عزمت إثيوبيا على بناء أكبر سد في أفريقيا على النيل الأزرق بهدف بناء أكبر محطة كهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم، أطلقت عليه في بدايات بنائه في العام 2011 سد الألفية، ثم قامت بتغيير اسمه إلى سد النهضة، بعدها دخلت مرحلة تفاوض طويل على مدار عقد كامل مع كل من، مصر والسودان، دون الوصول إلى اتفاق مرضي، غير أن دولتي المصب أعلنتا أكثر من مرة أن إثيوبيا لا تتوافر لديها إرادة الاتفاق، وأنهما قضيا 10 سنوات من المراوغة.
وكان اتهام الخارجية المصرية بسوء نية إثيوبيا واضحًا، عندما صرح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بأن بلاده عازمة في العام المقبل على بناء مائة سد، ما بين متوسط وصغير، إصرار بدا للمراقبين وكأن أديس أبابا تقول للقاهرة: أزمتنا معكم ليست في "سد النهضة" وتهديدنا لكم وجودي، وكأنها تطالب القاهرة باتخاذ عمل عسكري ضد السد!
في المقابل تعاملت القاهرة بحكمة شديدة مع ملف سد النهضة ومع الاستفزازات الإثيوبية، فكانت أكثر انضباطًا أمام حالة الجمود التي جسدتها خلال مفاوضات لم تثمر عن نتائج مرضية لشركائها، وأمام حالة سيولة جسدتها إثيوبيا من خلال تصريحات آبي أحمد في القاهرة عندما أقسم باللغة العربية أمام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأمام كل المصريين بعد توقيع اتفاق المبادئ، بأنه لن يتسبب في أي ضرر للشعب المصري.
حق مصر طبيعي وتاريخي في مياه نهر النيل، وهدف إثيوبيا ليس استكمال بناء السد، ولا تحقيق التنمية فقط، وإن كانت هذه أهداف مشروعة، ولكن هناك هدف آخر تريده إثيوبيا من وراء هذا الصراع، بعد أن تكتمل حلقاته، يتمثل في بيع حصص الماء وأن تتم عملية البيع هذه من خلال دولة المصب مصر، كم تم تحديد هوية المشتري!
إسرائيل في حاجة إلى الماء ولعلها أرادت أن تحقق هدفها من خلال إثيوبيا، بعدما حاولت كثيرًا مع مصر، فوجدت عائقين، لعل أصعبهم في الرأي العام المصري، الذي مازال يرفض أي تطبيع اقتصادي مع إسرائيل، كان ذلك واضحًا من خلال الاعتداء المتكرر على خطوط الغاز التي تصل إليها، وسط رفض شعبي مصري للتطبيع السياسي والاقتصادي، فما بالك بوصول مياه نهر النيل إلى إسرائيل عبر البوابة المصرية؟
ومن هنا كان التحرك الإسرائيلي في رسم خطط الدعم للجانب الإثيوبي، دعمًا سياسيًا وعسكريًا، لدرجة دفعت الإثيوبيين إلى مواصلة الاستفزاز، ولم يفهم معنى أخر لتصريح رئيس الوزاء الإثيوبي، أعلى قيادة سياسية، بخصوص بناء مائة سد إلا من خلال هذا المعنى، وهو ما أدركته القاهرة وتتعامل معه ولكن بواقع على الأرض وليس بتصريحات رنانة.
استنفز الجانب المصري كل المحاولات التي من شأنها حل أزمة سد النهضة أو الوصول لإتفاق مع الجانب الإثيوبي، ثم بدأت القاهرة في حلول أخرى مباشرة وإن لم تكن عسكرية، هدفها الحفاظ على أمنها القومي المتمثل في مياه نهر النيل، ومن قبل كانت رسائل الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعدم قبول سياسة الأمر الواقع أو حتى قبول أي تهديد للأمن المصري المائي.
أدركت القاهرة بعد مشوار طويل في التفاوض مع إثيوبيا، بأن لا شيء سوف تعطيه أديس أبابا لدولتي المصب بخلاف المراوغة، وأنها تسعى لتصعيد الأزمة حتى تصل ذروتها بدعم بعض الدول، والهدف هنا توريط القاهرة والنظام السياسي، حتى تدخل الأزمة في منحنى دولي صعب يؤثر على خطط القاهرة التنموية ودورها السياسي المتنامي في المنطقة والمحوري.
الاستراتيجية المصرية في التعامل مع أزمة سد النهضة أخذت بعدين مهمين أولهما عقد اتفاقيات أمنية واقتصادية مع دول الطوق الإثيوبي، أوغندا وبورندي وكينيا وجيبوتي والسودان، وهو ما يعزز موقف القاهرة في ظل المستجدات المتغيرة التي تفرضها إثيوبيا، وهو ما يقلل فرص التعاطف الإقليمي مع إثيوبيا إذا ما كانت القاهرة عازمة على التعامل الخشن مع أديس أبابا، كما دفعت هذه الدول وفق الاتفاقيات الموقعة إلى الانحياز إلى الجانب المصري في حال تم التصعيد العسكري، على اعتباره احتمالًا مرجحًا وإن كانت القاهره لا تحبذه.
