وأنت تطالع ما يحدث في الهند من جراء تفاقم الوضع الوبائى واجتياح فيروس كورونا لها، يستوقفك مشهد أكل الكلاب جثث المتوفين من جراء كوفيد 19، تسترجع شريط الشهور الماضية وما حدث في كل أنحاء العالم.. أمريكا وإيطاليا وألمانيا والصين.. وغيرها، ثم تطرح السؤال: «كيف نجت مصر من هذه الموجات القاسية ولم يخرج الوضع عن السيطرة؟ سيكون جزءا من الإجابة الطبيعية أن الدولة طبقت وبحزم الإجراءات الاحترازية، واتخذت كل التدابير اللازمة للسيطرة حتى لا نصل لمرحلة انتشار الوباء.. جهد مقدر ومشكور وتعامل يستحق الإشادة خاصة مع سعى مصر الدائم لتوفير اللقاحات بأنواعها المختلفة بل واتخاذها خطوات لتصنيع وإنتاج اللقاح، وأن تكون مركزا إقليميا له.. لكن يبقى جزء مهم في الإجابة.. جزء مرتبط بمصر على وجه الخصوص بها ككنانة لله وأرض بشرت الكتب السماوية أجمع بكونها آمنة مطمئنة بها من كل ما سألت الأمم رُسلها.. ماذا يعنى كل هذا.. يعنى ببساطة المصريين وفطرتهم وإيمانهم وتسليمهم وتوكلهم على الله.. أن هنا في مصر كانت يد الله فوق الفيروس.
شكل التاريخ جزء من مناعة المصريين؟
للوهلة الأولى تُدرك أن الجينات المصرية متميزة وفريدة لأنها تعرضت لصنوف كثيرة من الأزمات والابتلاءات شكلت جزءا من صلابة وقوة تحمل يتميز بها هذا الشعب، فلكم رأى وعايش على مدى عمر الحضارة المصرية ٧٠٠٠ عام طواعين ومجاعات وفيضانات وزلازل وجفاف وحروب.. وسجل التاريخ كل هذه الأحداث.
النيل المقدس أول الأدوية
رسخ في أذهان القدماء المصريين أن مصر ليست منشأ الأمراض والأوبئة وإنما تُصاب بها من جراء رحلاتها التجارية ومعاركها العسكرية لذا برعوا في التفنن والاكتشاف في درء الأوبئة عنهم وتطورهم في علم الطب، مكّنهم من تحقيق انتصارات ضد الأوبئة على مدى ٥ آلاف سنة.
ويأتى النيل كأول لقاح ضد الوباء، فالمصرى القديم لجأ إلى المياه كوسيلة تحميه من الإصابة بالأمراض؛ ما جعل نهر النيل شيئا مقدسا والحفاظ عليه جزء من العقيدة الفرعونية.
انتشرت الأوبئة مثل الملاريا في مصر القديمة عبر الغزوات العسكرية، حيث يرجح إصابة الملك توت عنخ آمون أحد ملوك الأسرة الـ١٨ بهذا المرض، كما توفيت إحدى زوجات الملك رمسيس الثانى أحد ملوك الأسرة الـ١٩ لإصابتها بنفس الوباء، وهذا ما جعل الرعاية الصحية بندا مهما في مسئوليات الملوك والملكات، وحظى الأطباء وقتها بمكانة كبرى لدورهم في إعداد وصفات علاجية.
الطب الوقائى في مصر القديمة
ويؤكد في هذا الصدد الكثير من الأثريين المصريين، إن إدراك المصرى القديم لأهمية النظافة للحفاظ على الصحة العامة كان جزءا من العقيدة الفرعونية، وأن الفراعنة بدءوا ممارسة ما يسمى بـ«الطب الوقائي» للحماية من الأمراض المعدية، خاصة بعد إصابة ووفاة عدد كبير من سكان مدينة تل العمارنة بالمنيا صعيد مصر وقتها بمرض الملاريا.
ونجح الطبيب «الكاهن سخمت» في وضع علاج لأمراض الملاريا والجدرى كما تشير بردية إيبرس والممارسات الطبية التى تعد أقدم وثيقة علاجية في التاريخ يعود عمرها لأكثر من ٣٥٠٠ عام.
