في ذكراها الثامنة نستطيع أن نقول إن ثورة 30 يونيو صنعت معجزة اقتصادية مصرية شملت جميع الأنشطة الاقتصادية وأغلب جوانب الحياة، وعرف المصريون سر هذه المعجزة بعد نحو 6 سنوات حينما ضرب وباء كورونا العالم بأسره وأصاب اقتصاديات دول كبرى بالشلل وأغلق الأنشطة وأوقف السفر واضطربت بعض البلدان، في هذه اللحظة وقف الاقتصاد المصري قويا أمام تداعيات الجائحة وامتص آثارها سريعا، وظلت معدلات نموه هي الأعلى في العالم.
وكانت ثورة 30 يونيو، إيذانا ببدء مرحلة اقتصادية جديدة كان عنوانها إطلاق برنامج إصلاح اقتصادي ضخم وشامل لإنقاذ الاقتصاد المصري وانتشاله من كبوته، وتبني الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذا البرنامج الإصلاحي والذي حاز على تشجيع وإشادة المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومؤسسات التصنيف الدولية مؤكدين أن مصر تسير على الطريق الصحيح، ما أسهم في زيادة معدل الاستثمارات الكلية خاصة في مجالات التنقيب والعقارات والمشاريع المتعلقة بقناة السويس.
ونجحت السياسات الاقتصادية للدولة، في تغيير النظرة العالمية للاقتصاد المصري فأكد صندوق النقد الدولي تجاوز مصر لمرحلة التباطؤ الاقتصادي كما رفعت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيفها للديون السيادية المصرية، لأول مرة منذ عام 1997، إلى درجة B مع نظرة مستقبلية مستقرة، وانضمت إليها في ذلك وكالة موديز للتصنيف الإئتماني.
ففي شهر نوفمبر 2016، أطلقت الحكومة المصرية برنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد المصري استهدف معالجة نقاط الضعف الاقتصادية الكلية وتشجيع النمو وخلق فرص عمل جديدة، وتخفيض عجز الموازنة العامة وخفض حجم الدين الحكومى للناتج المحلى وخفض تكلفة خدمة الدين على المدى المتوسط، وخفض معدلات البطالة وزيادة معدلات الاستثمار المحلى والأجنبى والصادرات وتوطين الصناعات وخاصة الثقيلة منها وإصلاح نظام الضرائب ورفع كفاءة الإدارة الضريبية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بل ومتناهية الصغر وإصلاح منظومة دعم الطاقة وترشيد دعم الطاقة تدريجيًا وإعادة ترتيب الأولويات في صالح البرامج الاجتماعية وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم وتطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات العامة للمواطنين وتحسين مناخ الاستثمار، وسن تشريعات جديدة أو تعديل القائم منها بما يتماشى مع متطلبات المرحلة، مثل إصدار قانون الاستثمار الموحد وقانون التراخيص الصناعية الجديد وتبسيط إجراءات الإفلاس والتصفية عن طريق قانون الإفلاس، والثروة التعدينية والبنوك وغيرها، بالتوازي مع تنفيذ حزمة من الإصلاحات الضريبية والتشريعية والمالية، مستهدفةً بذلك جذب ما يزيد عن 12 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية.
واعتمد برنامج الإصلاح الاقتصادي على عوامل وأركان أساسية منها تحرير سعر الصرف الأجنبي أو ما عرف بـ "تعويم الجنيه" للقضاء على السوق السوداء للعملة وما يعرف بـ "تجار الشنطة" وتوفير العملة الأجنبية وتشجيع المستثمرين ودعم الصادرات، وخفض الواردات، واحتواء التضخم كما اتخذت الدولة إجراءات من أجل التقشف المالي أسهمت في وضع الدين العام على مسار آمن وتنازلي، وتنفيذ إصلاحات هيكلية كبيرة وزيادة فرص العمل وتمكين المرأة؛ وتحسين تنافسية مصر الخارجية، ودعم السياحة، وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي.
وبهذا البرنامج وغيره من إجراءات استطاعت الدولة إزالة حاجز الخوف لدى المستثمرين الأجانب، واستعادت السياحة عافيتها بشكل كبير وإصلاح وهيكلة شركات قطاع الأعمال العام ما انعكس على تحسن الميزان التجارى وعاد الاقتصاد المصرى للواجهة العالمية مرة أخرى.
