يعتبر نهر السين من أكبر وأجمل أنهار فرنسا وأحد أهم طرق النقل المائية والتجارية. كما أنه أيضا مصدر جذب سياحي للدولة، وبالذات في مدينة باريس التي يمر عبرها.
طول النهر 777 كيلومتراً ويمتد النهر من الشمال إلى مصبه في القنال الإنجليزي بالقرب من مدينة لوهافر وهو يشق وسط باريس ويربط بأنهار أوب ومارن ويون وأواس فيما تربط قنواته المائية بأنهار اللوار والرون والراين والميوز وشيلدي، لكن لماذا يكثر الحديث عنه في فرنسا هذه الآونة؟.
وفي الواقع، قررت عمدة عاصمة النور باريس آن هيدالجو " تنظيف نهر السين" وذلك لإعادة السباحة فيه استعدادا لعام 2024 التي تستضيف فيه باريس دورة الألعاب الأولمبية.
الجدير بالذكر أن السباحة في هذا النهر الجميل ممنوعة قانونياً منذ عام 1923 بعد تكرار حوادث الغرق فيه. وقد أعلنت عمدة باريس عن رغبتها في جعل النهر مناسبًا للسباحة. أما السؤال الذي يؤرق الفرنسيون :هل ستنجح هيدالجو في تنظيف النهر من آلاف الأطنان الملقاة فيه، فالوقت ينفد لتنفيذ هذه العملية الباهظة التكلفة والتي تحتاج أيضا لمتسع من الوقت بينما صيف 2024 يقترب، ومع هذا تؤكد رئيس بلدية العاصمة بأنه سيكون من الممكن الاستحمام في نهر السين حتى قبل هذا التاريخ بكثير وسيتم تنظيف النهر بأسرع من المتوقع.
في الواقع لا تعود أمنية عمدية باريس إلى اليوم فقد قطع قبلها عمدة باريس الشهير جاك شيراك الوعد للفريقين بذلك في عام 1988. ولكنه فوجئ بجبال من الحديد والمعادن والشوائب وأطنان من القمامات في قاع النهر وغيرها وأن عملية التنقية تكلف الدولة الكثير من المال والوقت، فتراجع عن هذا الحلم مثل أسلافه.. أما اليوم فقد ظهرت تحديات أخرى تعيق التنفيذ أبرزها، جائحة كوفيد -19 والتباطؤ الاقتصادي والجمود التجاري،كل ذلك يلزم الدولة بسرعة التحرك حتى تكون فرنسا في موعدها وتتألق في عرسها الأولمبي.
لقد أكدت اللجنة التوجيهية الفرنسية "جودة المياه والاستحمام في نهري المارن والسين" ، وفق تقرير قدمته وزيرة التحول البيئي ، باربرا بومبيلي ، وتم تقييم المشروع وفق خطة عمل بقيمة 1.4 مليار يورو. "لاستعادة الأنهار الفرنسية إلى حالتها البيئية الجيدة والسماح بالسباحة النقية. لكن هل ستلتزم فرنسا بالمواعيد النهائية المقررة لتجهيز النهر؟.
في حين أن مدينة باريس بأكملها ستشارك في كل الألعاب الأولمبية لكن السباحة في نهر السين تعد أهم رياضة أساسية فيها كما أن للنهر رمزية عالية لفرنسا. لذلك فإن مجلس باريس عازم أن يجعل سباق السين ليس فقط قابلاً لسباحة الرياضيين الأولمبيين في عام 2024 ، بل لكل الفرنسيين والأجانب كما يأمل في أن يبهر العالم بتجميل النهر بالأنوار والزينة وببهاء الشلالات المائية والنوافير الضوئية من أجل تنظيم أحداث أخرى وطنية وعالمية عديدة منها الاحتفال بالعام الجديد وفي رئاسة فرنسا الدورية للاتحاد الأوروبي ومجموعة الدولة السبع الصناعية الكبار ومجموعة العشرين وفي الانتصارات الرياضية العالمية.وبالتالي ليس فقط من أجل السباحة الحرة.
لكن كيف ستنظف باريس نهرها الشهير؟
في الحقيقة، حاول رئيس فرنسا السابق فرانسوا هولاند وضع خطة عمل في عام 2016 وجهز لذلك لجنة خاصة بتنقية نهر السين وذلك من خلال الجمع بين الجهات الفاعلة المختلفة وكالة المياه ، والإدارات التي تعالج مياه الصرف الصحي، وما إلى ذلك حول المدينة والمحافظات الإقليمية ، وحددت اللجنة أربعة مشاريع ، اثنان منها يمثلان "80٪ من المشكلة ، وفقًا لمحافظة باريس. تتم حاليا المعالجة من خلال محطتي تنقية في أعلى نهر السين ولكن المشكلة أن المجاري مشبعة وتوقفت العملية لذلك. ولهذا يسرع المسؤولون اليوم لمنح الامكانيات لتجهيز قنوات جديدة وتنظيف الحالية.
وبالتالي تم استئناف تنفيذ هذه المشاريع. كما تخطط العاصمة لإنشاء سدود للأعاصير والفيضانات لتسيطر على غضب النهر السنوي اذا ما صادف وتزامن فيضانه الأولمبيات وكذلك يتم انشاء أحواض لتخزين المياه ، من أجل منع الفيضانات في حالة هطول أمطار غزيرة.
وهناك مشروعان آخران بمياه الصرف الصحي ، التي يتم تصريفها في نهر السين من قبل بعض المناطق السكنية في الضواحي والمدن سيما المباني الترفيهية والبيوت العائمة) ، والتي تقوم بتصريف المياه القذرة في نهر السين ومن ضمن المخطط تجهيز محطات المعالجة هذه بمرشحات الأشعة فوق البنفسجية ، من أجل القضاء على البكتيريا المعوية والإشريكية القولونية بتنقية مجاري الصرف الصحي.
