«بحرب الكبار شو ذنب الطفولة.. بحرب الكبار شو ذنب الضحكات الخجولة».. تلك الكلمات التى قالتها المطربة فيروز، كانت الأكثر واقعية فى وصف حال الأطفال، الذين يعيشون فى بلاد النزاعات، حيث لا يسمعون سوى صوت الصواريخ، ولا يعرفون سوى أشكال الدمار.
من «اليمن.. سوريا.. فلسطين».. اخترنا فى اليوم الدولى لضحايا العدوان من الأطفال، الذى يحتفل به العالم فى 4 يونيو من كل عام، أن نرصد قصصًا من تلك الدول، والتى كانت الأشد سوءًا على الأطفال فى الفترة الأخيرة.
لم يخرج للعب ولا للترفيه، فقط خرج مع جدته لرعى الغنم.. أخر ما تبقى لهم من الحرب، كى يستطيعوا أن يشقوا عناء الحياة، ولم يكن يدرك أنه سيفقد ذراعيه، وإحدى ساقيه، جراء لغم زرعه أحد اتباع الحوثي فى اليمن.
عبدالواحد قاسم خرج لرعى الغنم مع جدته ففقد ذراعيه
وإحدى ساقيه بلغم حوثى
عبدالواحد قاسم، ١٥ عامًا، أحد أطفال اليمن، الذين
دفعوا ثمن حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، هم أطفال لا يعرفون سوى اللعب.. تواصلنا مع
والده، والذى أكد لنا، أن حالته كانت فى البداية سيئة للغاية، فـ»عبد الواحد» أصبح
يحتاج دومًا إلى رفقة والديه لرعايته، وهو سبب له ألمًا نفسيًا واضحًا.
يعيش «عبدالواحد»، حالة من الصدمة النفسية، بعد
هذا الحادث، خاصة أنه أصبح لا يستطع أن يلعب مع باقى الأطفال، فى الحى الذى يسكن فيه،
يقول والده: «خرج «عبدالواحد» كعادته كل يوم مع جدته، لرعى الغنم، بمنطقة «نهم»، بالقرب
من منزلنا، وأثناء ركضه وراء أحد الأغنام، كان هناك لغم مزروع، انفجر فيه، فقطع إحدى
ساقيه».
ذاك اللغم لم يكن الوحيد فى المنطقة، فعلى حسب قول
والده، فإن «عبدالواحد» حين ارتطم بالأرض، بعد انفجار اللغم الأول، سند بيديه على الأرض،
ليفاجئ بأنه ضغط على لغم جديد، أفقده ذراعيه.
وقال والده؛ إن الحوثيين وقتها أخذوا ابنه عبدالواحد،
إلى مشفى صنعاء، ليبتروا ما تبقى من أماكن الإصابة، وعلى الجانب الآخر ولكى يخفوا جريمتهم،
اتهموا جدة عبدالواحد بأنها جاسوسة للحكومة الشرعية اليمنية، ومنعوها من الخروج من
منزلها.
يشعر «عبدالواحد» دوما بالوحدة، خاصة أن الأطفال
أصبحوا يخافون من منظر ذراعيه وهى مبتورة، ما جعل حزنه النفسى يزداد.
يقول «عبدالواحد»، فى كلمات مقتضبه: «كل ما أريده
أن أخفى منظر تشوه يدي، حتى لا يخاف منى أحد، فحتى الأطفال فى سنى يخافون من منظري،
ولا يقترب منى أحد، رغم أننى لست وحيدًا، ففى مركز العلاج وجدت كثير من الأطفال، تعرضوا
لحوادث مشابهة».
ويقول والده، أنه بعد فترة، بدأ عبد الواحد، وبمساعدة
من حوله، تخطى الحاجز النفسى الذى سجن بداخله بسبب إعاقته، وبدأ يكمل تعليمه، وبذلك
أصبحت معنوياته ترتفع، ونحن نساعده على ذلك، وبدأ يتحدى الصعاب، والظهور للمجتمع دون
خوف، وإكمال دراسته».
