في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
47 – دريد بن الصمة
" أمرتهمُ أمري بمُنعرج اللّوى
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد "
ما جدوى إدراك الصواب، الذي لم يُعمل به، بعد فوات الأوان؟. ليس مثل بيت دريد في التعبير الخلاب عن كارثة الوعي المتأخر الذي يتبلور في توقيت لا تجدي فيه المعرفة، وهل يعود الأخ الحبيب من الموت بعد أن يعرف قومه صدق وحقيقة وفداحة ما يترتب على المخالفة الحمقاء؟.
لا يملك الشاعر المأزوم أن يفرض رأيه ورؤيته، فهو جزء من المنظومة التي لا يستطيع أن يتحرر من قيودها ويتمرد عليها وينفصل عن مسيرتها، دون نظر إلى يقينه الراسخ بالمسار الخاطىء المدمر الذي يسيرون فيه ويقود إلى الهاوية.
بعيدا عن دريد وقومه وزمنه، تبقى الفكرة المتوهجة التي يجسدها صحيحة صالحة لكل زمان ومكان، ذلك أن التاريخ الإنساني في جوهره ليس إلا سلسلة متصلة لا تنتهي من الأخطاء المكررة، والمزعج بحق أنها مكررة. لا يتعلم البشر من دروس التاريخ، والذين يرون ما لا يراه غيرهم، قد يتعرضون لحملات التسفيه والازدراء. عند اكتشاف صوابهم وحكمتهم، يكون الأوان قد فات، وهيهات أن يُستعاد الزمن لإصلاح الأخطاء والخطايا.