وبدأت باريس بالفعل بتنظيف النهر من النفايات الراسية في قاعه بشكل يومي عبر قنوات تنقية وأجهزة ومكائن فرنسية وسفن متخصصة في تنظيف البحر من المقذوفات والقمامات التي تؤذي الأسماك الضارة بالكائنات الحية فيه وتم تجهيز جيش من الغواصين الذين عثروا على بعض الآثار والتحف الثمينة تعود تاريخ بعضها للقرن السادس عشر. وقد تم العثور على آلاف الخزائن والأجهزة القديمة، والدراجات النارية والهوائية وأثاث وغيرها حيث يتم حاليا إخراجها باستمرار.
وتمكنت هيدالجو من اقناع الرئيس ايمانويل ماكرون بفتح ميزانية ليساعدها في تأهيل باريس لاستعادة هذا الحدث الهام. أما المنطقة المراد تنظيفها للعرس العالمي فشاسعة وتمتد على حوالي 60 كلم لكن تطمع هيدالجو في تنظيف كل النهر ولكن على مراحل خلال السنوات المقبلة.
عمدة المدينة توعد بلبس المايو
الطريف أن آن هيدالجو مازحت الفرنسيين ووعدتهم بأنها إذا التزمت بالمواعيد ستلبس ملابس السباحة ( المايوه ) بدلاً من جاك شيراك (بعد ما يقرب من ثلاثين عامًا على وعد عمدة باريس الأسبق بالاستحمام في نهر السين) وقد أعلنت عزمها على افتتاح النهر لاستحمام جميع الباريسيين في هيئة "استحمام الشعبي" احتفالا بانتهاء الحظر .
بيد إن الهدف الرئيسي والأهم أمام الفرنسيون هو أن يكون السين ملائما للرياضيين الذين سيشاركون في سباقات السباحة الحرة لمسافة 10 كيلومترات وأحداث الترياتلون خلال الألعاب الأولمبية ، وكذلك ليتمكن الباريسيين الذين لم يُسمح لهم بذلك منذ 90 عاما أن يسبحوا ويستحموا فيه بدلا من الاكتفاء فقط من التعرض لأشعة الشمس على ضفتي النهر وهم على الأرصفة.
عام 2025 حلم فرنسي طال انتظاره أن حلم عمدة باريس التي أعلنته وأسألت له لعاب الفرنسيين سيتحقق بعد عام واعد من انتهاء الألعاب الأولمبية فقد تمادت هيدالجو بفكرها وطموحها وذهبت بهما مذهبا بعيدا حيث وعدت الباريسيين بافتتاح أول الشواطئ في عام 2025 على ضفتي نهر السين ببلريس بعد أن نجحت فكرة سلفها عمدة باريس السابق دولانويه ومشروعه ( بلاج باريس) والذي استأجر ارصفة النهر في كل صيف ليملأوها بالرمال ومكن الباريسيين الذين لا يملكون المال لقضاء اجازتهم على شواطيء مارسيليا والريفييرا ونيس وكان بالاستمتاع بشواطيء باريس يعوضهم عن سطان المدن الساحلية. تحد كبير لأن النهر عزيز عين الفرنسيين لا يزال ملوثًا للغاية. ولا يمكننا التأكد رغم التصريحات من أن إجراءات تنقية المياه ستنتهي في الوقت المحدد.
لكن انطباع ماكرون عن مشروع آن هيدالجو، جيد للغاية ويدعمها بقوة فهو يعتزم الاستفادة من دورة الألعاب الأولمبية القادمة لتحويل جزء من أرصفة نهر السين في باريس إلى شواطئ مفتوحة للجمهور عند سفح نهر السين وبرج ايفل ، وسيقوم الباريسيون والسياح بالسباحة في نهر السين مع إطلالة على برج إيفل. ويتحول رصيف الميناء إلى شاطئ فيه البط وكل مقتنيات البحر وفي أي مكان آخر في العاصمة ، سيتحقق هذا المنظهر الجذاب. على أي حال ، هذا هو التزام عمدة باريس الذي ينتظره الفرنسيون ونحن معهم.
في الواقع ، ستكون ألعاب 2024 بمثابة بروفة للسباحة المفتوحة في نهر السين. وفي عام 2025 ، سيرى الفرنسيون والسياح أول شاطئين لعامة الناس حيث ستساهم الألعاب الأولمبية وآثاره وزينتها أيضًا في تحسين الحياة اليومية للشعب الفرنسي فيما ستحسن شواطيء باريس الصناعية مزاج الفرنسيين المتقلب بتقلب جوهم.
جدير بالذكر أن عاصمة النور لن تكون الأولى التي تسمح لك بالغوص في نهرها، ففي بازل ، يمكنك السباحة في نهر الراين ، وفي ميونيخ في إيزار. لكن لباريس رونق آخر.
تدرك سيليا بلاويل ،نائبة عمدة باريس المسؤولة عن التنمية المستدامة ، والمياه بأن التحدي كبير وتقول:"علينا أن نعطي دفعة قوية. لكني متفائلة للغاية. فجودة نهر السين أفضل بكثير مما كانت عليه قبل عشرين عامًا. وقدمت الدليل بوجود حالياً 35 نوعًا من الأسماك ، مقارنة بنوعين فقط في السبعينيات وسيزدادوا بعد احتمال تنقية النهر من السموم والشوائب والمهملات .