البعد الأهم، الذي تعاملت من خلاله القاهرة مع إثيوبيا وهو العمل الاستخباراتي، وهنا نجحت القاهرة في تحقيق ما أردته دون أن تطلق طلقة واحدة، صحيح لم يوقع حتى كتابة هذه السطور أي اتفاق ملزم لإثيوبيا، ولكن تحول سد النهضة إلى سد الخوف، وباتت أديس أبابا عاجزة عن فهم ما سوف ترد به القاهرة بما يحفظ أمنها، ويقف أمام مخططات إثيوبيا، والذي يدفع لاستفزاز القاهرة، وهو ما يريده شركاء أثيوبيا "المخفيين" من وراء التصعيد.
إخراج سد النهضة من الخدمه بات أمرًا ملزمًا وبات التعامل معه وفق ما تراه القيادة المصرية ويدخل ضمن العمل الاستخباراتي، وهو ما تخشاه أديس أبابا، وهو ما يترجم تحول سد النهضة إلى سد الخوف الذي يحيط بأديس أبابا، والتي لا شك أنها سوف تدفع ثمن ذلك مهما كان شركائها الداعمين لها.
أزمة مصر والسودان ليست في الملء الثاني للسد ولكن في اتفاق يلزم إثيوبيا بعدم المساس بحصة مصر في المستقبل، وأن يكون هناك توزيع عادل لحصص مياه النهر ما بين دول المنبع والمصب بحيث لا تهضم الحقوق المصرية، وهو ما سوف تحققه القاهرة بدبلوماسية المعلومات وإدارة ما تمتلكه من خلال سلاح الردع، فصراع القاهرة والسودان مع إثيوبيا تحول من ساحة السياسة إلى ساحة الدبلوماسية ثم انتقل إلى العمل الاستخباراتي والردع الاستراتيجي.
وهنا سوف تقف القاهرة أمام محاولة إثيوبيا بيع مياة النهر لأي دولة حتى ولو حصلت القاهرة على حصتها المائية كاملة، وقبلتإأثيوبيا بما كانت تطلب به القاهرة في بدايات الصراع، وهو عدم المساس بحصتها المائية، المطلب المصري شديد الوضوح ويتعلق بعدم التصرف في مياه النهر من قبل طرف واحد، فمياه النهر ملك لأصحابه ودول المصب يتمتعون بأصالة هذا الحق ولن يفرطوا فيه مهما كانت الضغوط ومهما أخذت المحاولات منحنى غير إيجابي.
القاهرة لن تفرط في حقها مهما كانت هذه الضغوط، بل سوف تعطي مثالًا حيّا على قوتها وقدرتها على إدارة الفراغ الأمريكي في منطقة الشرق.
في المقابل تعاملت القاهرة بحكمة شديدة مع ملف سد النهضة ومع الاستفزازات الإثيوبية، فكانت أكثر انضباطًا أمام حالة الجمود التي جسدتها خلال مفاوضات لم تثمر عن نتائج مرضية لشركائها، وأمام حالة سيولة جسدتها إثيوبيا من خلال تصريحات آبي أحمد في القاهرة عندما أقسم باللغة العربية أمام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأمام كل المصريين بعد توقيع اتفاق المبادئ، بأنه لن يتسبب في أي ضرر للشعب المصري.
حق مصر طبيعي وتاريخي في مياه نهر النيل، وهدف إثيوبيا ليس استكمال بناء السد، ولا تحقيق التنمية فقط، وإن كانت هذه أهداف مشروعة، ولكن هناك هدف آخر تريده إثيوبيا من وراء هذا الصراع، بعد أن تكتمل حلقاته، يتمثل في بيع حصص الماء وأن تتم عملية البيع هذه من خلال دولة المصب مصر، كم تم تحديد هوية المشتري!
إسرائيل في حاجة إلى الماء ولعلها أرادت أن تحقق هدفها من خلال إثيوبيا، بعدما حاولت كثيرًا مع مصر، فوجدت عائقين، لعل أصعبهم في الرأي العام المصري، الذي مازال يرفض أي تطبيع اقتصادي مع إسرائيل، كان ذلك واضحًا من خلال الاعتداء المتكرر على خطوط الغاز التي تصل إليها، وسط رفض شعبي مصري للتطبيع السياسي والاقتصادي، فما بالك بوصول مياه نهر النيل إلى إسرائيل عبر البوابة المصرية؟
ومن هنا كان التحرك الإسرائيلي في رسم خطط الدعم للجانب الإثيوبي، دعمًا سياسيًا وعسكريًا، لدرجة دفعت الإثيوبيين إلى مواصلة الاستفزاز، ولم يفهم معنى أخر لتصريح رئيس الوزاء الإثيوبي، أعلى قيادة سياسية، بخصوص بناء مائة سد إلا من خلال هذا المعنى، وهو ما أدركته القاهرة وتتعامل معه ولكن بواقع على الأرض وليس بتصريحات رنانة.