على جانب آخر؛ قال مشروع «بيانات موقع النزاع المسلح»:
إن الألغام الأرضية الحوثية، تمثل تهديدًا مستمرا لأطفال اليمن، من خلال حرمانهم من
الوصول إلى مرافق المياه النظيفة والمراعي.
وأضاف المشروع، فى تقرير له بعنوان: «أثر العنف
المتفجر على الأطفال فى اليمن»، أن الألغام وذخائر ميليشيا الحوثى غير المنفجرة، كانت
السبب الرئيسى الثالث، لقتل وإصابات الأطفال فى اليمن، ووفقًا لتقديرات مشروع بيانات
موقع النزاع المسلح، زرعت ميليشيا الحوثي، مليون لغم أرضي، منذ بدء الحرب.
وأشار التقرير إلى أن ضحايا ألغام ميليشيا الحوثي،
توزعوا فى العديد من المحافظات اليمنية، تصدرتها محافظة الحُديدة، تلتها تعز، ثم البيضاء
وعدن ولحج.
منظمة العمل ضد العنف المسلح الدولي، أفادت فى تقرير
لها، بأن الاستخدام العشوائى للألغام الأرضية، من قبل ميليشيا الحوثي، كان له تأثير
مدمر على أطفال اليمن.
فلسطين.. على أنقاض العدوان الأخير.. أطفال غزة
يلهون
على أنقاض المنازل التى ذاقت مرار صواريخ الاحتلال،
وقف أطفال غزة يلعبون، محاولين تخطى الألم النفسى الكبير، الذى عانوا منه فترة العدوان
الأخير على غزة.
ومن أجل محاولة إسعاد الأطفال؛ نظمت مؤسسات دولية،
بالتعاون مع مركز ابن سينا لتنمية قدرات الشباب فى غزة، يومًا ترفيهيا للأطفال، لرسم
البسمة على وجوههم.
وقال «مرسيل لداوي»، مدير المركز، فى تصريح خاص،
إنها لم تكن فعالية واحدة، بل أكثر من فعالية، حضرها العشرات من أطفال القطاع؛ مضيفًا
أن «ما خلفته الحرب فى نفوس هؤلاء الأطفال كبير جدًا، ويحتاجون إلى إغاثة نفسية، لمساعدتهم
على تجاوز المشاهد القاسية التى شاهدوها، كما قدمنا هذا الاحتفال، فى محاولة لمحو صورة
الخوف التى عاشوه».
وتابع «لداوي»: العديد من الأطفال استمتعوا بالعروض،
رغم حزنهم الشديد على أهاليهم الذين استشهدوا فى العدوان، وألعابهم التى ضاعت تحت الأنقاض،
كما أن المبادرة لن تتوقف عند هذا النشاط، بل ستستمر فى طريقها للتخفيف عن الأطفال
الأكثر تأثرًا بالحرب وعواملها النفسية، وستنتقل إلى باقى مدن وبلدات قطاع غزة، مجددة
الأمل، وراسمة الضحكة على وجوه الأطفال.
ويقول مركز ابن سينا لتنمية قدرات الشباب، إنه
«من حق أطفال فلسطين العيش كباقى أطفال العالم، دون التعرض لآثار نفسية قاسية من الحروب
أو نقص العلاج».
وعن أكثر المواقف المؤثرة التى واجهها فريق العمل؛
قال «لدواي»: بالبناية التى فيها المركز، استأجرت أسرة نزحت من منطقة العطاطرة، بسبب
تدمير الحى بأكمله، أسرة لا تقل عن ١٥ فردًا يعيشون فى شقة مساحتها ٨٠ مترا تقريبًا،
وزارت المركز طفلة من هذه الأسرة، بسألها: كيفك؟ ما ردت، فأعدت عليها السؤال، فصارت
تبكى بحرقة، وتحكى أنا ما بسمع عمو، أنا ما بسمع، بعثت لأبيها لأستفسر منه، فحكى لي:
بتسمع، بس بعد ما استهدوا الحى الذى نسكن فيه، صار عندها هذه الإشكالية، وبناء عليه
حولتها للمرشد النفسي».
