الضاحك الباكي، الذي عاش عاشقًا للفن، وأثرى الوسط الفني بمسرح وتليفزيون وسينما ما زالت باقية لليوم بل مدرسة يدخلها كل محب يريد التعلم بكل جدية، هو الفنان الذي كتب نعيه بنفسه، قوي الإلقاء وصاحب حس فكاهي يجبرك على الابتسامة لمجرد النظر لوجهه البشوش، قال عنه يحيى حقي في كتاب له:"هو من الأجانب الذين أكرمت مصر وفادتهم"، يعد من أشهر ممثلي المسرح في القرن العشرين، إنه موليير العرب، نجيب الريحاني.
في لقاء إذاعي نادر تحدث الريحاني عن الشيخ سيد درويش في ذكرى ميلاده حيث قال: تم توريطي من قبل جماعة أصدقاء سيد درويش الذي أشُرف أنني منهم أن ألقي كلمة بمناسبة تخليد ذكرى ميلاده، طلبت منهم إعفائي لأنني لا أجيد فن الخطب والإلقاء، ولكن دون جدوى حتى استجابت لهم، انفرد بذاتي كتبت صفحتين باللغة العربية الفصحى والحمد لله الأمر صار على مايرام محتوي على بعض الأشعار والسجع.
ويضيف: قررت أن ألغي كل هذا وأتكلم باللغة الداركة العامية، فرحبوا جدا وكان هذا غير المتوقع، وبالفعل بدأت الحديث عنه بكل استفاضة بحب ومن واقع معاشرتي لهذا الشخص، وحديثي عن ذكرياته معه لا يكفيها مجلدات أو حلقات إذاعية مسلسلة، فهو ودود ومحب للخير والغير، ولكن من أبرز ماذكرت هو خلاف نشأ بيننا وصل لحد الخصام وأراد صديق مشترك يدعى محمد شاهين إنهاء الخلاف.
وتابع، تجمعنا في منزله وبدأنا المعاتبة وارتفع صوتنا، وكان هناك عصفور كناريا بدأ صوته يعلو معنا وما أن سمعه الشيخ سيد درويش حتى انتبه له وقام من مكانه بسرعة وأنا بين نفسي كنت متيقنا أنه يدور على شيء يضربني به، ولكنه أغلق الكهرباء وحمل العود بكل هدوء وبدأ الغناء وفات أكثر من نصف ساعة ونحن جميعا منسجمين معه، فكان قادرًا بالعود أن ينقل من يسمعه لعالم آخر، وبعد أن انتهى وأضاءت الأنوار مرة أخرى نظرت في وجهه وكان كله دموع وبشكل لا إرادي نزلت دموعي أيضًا وتعانقنا وانتهى الخلاف.
يذكر أن "الريحاني" ولد في 21 يناير 1889 في حي باب الشعرية لأب من أصل عراقي مسيحي يعمل بتجارة الخيل فاستقرت به الحال في القاهرة، ليتزوج سيدة مصرية، قبطية، ساعدت نشأته في حي باب الشعرية على معاشرة الطبقة الشعبية البسيطة والفقيرة.
بدأ حياته موظفًا في أحد البنوك الزراعية ثم انتقل بين عدة وظائف قبل أن يتعرف على بديع خيري الذي كتب له المسرحيات وصار شريكا له في حياته الفنية، قدم شخصية (كشكش بيه) على المسرح وجذب الأنظار نحوه ثم نقلها إلى السينما، شارك في كتابة مسرحياته مع بديع خيري وأفلامه والتي كانت عبارة عن مسرحيات تحولت إلى السينما، صور بعض هذه الأفلام في باريس رغم أن أحداثها تدور في مصر، تزوج من الفنانة (بديعة مصابني) التي كانت تملك كازينو بديعة بميدان الأوبرا، وكان يجيد الحديث باللغة الفرنسية.
من أشهر مسرحياته: (30يوم في السجن) و(الدلوعة) و(الدنيا على كف عفريت) و(إلا خمسة)، نافس بمسرحه كل من على الكسار وفوزي الجزايرلي ويوسف وهبي.
توفي في مثل هذا اليوم، 8 يونيو عام 1949 أثر إصابته بمرض التيفوئيد قبل أن يُعرض فيلمه الأخير (غزل البنات) مع الفنانة ليلى مراد.