وعن ذلك قال الدكتور مجدى شاكر، كبير الأثريين المصريين في أكثر من حوار صحفى سابق له: «كانت النظافة طقسا يمارسه المصرى القديم باستخدام المياه في التطهير من الأمراض، وأصبح غسل الأيدى والملابس والمأكولات درعا أولى للحماية من الأوبئة؛ لذا قدس نهر النيل وأطلق عليه اسم (حابي)».
وامتد استخدام المصرى للمياه لتعقيم المعبودات والملوك ونثرها أمام المنازل والبيوت كرمز للحياة بصحة جيدة دون أمراض معدية.
وتدريجيا أصبح السلام برفع اليد لأعلى فقط دون تلامس، التحية السائدة للمعبودات والملوك، بعد إدراك المصريين أن السلام بالأيدى وسيلة لنقل الأمراض.
كما برع في تصميم منازل للطبقة العامة بحمامات مخصصة للاغتسال وأخرى لقضاء الحاجة، وحرص على تشييدها في نهاية ممر بالمنزل، بينما في منازل وقصور طبقة الأغنياء شيد بركة المياه، بحسب وصف الخبير الأثري.
وعلم المصريون القدماء أن الحشرات الضارة وروث الحيوانات مصدر لنقل البكتيريا والفيروسات؛ لذا اهتموا بتعقيم منزلهم بالأعشاب والبخور، إضافة لتعقيم الصناديق الحافظة لأحشاء المتوفى بعد تحنيطه.
«أكثر الشعوب نظافة».. هكذا قال «هيرودوت»
هذه هى الحقيقة التى كانت والتى بدأنا نستعيدها ونحن نتخلص من العشوائيات وأطلال سنوات الإهمال،
عبارة وثقها هيرودوت في شهادته عن المصريين، حينما شاهد أن المصرى القديم اتبع نظاما محكما، وأخذ كل التدابير الاحترازية وكل طرق الوقاية من الفيروسات والبكتيريا، بتخصيص ٣ مرات للنظافة والاستحمام للطبقة العامة، و٥ مرات للكهنة باستخدام ملح النطرون والزيوت المستخرجة من النباتات، إضافة لعادة حلق شعر الرأس والجسم للعامة مرة واحدة في الأسبوع وكل يومين للكهنة؛ وهذا ما يفسر وجود البحيرات بالمعابد».
ومن النباتات والأعشاب استخرجت مواد التعقيم مثل نترات البوتاسيوم وملح النطرون، التى استعانت به المرأة المصرية لتطهير الملابس والقصور الملكية، كما استخرج اللافندر من أوراق الأشجار لتنظيف الأسنان وعلاجها.
ما قالته الصحف العالمية عن مصر وكورونا
وبجانب ما قاله الأثريون والمؤرخون عن مصر، اهتمت كل الصحف والمجلات العالمية بتتبع أثر المناعة الطبيعية لدى المصريين فكيف لشعب الـ١٠٠ مليون ويزيد، الذى يعيش في منطقة الدلتا في تكدس وتقارب لا ينفع معه بأى حال من الأحوال فرض المسافة الآمنة للتباعد ولو كانت مترا واحدا، أن ينجو من طوفان الوباء.
«شبيجل» الألمانية، كشفت عن مفاجأة إذ قالت: «الوصفات المكتوبة على ورق البردى منذ نحو ١٧٠٠ عام قبل الميلاد، تكشف الأوبئة التى ما زالت تهدد العالم إلى اليوم، كوباء فيروس كورونا المستجد. كما يشير ورق البردى إلى الطاعون الذى توغل بمصر القديمة، حيث تم العثور على برديات مكتوب عليها: «الدم في كل مكان.. الموت ينتشر في كل مكان بسبب الطاعون».
ووفقا لعالمة المصريات الألمانية، تانيا بومرينينج، فإن هناك نصوصا طبية واردة من مصر القديمة، تحمل تعويذات وتمائم سحرية يجب أن تساعد في مكافحة الأوبئة، وكانت مهمة الكاهن هى طرد شياطين الوباء السنوية وتحديد المدن التى تفشى فيها المرض، ثم فحص الحقول التى اعتبرت بمثابة نقاط بداية للمرض، ثم تعقيمها».
