شاهدت الفيديو الذي أثار الرأي العام المصري ونشره السائح البرازيلي -وهو طبيب في الثلاثينات من عمره- أثناء تواجده في محل برديّات وتضمن تحرشا لفظيا مسيئا للبائعة، مستغلاُّ عدم فهمها للغة البرتغالية. ويظهر السائح في الفيديو داخل البازار السياحيّ وهو يصوّر البائعة بهاتفه المحمول ويتعمّد أن يسألها بلغة لا تفهمها وهي اللغة البرتغالية ويضحك أمامها بطريقة تبدو كما لو كان يمزح، بينما البائعة تعرض عليه عددا من أوراق البردي وتهز رأسها ظنّا أنه مهتم بالشراء وبدافع من رغبتها في تسويق بضاعتها بكل لطف دون أن تعلم أن أسئلته ليست من النوع البريء بل ملطّخة بأقذر الكلمات الجنسية التي تضمنها الفيديو الذي بثه على إنستجرام لزيادة متابعيه وعددهم 963 ألف!
والحقيقة أن واقعة تحرش السائح زادت الطين بلة في ملف هذه الجرائم التي انتشرت في الشوارع والمواصلات والأماكن العامة ومواقع التواصل الاجتماعي مما يدعو إلى الحسم السريع في هذه القضايا وتشديد العقوبة حتى تكون رادعة لمرتكبي هذه الجرائم.
ولو صح ما تناقلته وسائل إعلام برازيلية عن بطل جريمة التحرش، فإنه لم يكن سائحا عاديا دفع تكلفة إقامته ورحلته من جيبه بل هو"انفلونسر" أجّرته شركات سياحة للترويج للسوق المصري وجذب السائحين البرازيليين لكونه مؤثرا من خلال متابعيه الكثر، ومن هنا فإن جريمته مضاعفة.
وقد تابعت ردود فعل العديد من الناشطين في البرازيل والبرتغال من خلال منصات التواصل الاجتماعي على جريمة هذا السائح البرازيلي الذي اعتقلته الشرطة الأحد الماضي، ولا يقل غضبهم عن غضب المصريين والعرب معتبرين الفيديو "فضيحة جنسية" لشخص من المفترض أن يكون في موقف المسؤولية، ومطالبين بضرورة محاسبته.
غير أن زوجة الدكتور فيكتور سورينتينو وإسمها كاميلا مونتيرو وتعيش معه في مدينة بوا التابعة للعاصمة الاقتصادية ساو باولو فاجأت الجميع ودافعت عنه وقدمت أعذارا كانت أقبح من الذنب وقالت إن نية زوجها "طاهرة" وأن ما فعله كان نوعا من المزاح لكن تدّعي أن "الجميع أصبح لديهم نوايا سيئة ويرون الشر في كل شيء". ووجه لها المتابعون انتقادات شديدة ووصفوها بأنها "لا تستحي" و أن العالم أصبح قرية صغيرة والتحرش ينتشر بأي لغة "مثل الغسيل الوسخ على حبال الإنترنت" كما أن الترجمة متاحة لـ "ألفاظه القذرة" وفي أسرع وقت ممكن.
وإزاء هذه الانتقادات، توجه السائح البرازيلي إلى البازار واعتذر للفتاة وصوّر معها فيديو آخر أوضح فيه أنه لم يقصد إهانتها وأن ما فعله كان مجرد مزحة؛ لكنها رفضت قبول اعتذاره وتمسكت بطلب رفع الدعوى الجنائية ضده بسبب الضرر الذي لحق بها من نشر ذلك المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن التعليقات على الفيديو الجديد نالت منه وعبرت عن كونه لم يقنع أحدا.
وبعد إلقاء القبض عليه، وصلت أخباره إلى البرازيل وهو طبيب معروف في الميديا بحسب ما يتضح من التغطية الإعلامية المحلية، ووجدتُ خلال البحث عن إسمه على موقع “يوتيوب” عشرات الفيديوهات الخاصة به، من بينها الحديث عن جائحة كورونا والتوعية بها ومن الواضح أنه مهووس بالبحث عن الشهرة وركوب الترند.
كما تابعت التصريحات التي نقلتها وسائل إعلام برازيلية عن محامي الضحية جمال أبو زيد، وهو أيضا نجل صاحب محل البرديات، وكشف فيها عن تلقيه مكالمات عديدة من جمعيات حقوقية مصرية ولاتينية تعرض تقديم المساعدة القانونية للدفاع عن حقوق الفتاة وصاحب المحل ومحاسبة السائح خاصة وأن الفيديو انتشر على نطاق واسع في دول أمريكا اللاتينية مما دفع منظمات نسائية هناك لعرض تقديم الدعم القانوني للضحية.
هذه الواقعة وغيرها مما سبق من وقائع تحرش رجال بسيدات وانتهاك حرماتهن الشخصية تعكس أن هذه الجرائم موجودة ومازالت منتشرة في مصر ودول أخرى وأن الحل الوحيد لوضع حد لها هو تقديم مرتكبي هذه الجرائم للعدالة وأن ينالوا عقابهم بلا رأفة أو تساهل لأن العقاب هو الردع الحقيقي للمجرمين. وعقوبة التحرش اللفظي حسب القانون المصري الحبس مدة لا تقل عن سنة.. ويبدو أنها غير كافية وتحتاج مراجعة من المشرّع لنحفظ لبناتنا وسيداتنا وأسرهن كرامتهن!
olfa@aucegypt.edu