ولدفع الاقتصاد للأمام وتحقيق معدلات النمو المستهدفة ودفع تكاليف خدمة الدين وتشجيع الاستثمار وخلق فرص العمل أطلقت الحكومة "مؤتمر دعم الاقتصاد المصري" وتم الترويج له على مدى أشهر.
وسارعت دول الخليج العربي لدعم الاقتصاد المصري بما يزيد عن 23 مليار دولار في صورة منح نقدية وودائع بأسعار تفضيلية، بالإضافة إلى الشحنات النفطية.
والآن ووفقا للإحصاءات والبيانات الرسمية والمؤسسات الدولية، حدث تحسن هائل في الاقتصادى المصرى، وبدأ يجني ثمار الإصلاح الاقتصادي كانحسار الموجة التضخمية بصورة ملحوظة وتحقيق فائض أولي بالموازنة العامة للدول كما شهدت قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والصناعة والنقل والطاقة والإسكان تطورات هائلة. ورغم تداعيات "كورونا" السلبية على دول العالم تصدرت مصر دول الأسواق الناشئة في احتواء معدل التضخم خلال العام الجاري، ووفق صندوق النقد الدولي، فإن مصر "حققت أكبر تراجع سنوي في معدل التضخم بالأسواق الناشئة في 2020، مقارنة بعام 2019، بتراجع بلغ 8.2 نقطة مئوية"، وتراجع معدلات التضخم إلى 5.7% خلال العام الماضي 2019 - 2020 مقارنة بـ 13.9 % في عام 2018 – 2019، وتراجع معدل البطالة إلى 7.3 % في الربع الثالث من العام الجاري، مقارنة بـ 7.8 % قبل عام، وتصاعد الاحتياطى النقدى لـ 42 مليار دولار نهاية خطة 2021 / 2022، وزيادة نصيب الفرد من الناتج الـمحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.4٪، ومضاعفة معدل الادخار إلى نحو 11.2٪، مع زيادة معدل الاستثمار إلى 17.6٪، وزيادة الإيرادات السياحية إلى 6 مليار دولار، وتصاعد الاحتياطيّات الدولية من النقد الأجنبي على نحو تدريجي لتبلغ 42 مليار دولار وتقليل معدل التضخم السنوي إلى 6٪، وخفض معدل البطالة إلى نحو 7.3٪، مع تقليص معدل الفقر إلى 28.5٪، وخفض نسبة الأمية إلى نحو 17.5٪، وتخصيص ثلث الاستثمارات العامة على الأقل للتنمية في الصعيد والـمحافظات الحدودية، والتوسع في إقامة المدن الجديدة، بنهاية عام الخطة.
وأشادت بتلك الجهود، كبرى المؤسسات المالية الدولية فقد توقع الصندوق تسارع معدل النمو في البلاد إلى 5.8% في العام المالي 2025 - 2026،وتوقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية أن يحقق الاقتصاد المصرى نمواقويا بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا يبلغ متوسطه 5.3 % خلال السنوات المالية 2022 -2024، وذكرت أن النظرة المستقبلية المستقرة لمصر تؤكد أن الضغوط على مقاييس الدين الخارجى والحكومى ستكون مؤقتة وستنخفض تدريجيًا اعتبارًا من عام 2022 مدعومة بنمو إجمالى الناتج المحلى وإيرادات الحساب الجاري، وأن مصر كانت واحدة من الاقتصادات القليلة التى نجت من الانكماش الاقتصادى في عام 2020.
وتصل الاستثمارات الكلية لخطة عام 21 / 2022 لنحو 1250 مليار جنيه، ومن الـمستهدف زيادتها في عام الخطة بمعدل يزيد عن 50% وهو معدل نمو غير مسبوق، حسب تصريحات للدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، مشيرة إلى أن الاستثمارات الحكومية تقدر بنحو 358.1 مليار جنيه في خطة عام 21/ 2022 بمعدل 5% من الناتج الـمحلي الإجمالي، وتحتل الخدمات الاجتماعية الـمركز الأول من تلك الاستثمارات بنسبة 58%، وتشترك في الـمرتبة الثانية، خدمات النقل والصرف الصحي بنسبة 18.6، وتوفير نحو 950 ألف فرصة عمل بخطة 2021/ 2022.