ومضت تقول: كان الفراعنة يستخدمون عبارة «تطهير كل شيء من الطاعون»، ويلفون الطين النظيف بقطعة قماش من الكتان الناعم، ويمسحون به كل الأشياء حتى يتم التخلص من الأوبئة، بحيث تمنع الشياطين من المرور، وفق معتقداتهم».
جدير بالذكر أن الطب لم يكن المرجع الوحيد في مصر عبر التاريخ، لمواجهة الأوبئة، فقد كان الناس ينظمون الصلوات الجماعية، إلى جانب الصوم، وتقديم الأضحية، والصدقة، وإطعام الفقراء، وكانوا ينصحون بكتابة الآيات على قطعة ورق، وتذويب الحبر في الماء، ومنحه للمريض كى يشرب.
طبق فول وبصلة وليمونة.. لقاح الغلابة في مواجهة الوباء
بجانب ما سردناه من جينات خالصة للمصريين توارثوها منذ بداية التاريخ واكتسبوا صدقها مع تواتر الأديان السماوية وتكوينهم دينا وسطيا بنكهة مصرية خالصة جعل من أرضها متسعا لكل الأديان وجعل شعبها قادرا على هضم كل الحضارات وقدرة على التماهى مع مختلف الجنسيات وصبغها بالعادات المصرية والطقوس الخاصة بها فلا تتعجب إذا وجدت رجلا أجنبيا يجلس في مقهى شعبى يلعب «الدومينو» ولا آخر يأكل على «عربة فول» أو يسكن في حى شعبى فكثيرة هى الحكايات والوصفات ولكن أهمها على الإطلاق وصفة المناعة المصرية البقوليات والبصل والثوم وقطع الليمون تلك التى قالها عنها الأطباء إنها «كوكتيل» مناعة ربانية غنية بالكربوهيدرات والبروتينات والفيتامينات، وتعد مصدرًا للطاقة، لأنها قليلة الدهون ولا تحتوى على الدهون المشبعة أو الكوليسترول، وتتميز بمحتواها الغنى من الألياف الغذائية، الأمر الذى يسهم في تأثيرها بشكل خاص على الشبع (الشعور بعد أن تؤكل بما فيه الكفاية)، مفيدة للسيطرة على مرض السكرى والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، وفى الواقع، يمكن تساعد الألياف على تنظيم نسبة السكر في الدم عن طريق تأخير مرور الطعام من المعدة إلى الأمعاء حيث يبطئ من امتصاص الجلوكوز.
وعلاوة على ذلك، فإن الألياف تساعد على خفض نسبة الكوليسترول في الدم، وفيما يتعلق بالفيتامينات والمعادن، فالبقول كلها مصادر ممتازة للحديد، وحمض الفوليك والمنجنيز، بل هى أيضا مصادر جيدة من البوتاسيوم والفوسفور، والمغنيسيوم والزنك.
فلا تتعجب من تراص الناس هناك في الأزقة والحارات والشوارع وعلى عربات الفول.. لا تصف هذا بالجهل أو الإهمال ولكن لتعرف تماما أن المصريين يعرفون أن الله هنا.. تكلم في سيناء.. وجعل من هنا ملاذا لعيسى وأمه العذراء وكافأ يوسف بصبره فكان من الأمناء على خيرها وأرضها وزوج من نسائها وبناتها خليله وحبيبه.. فكيف بعد كل ما ذكرناه ألا تعى أن هنا في مصر «يد الله فوق الفيروس».
آخر ما تبقى من الكلام
سُقنا كل هذا لا لنقول ألا نأخذ بكل الأسباب فاللقاح مهم.. والتاريخ أيضا مهم وما وضعه الله من أسرار كثيرة في مصر يستحق عناء البحث والتقصى والإفصاح فإذا عرفت من أين أتيت هانت عليك عثرات الطريق.. وتيقنت أن الله كان معنا ودوما سيكون معنا.