في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها.
نقدم كل يوم مائة بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
54 – الشريف المرتضى
" صحا الذي يشربُ الصهباءَ مترعةً
وشاربُ الحبِ أعيا أن يُقال صحا "
لساعات تطول أو تقصر، تطيح الخمر بالعقل وتزلزل الإرادة وتفسد الوعي، وسرعان ما يعود الإيقاع القديم إلى سابق عهده كأن شيئا لم يكن. لا شيء يبقى بعد الصحو والإفاقة إلا القليل من الذكريات الباهتة، تُضحك أو تُبكي، وربما تثير بعض الدهشة أيضا، لكنها في النهاية لا تمثل محصولا ذا بال.
الخمر، مهما يسرف الشارب، تقود إلى غياب مؤقت لا يدوم، أما نشوة الحب الصحيح الناضج المكتمل فإنها تفضي إلى الغياب الدائم المعذب العذب الذي لا يعرف الصحو واستعادة التوازن، ويجافي الانخراط في منظومة العادي المألوف الذي تدمنه الأغلبية الساحقة وتسير وفق قواعده وآلياته. المقارنة بين الخمر والحب، ظاهريا، ممكنة متاحة، لكنها غير منطقية. الفارق شاسع بين كئوس لا يطول تأثيرها، وزجاجات عتيقة معتقة تستوطن أعماق الروح ودهاليز القلب، وتسدل الستار على العلاقة التقليدية الآسنة مع عالم ماسخ سيئ المذاق، لا يهيمن فيه الحب ويسود.
أي حب يعنيه الإمام الشيعي ذائع الصيت عظيم المكانة؟. الاختلاف حول مقصده لا يغير جوهريا في منهج قراءة البيت وتأمله، ذلك أن المتلقي وحده من يحدد المعنى الذي يريده ويجده الأقرب إلى تجربته، وعندئذ يتراجع الشاعر ويبقى الشعر نصا يتسع لتأويل بلا ضفاف، وقراءات متعارضة متناقضة، كلها صحيح على نحو ما.