في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها.
نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
49 – ديك الجن
"روّيت من دمها الثرى ولطالما
روّى الهوى شفتيّ من شفتيها"
ديك الجن، عبد السلام بن رغبان، ظاهرة استثنائية فريدة في تاريخ الشعر العربي، وعديدة هي جوانب التفرد والاختلاف في مسيرته مع الحياة والشعر: الولع باللذة والانطلاق، التوجه الشيعي الذي لا يتعارض مع تشبعه بالشك في فكرة الدين، ترّفعه عن التكسب بالشعر كما هو الشائع المستقر في عصره وغيره من العصور؛ لكن العلاقة مع "ورد" تبقى المحطة الأهم في رحلته الحافلة غير التقليدية.. حب جنوني، سعادة أسطورية خارقة، شك حارق مدمر، جريمة قتل في لحظة اندفاع غاضب، ندم يتجلى في قصائد رثاء لضحيته هي أروع محصوله وأنضجه. كأنه عطيل العربي قبل أن يبدع شكسبير رائعته التراجيدية الفذة، وما البشر عند المقارنة بين ديك الجن ووليم إلا أبناء قبيلة واحدة.
البيت من مرثيته الأولى للحبيبة المغدورة، ولعلها الأشهر من قصائده والأكثر حرارة وتوهجا.
خليط متناجس متناغم مؤثر من الحب والموت، والانتقال مروع مزعج من الإشباع الجسدي الممتع عبر لقاء الشفاه، إلى السقوط في هاوية القتل وسفك الدماء. حالتان متناقضتان على الصعيد الظاهري، متكاملتان مرتبطتان في الجوهر، وتصنعان باتحادهما حالة مأسوية تسيطر على الشاعر المعذب وتدفعه لمعانقة الندم والبكاء الذي ينبع من أعماق الروح والقلب. بلاغته الأعظم في الصدق والوجع، ومرارة أن تعرف بعد فوات الأوان.