أو في الهروب بعده، بأقل قدر من الخسائر، وبأكبر قدر من تجميد وتحييد الاستنكار الشعبي».
«لست أدرى كيف لم ينتبه أحد إلى أنها أصبحت سمة أساسية للعمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، وكيف لم تصل درجة التنبه إلى دراسة كيفية مواجهة هذه الشائعات إعلاميا، وسياسيا، وأمنيا. لأنها في النهاية لا تقل خطرا عن البندقية في كل الأحيان، ونرتبط بها ارتباطا وثيقا في أغلب الأحيان».
أعتقد أننا ما زلنا ندور في نفس الدائرة، فما زالت جماعة الإخوان الإرهابية تمارس هوايتها المفضلة في صناعة ونشر الشائعات والأكاذيب مؤيدة بأجهزة استخباراتية، وقنوات فضائية ويمتلكون عددا كبيرا من المواقع الإلكترونية، ولهم أسهم في عدد من الصحف العالمية يبثون خلالها أكاذيبهم وشائعاتهم، وما زالت في المقابل مجهودات الدولة في مجابهة هذه الشائعات سواء كان على المستويين الإعلامى أو السياسى ضعيفة.
بل والأكثر من ذلك خطرا أن تحول الصراع بين هذه الجماعات وبين أجهزة الدولة خاصة مؤسساتها الإعلامية والثقافية، والدينية على امتلاك صحيح الدين، حيث تتهم هذه الجماعات الدولة بأنها دولة طواغيت ولا تقوم بتطبيق شرع الله فيكون الرد من مؤسسات الدولة أن هذه الجماعات ضالة، وخوارج عن الإسلام، فأصبحنا وكأننا في مباراة تكفير وتكفير مضاد، هذا يؤكد أننا لم نتجاوز حتى الآن اللحظة التى كتب فيها فرج فودة كتابة هذا عام ١٩٨٧- ربما نكون تخلفنا عنها- فكان متاحًا لفرج فودة ما لم يتح لنا الآن رغم تطورنا التكنولوجى، وكثرة القنوات التى نستطيع استخدامها في الرد على هؤلاء.