في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
50 – زهير بن أبي سلمى
" سئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومن يعشْ
ثمانين حولا.. لا أبا لك يسأمِ "
لا سأم من الحياة، ولا أحد يشتهي الموت. العلة في الشدائد والمشاق والمنغصات، ولا شك أن حماقة الإنسان مما ينبغي أن يُضرب بها المثل، فهو يشكو قصر العمر وما يحفل به من متاعب تحول دون الاستمتاع الخالص، ويتخوف من الموت وما بعده، لكنه يأبى إلا أن يهدر الأغلب الأعم من سنوات حياته القصيرة في حروب عبثية وصراعات دموية لا تنتهي. يتفنن في إضافة المزيد إلى قائمة الأزمات، ولا ينتبه إلى أنه ينسف بذلك كل منطق مقنع يتكىء عليه في الشكوى.
في الفصول الأولى من الحياة، يتوارى الشعور بفكرة النهاية، ويتوهم الإنسان لفرط سذاجته أن الآخرين وحدهم من يموتون. التقدم في العمر يمنح الحكمة ويلقن الدروس، وتتحول تراكمات التجارب والخبرات إلى عصير عذب معذب ينعش الرؤية ويحض على القراءة الصحيحة. يتحقق ذلك كله بعد فوات الأوان، لكن أحدا لا يتعلم شيئا قبل فوات الأوان.
من زهير إلى صلاح عبد الصبور، مرورا بالمئات من أفذاذ الشعراء، تتأكد مقولة لا يمكن إنكارها: الشر أصيل في الكون، وقصر النظر داء إنساني مزمن لا برء منه. السأم ليس حتميا، والتعايش مع المتاعب ميسور، والأزمة المستعصية في غياب الوعي والعجز عن الإفادة من دروس السابقين؛ أولئك الذين يكرهون الحرب وينشدون السلام، ويعرفون أن الانتظار عقيم.