يوم تلو الآخر تتصاعد موجة العنف الأسري في غياب تام للنزعة الدينية والإنسانية والتقاليد المجتمعية التي تعارف عليها المجتمع المصري لعقود طويلة، حتى بلغ الأمر تجرد الأب والأم من مشاعر الأبوية والأمومة في كثير من الأحيان، وتعديهم على أبنائهم إلى حد الموت، وهو ما تستهجنه كل الشرائع السماوية التي حثت بشكل واضح على المودة بين الأباء وأبنائهم وتوجيههم وتقويم سلوكياتهم لا إزهاق أرواحهم.
مؤخرا ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عامل قتل نجله بسبب خلافات أسرية بمنطقة الزاوية الحمراء، بسبب خلافات أسرية بينهما.
وفي واقعة أخرى تداول رواد موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، السبت الماضي، مقطع فيديو لعامل يلقي ابنته من الطابق الثالث من منزله في منطقة العياط.
كما باشرت النيابة العامة التحقيق في واقعة مقتل شاب عشريني شنقًا على يد والده، كما استمعت إلى أقوال المتهم بالواقعة، والذي اعترف بارتكابه للجريمة، وأنه أقدم على الواقعة بعد سخرية المجني عليه منه فقام بخنقه بـ"شال"، ثم قام بلف الجثة في "سجادة"، كما أن الجيران كانوا كثيرًا ما يشتكون من نجله.
وفي واقعة أخرى، شهدت قرية منشية سعدون التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، جريمة بشعة تجردت فيها الأم من كل مشاعر الرحمة والإنسانية، حيث أقدمت الأم على ضرب رضيعها دون مشاعر الذى يبلغ 3 شهور بريموت التليفزيون حتى تستطيع النوم في هدوء.
في ذلك السياق تقول الدكتورة ندى الجميعي خبيره العلاقات الأسريه، أن العنف الأسري يتمثل في أشكال عدة، أبرزها وأكثرها تأثيرا هو العنف الجسدي والعنف النفسي، ومن المستغرب أن نجد البعض يرى أن الطفل لا بد أن يُضرب ويهُان حتى ولو مات بحجة أن ذلك هو عمره ونصيبه فأطلق البعض عدة أمثال بغيضة مثل "اضرب ابنك وأحسن أدبه ما يموت الا لو فرغ أجله" وعلى أساسه نسمع كل هذه الجرائم البشعة في حق الأطفال فهناك مقولة في الأوساط الشعبية "الابن يموت احسن ما يكون مش متربي "وأيضا "اكسر للبنت ضلع يطلعلها أربعة وعشرين" وهى كلها أخطاء شائعة عن التربية أدت إلي خلق تشوهات جسدية وكسور لدى بعض الأطفال بل أن البعض يتفنن في عقاب الأطفال بحرق النار في مناطق حساسة بأجسادهم وآخرين يقومون بقص شعر الطفل أو حلاقة شعره بشكل مسيء.
وذكرت الجميعي أن هناك واقعة مشابهة لذلك، حينما وجه اب النصيحة لآخر بربط ابنه كثير الحركة في السرير وحرمانه من الطعام أو طرده خارج الشقة بحجة أن هذه هى الطريقة الأمثل لتربيته، لتعقب متسائلة كيف لأم أو أب أن يتحملوا أنين وصراخ طفل ضعيف لا يستطيع الدفاع عن نفسه، كما أن العنف يتضمن فرض بعض الآباء آرائهم على الأبناء بطريقة حادة تخلو من النقاش والحوار حتى تصل لمرحلة الإكراه والتعصب، وربما التمييز بين الذكر والأنثى، وإنشاء المقارنات بين الشخص المعنف وبين أقرانه من أخوته أو اقاربه ولومه وهز ثقته بنفسه والتنمر عليه وجعله أضحوكة بين الجميع، كما يوجد بعض المسميات المكروهة احيانا التي يطلقها الآباء على أطفالهم بين الناس وتشبيههم بأشخاص أو حيوانات كسولة، فالبيئة الحاضنة للفرد هى المؤثر الأول في سلوكه، بالتالي تتشكل لديه أفكار، ويتبنى معتقدات معينة تدفعه نحو التصرف بشكل عنيف مع الآخرين بل تخلق عند الطفل بعض الأمراض النفسية التي تجعله إنسانا عدوانيا في الكبر ويأذي من حوله.
وعلى الرغم من وجود آباء يفكرون في مستقبل أطفالهم وفي كل خطوة يحاولوا من خلالها جاهدين توفير مستقبل يليق بحياة أبنائهم إلا أن الكثيرين يتعاملون بمنتهى الأنانية وهو كيفية تسخير آلة أو "روبوت" لتنفيذ الأوامر والطاعة العمياء التي تكون أشبه بالاستعباد، وآخرين يتعاملون تحت تأثير المخدر والعقاقير المخدرة التي يتعاطاها الأب وتبالغ في انفعالاته وتصرفاته الحمقاء حتى تصل لجريمة القتل.
ووجهت الجميعي النصيحة بأن ترتكز التربية على مجموعة من القيم المجتمعية والعادات الصحيحة الممزوجة بالتعاليم الدينية ونقل ثقافة من جيل لآخر وتعليم الإبن الصواب من الخطا،
والأزمة الكبرى هنا إن البعض لا يلتزم بهذه في اتباع التربية القويمة ويستمر في التأديب حتى يضجر الطفل ويدخل بمرحلة المراهقة يركض مثل الفرس الهارب الذي أوشك أن يبلغ أشده وينحرف عن نطاق الأسرة حتى يشرد ويصبح مجرما وإنسان غير سوي، مختتمة بقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله (أحسنوا تربية أولادكم فقد خلقوا لجيل غير جيلكم).
بدورها ترى سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس، أن المخدرات تتسبب في وقائع القتل الدامية التي يقدم عليها بعض الآباء بحق أطفالهم، فإنه ليس من الطبيعي تعدي الأب على ابنه إلا إذا كان تحت تأثير المخدرات، وبصفة يومية نرى في الأخبار مدى الضرر الذي تسببه المخدرات وما يترتب عليها بالتالي في الجرائم غير الطبيعية.
وأضافت أن مؤسسات الدولة يجب أن تتبنى وضع حلول جذرية للأمر من خلال ضرورة التوعية عبر البرامج الدينية ومؤسسة الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والإعلامية للعمل على خلق حالة لدى المواطنين بالوعي بالعلاقات الإنسانية وطبيعتها لتوفير مناخ عقلاني للإنسان المصري، كما أن فرض الرقابة على الأغاني التي تنتشر في المجتمع قد يلعب دورا هاما إذا ما كانت كلماتها تحث على السلوكيات المتدنية بين الناس.
فيما يقول الدكتور شوقي السيد الفقيه الدستوري أن حق التأنيب من الأب ناحية ابنه لا يصل إلى درجة القتل، بما في ذلك إذا وصل الأمر إلى درجة الضرب الذي يؤدي إلى موت، مشددا على ان التربية تكون بالتدريب والتنويه ثم العقاب الأدبي والمعنوي وليس بالضرب أو العنف أو احداث العاهة لدى الأطفال، وهو أمر غير مقبول دينيا أو إنسانيا، وحول العقوبة القانونية المقررة في تلك الوقائع أشار إلى أن العقاب هنا أمر تقديري يخضع إلى رؤية وسلطة الهيئة القضائية.