ويكمل «لدواي»: الأمثلة كثيرة، أيضًا كان هناك حفرة
كبيرة جدًا، تسبب فيها صاروخ من صواريخ الاحتلال، وجدنا الأطفال يلعبون فيها، والأكثر
من ذلك حين ترى الأطفال يبحثون عن ألعابهم أو حيواناتهم تحت الأنقاض».
ويقبع ما يقرب من ١٦٨ طفلا فلسطينيا فى سجون الاحتلال،
بينما يعانى أكثر من نصف مليون طفل فلسطينى فى الأراضى المحتلة، تحت خط الفقر الشديد،
مما دفع ٣٪ منهم إلى مغادرة الدراسة، والالتحاق مبكرًا فى سوق العمل المتواضع.
ودعت وزارة الخارجية الفلسطينية، الأمم المتحدة،
لوضع الاحتلال ومستوطنيه، على القائمة الأممية للجهات المُنتهكة لحقوق الأطفال، تحت
مسمى «قائمة العار»؛ مطالبةً المجتمع الدولى باحترام مسئولياته تجاه أطفال فلسطين،
الأكثر تضررًا من الانتهاكات الإسرائيلية، واتخاذ خطوات فعالة لمعاقبة الاحتلال على
جرائمه ضد حقوق الطفل الفلسطيني.
وطبقًا للإحصائيات الفلسطينية؛ فإن سلطات الاحتلال
تعتقل سنويًا من ٥٠٠ – ٧٠٠ طفل فلسطيني، حتى وصل عددهم اليوم فى السجون الإسرائيلية،
إلى ما يزيد على ١٦٨ طفلًا أسيرًا، يتعرضون لشتى أنواع العنف الجسدى والنفسى المصاحبة
لعمليات الاعتقال الهمجية.
ووثقت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان الفلسطينية، أكثر
من خمسين ألف حالة اعتقال، سجلت فى صفوف الأطفال الفلسطينيين، ما دون ١٨ عامًا، منذ
العام ١٩٦٧، فيما تعرض ٨٥٪ من الأطفال الفلسطينيين الأسرى فى سجون الاحتلال، إلى العنف
الجسدي، خلال فترة اعتقالهم، طبقا لأرقام الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.
كما تم تشريد ٥٠٥ أطفال، فى العام الماضي، بسبب
هدم منازلهم، بما فى ذلك ١٥١ مبنى ممولًا من المانحين فى الضفة الغربية، من بينها القدس
المحتلة، وسجل المكتب الأممى تشريد ٨٧ طفلًا فى القدس المحتلة.
كما أسهمت السياسة العدوانية الإسرائيلية، ضد الشعب
الفلسطيني، فى ارتفاع نسبة الأطفال الفقراء، إلى ٦٤٥ ألف طفل، بواقع ١٤٪ فى الضفة الغربية،
و٥٣٪ فى قطاع غزة، حيث تعود النسبة المرتفعة بالقطاع إلى الحصار الإسرائيلى المتواصل
المفروض عليه.
٢٩
ألف طفل سورى قتلوا بسبب الحرب
بات الوضع فى سوريا، خطر جدًا على الأطفال، خاصة
مع استمرار الحرب لأكثر من ١٠ أعوام، مما أدى إلى مقتل نحو ٢٩ ألف طفل سوري، عوضا عن
الانتهاكات الجسيمة، التى يتعرض لها من لا يزالون على قيد الحياة.