استنفز الجانب المصري كل المحاولات التي من شأنها حل أزمة سد النهضة أو الوصول لإتفاق مع الجانب الإثيوبي، ثم بدأت القاهرة في حلول أخرى مباشرة وإن لم تكن عسكرية، هدفها الحفاظ على أمنها القومي المتمثل في مياه نهر النيل، ومن قبل كانت رسائل الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعدم قبول سياسة الأمر الواقع أو حتى قبول أي تهديد للأمن المصري المائي.
أدركت القاهرة بعد مشوار طويل في التفاوض مع إثيوبيا، بأن لا شيء سوف تعطيه أديس أبابا لدولتي المصب بخلاف المراوغة، وأنها تسعى لتصعيد الأزمة حتى تصل ذروتها بدعم بعض الدول، والهدف هنا توريط القاهرة والنظام السياسي، حتى تدخل الأزمة في منحنى دولي صعب يؤثر على خطط القاهرة التنموية ودورها السياسي المتنامي في المنطقة والمحوري.
الاستراتيجية المصرية في التعامل مع أزمة سد النهضة أخذت بعدين مهمين أولهما عقد اتفاقيات أمنية واقتصادية مع دول الطوق الإثيوبي، أوغندا وبورندي وكينيا وجيبوتي والسودان، وهو ما يعزز موقف القاهرة في ظل المستجدات المتغيرة التي تفرضها إثيوبيا، وهو ما يقلل فرص التعاطف الإقليمي مع إثيوبيا إذا ما كانت القاهرة عازمة على التعامل الخشن مع أديس أبابا، كما دفعت هذه الدول وفق الاتفاقيات الموقعة إلى الانحياز إلى الجانب المصري في حال تم التصعيد العسكري، على اعتباره احتمالًا مرجحًا وإن كانت القاهره لا تحبذه.
البعد الأهم، الذي تعاملت من خلاله القاهرة مع إثيوبيا وهو العمل الاستخباراتي، وهنا نجحت القاهرة في تحقيق ما أردته دون أن تطلق طلقة واحدة، صحيح لم يوقع حتى كتابة هذه السطور أي اتفاق ملزم لإثيوبيا، ولكن تحول سد النهضة إلى سد الخوف، وباتت أديس أبابا عاجزة عن فهم ما سوف ترد به القاهرة بما يحفظ أمنها، ويقف أمام مخططات إثيوبيا، والذي يدفع لاستفزاز القاهرة، وهو ما يريده شركاء أثيوبيا "المخفيين" من وراء التصعيد.
إخراج سد النهضة من الخدمه بات أمرًا ملزمًا وبات التعامل معه وفق ما تراه القيادة المصرية ويدخل ضمن العمل الاستخباراتي، وهو ما تخشاه أديس أبابا، وهو ما يترجم تحول سد النهضة إلى سد الخوف الذي يحيط بأديس أبابا، والتي لا شك أنها سوف تدفع ثمن ذلك مهما كان شركائها الداعمين لها.
أزمة مصر والسودان ليست في الملء الثاني للسد ولكن في اتفاق يلزم إثيوبيا بعدم المساس بحصة مصر في المستقبل، وأن يكون هناك توزيع عادل لحصص مياه النهر ما بين دول المنبع والمصب بحيث لا تهضم الحقوق المصرية، وهو ما سوف تحققه القاهرة بدبلوماسية المعلومات وإدارة ما تمتلكه من خلال سلاح الردع، فصراع القاهرة والسودان مع إثيوبيا تحول من ساحة السياسة إلى ساحة الدبلوماسية ثم انتقل إلى العمل الاستخباراتي والردع الاستراتيجي.
وهنا سوف تقف القاهرة أمام محاولة إثيوبيا بيع مياة النهر لأي دولة حتى ولو حصلت القاهرة على حصتها المائية كاملة، وقبلتإأثيوبيا بما كانت تطلب به القاهرة في بدايات الصراع، وهو عدم المساس بحصتها المائية، المطلب المصري شديد الوضوح ويتعلق بعدم التصرف في مياه النهر من قبل طرف واحد، فمياه النهر ملك لأصحابه ودول المصب يتمتعون بأصالة هذا الحق ولن يفرطوا فيه مهما كانت الضغوط ومهما أخذت المحاولات منحنى غير إيجابي.
القاهرة لن تفرط في حقها مهما كانت هذه الضغوط، بل سوف تعطي مثالًا حيّا على قوتها وقدرتها على إدارة الفراغ الأمريكي في منطقة الشرق.