وبحسب الأمم المتحدة؛ فقد لحقت الأطفال السوريين
دون سن العاشرة؛ أضرار متعددة، منها التشويه والتجنيد، وأوضح التقرير أن العدد الفعلى
للانتهاكات التى تعرض لها الأطفال، يصل إلى أكثر من ٤٧٢٤ انتهاكًا، جرت على يد أكثر
من ٣٢ طرفا فى النزاع داخل الأراضى السورية.
كما أدت الضربات الجوية والقصف العشوائى للمناطق
المأهولة بالسكان المدنيين، إلى قتل أو تشويه ما لا يقل عن ٢٧٠٠ طفل خلال السنتين الماضيتين،
وتم تجنيد أكثر من ١٤٠٠ طفل من قبل ٢٥ طرفًا على الأقل من أطراف النزاع المختلفة.
كما حرم ٢٥٨ طفلا من حريتهم بسبب ارتباطهم المزعوم
أو الفعلى بأطراف النزاع، وبحسب التقرير، فاقمت جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-
١٩»، من ضعف الأطفال، أعاقت عمل الجهات الإنسانية والجهات الفاعلة فى مجال حماية الطفل
فى الميدان.
فى حين أن نحو ٢.٤٥ مليون طفل فى سوريا و٧٥٠ ألف
طفل سورى فى الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة.
وحذرت ممثلة الأمم المتحدة الخاصة بالأطفال والصراع
المسلح، فيرجينيا غامبا، من عواقب التعرض للعنف والانتهاكات لفترة طويلة وإساءة استخدام
حقوقهم قائلة: «فى سوريا، جميع الأطفال دون سن العاشرة عاشوا كامل حياتهم فى بلد مزقته
النزاعات، ولم يعرفوا سوى الحرب».
وطالبت «غامبا»، أن تضع الدول الخارجية، الأولوية
لموضوع تسهيل عودة الأطفال من مخيمى الهول وروج فى شمال شرقى سوريا، إلى دولهم الأصلية،
بما يتماشى مع مصلحة الأطفال.
وصنفت سوريا، من بين أكثر الدول خطورة على الأطفال،
فى عام ٢٠١٩، إلى جانب كل من أفغانستان والعراق والكونغو ونيجيريا ومالي.
وأوضح تقرير صادر عن منظمة «أنقذوا الأطفال»، فى
٢٠ من توفمبر ٢٠٢٠، أن واحدًا من بين كل خمسة أطفال يعيشون فى مناطق نزاعات أو مناطق
مجاورة لها.
٧٢٠
طفلا نزحوا من إقليم تيجراى بسبب الحروب
يعيش إقليم تيجراى، صراعات مستمرة، مع إثيوبيا،
أدت إلى نزوح عدد كبير من العائلات، ووضع البقية فى حالة خطرة تحت وطأة النزاعات المسلحة.
وبحسب تقرير أصدرته عدة منظمات معنية بحقوق الإنسان،
أبرزها «يونيسف»، أكدت وجود أكثر من ٦ آلاف طفل غير مصحوب أو منفصل عن ذويه، سجلوا
للحصول على الحماية والمساعدة بإقليم تيجراى.
فيما حذرت من مصير غامض لآلاف الأطفال، وقالت إنه
«لا علامة فى الأفق على التراجع لحجم انتهاكات حقوق الطفل، التى تحدث فى جميع أنحاء
إقليم تيجراى، منذ ما يقرب من سبعة أشهر، حين اندلع القتال فى شمال إثيوبيا.
وعبرت المنظمة الأممية فى بيانها، عن مخاوفها من
احتمال وجود المزيد من الأطفال الذين يحتاجون إلى الدعم فى المناطق التى لا يمكن الوصول
إليها، بسبب انعدام الأمن أو القيود المفروضة على الوصول التى تفرضها أطراف النزاع.
وأوضحت منظمة اليونيسف، أن ٧٢٠ ألف طفل، نزحوا بسبب
القتال فى جميع أنحاء إقليم تيجراى، مشيرة إلى أن الأطفال يدفعون ثمنا باهظا لهذا الصراع.