الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أموال العرب المنهوبة ورؤية لاستعادتها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمثل قضية الأموال المنهوبة من الدول العربية محورا مهما لمساعي هذه الدول لاستعادتها، من أجل التنمية، وأصبح العمل الجماعي يحتل مجالا واسعا للنقاش، وصولا لرؤية مشتركة وضاغطة على دول العالم للاستجابة لمطالب الدول العربية.
وفي دراسة مهمة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أكدت على وجود توجهات وتحركات متوازية تقودها دول عربية عديدة لاستعادة الأموال والأملاك المنهوبة في الخارج، غير أن هناك ضعفًا في الاستجابة الدولية لآليات الاستعادة المتبعة من قبل الدول العربية، رغم التوقيع والتصديق على اتفاقيات دولية وإقليمية خاصة بمكافحة الفساد وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة لمساعدة الدول في استرداد أموالها المنهوبة والمهربة إلى بلدان أخرى، والحد من جرائم غسل عائدات جرائم الفساد.
ورغم تلك الجهود فما زالت هناك تحديات تواجه الجهات الرسمية المعنية باستعادة تلك الأموال، ومنها غياب الخريطة المعلوماتية "شبه الكاملة" بشأن أموال وأملاك كبار مسئولي النظم السابقة بالخارج، وتعدد مستويات التعامل مع الجهات المعنية باستعادة الأموال بما يجعلها عملية معقدة، وغياب آلية التصرف في الأموال التي يتم استعادتها، وثقل التأثيرات الانتشارية لجائحة كورونا التي تسهم في تعطيل إجراءات استعادة الأموال لاسيما في ظل تزايد حالات الإصابة في العديد من الدول.
وتلفت الدراسة إلى عوائق أخرى تتصل بقوة تحالفات لوبيات النظم السابقة وإدخال أموالها في صورة مشروعات واستثمارات أجنبية ضخمة في دول متفرقة وتحت أسماء وعناوين مستعارة، واختلاف طريقة تطبيق الدول الموجودة بها الأموال المنهوبة للائحة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تم المصادقة عليها في عام 2005، وإن كانت هناك خطوات ناجحة نسبيًا في بعض الدول، لكنها لا تمثل إجمالي أموالها المنهوبة.
وعلي الرغم من ذلك فقد رأينا تصاعدا في توجهات رسمية في عدد من الدول العربية لاستعادة الأموال المنهوبة بالخارج، التي تورط فيها رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء ورجال أعمال ومسئولون محليون، محسوبون على النظم السابقة، والتي تعرف بـ"العهد البائد"، بما يؤدي إلى تعزيز شرعية نظم الحكم الجديدة، ودعم المؤسسات المالية والرقابية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وتوافر الإرادة السياسية للدول المنهوب أموالها وأملاكها وآليات المساعدة من قبل بعض الدول العربية.
وظهرت توجهات وتزايدت تحركات الأجهزة الرسمية في كل من مصر والسودان وتونس والجزائر وموريتانيا والعراق لاستعادة الأرصدة المنهوبة بالخارج، لتحقيق أهداف منها، تعزيز شرعية نظم الحكم الجديدة، خصوصا أن الفساد كان أحد المُحرِّكات الرئيسية لانهيار دول وطنية وسقوط نظم سياسية في المنطقة، مثل السودان والجزائر.
وفي إطار التحرك القوي سبق أن أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في 16 مايو 2021 عن إطلاق صندوق خاص بالأموال والأملاك المنهوبة المصادرة في إطار قضايا مكافحة الفساد، وكشف عن أن بلاده تمكنت من استرجاع ما لا يقل عن 44 عقارًا من بينها قصور وشقق في فرنسا ضمن عملية استرجاع الأموال المنهوبة.
ونوه تبون إلى أن بعض الشركات الأوروبية كانت متورطة في كثير من قضايا الفساد وتحويل الأموال الجزائرية واستثمارها في أوروبا، وبالتالي على دول الاتحاد الأوروبي مساعدة الجزائر في هذا المسعى.
وفي إطار التحرك العربي، تستهدف التحركات دعم المؤسسات المالية والرقابية، وفي هذا الإطار وفي كلمة له إلى الشعب العراقي في 23 مايو قدم الرئيس العراقي برهم مشروع قانون هو الأول من نوعه بعد سقوط نظام صدام حسين إلى البرلمان لإقراره، ويهدف إلى استرداد أموال العراق التي تم نهبها وتهريبها للخارج.
وقال إن مشروع القانون يتضمن خطوات لاحقة لاستعادة أموال الفساد، ويتضمن دعم المؤسسات المالية والرقابية وتفعيل أدواتها، وهناك 150 مليار دولار تم تهريبها من صفقات الفساد إلى الخارج منذ 2003.
وفي إطار تحقيق الهدف الرامي من استعادة الأموال المهربة والمنهوبة، اعتمد مجلس حقوق الإنسان، في ختام دورته العادية 46، وبدعم من مصر وليبيا وتونس، وبأغلبية أصوات الدول الأعضاء، في جنيف في 24 مارس الماضي، مشروع القرار المتعلق باستعادة الأموال المنهوبة إلى بلدانها الأصلية.
وأكدت مصر على لسان السفير د. أحمد إيهاب جمال الدين، مندوب مصر الدائم في جنيف، على أن تدفقات الأموال المتأتية من مصادر غير مشروعة تحرم البلدان من الموارد اللازمة لإعمال حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة الحق في التنمية، بما يهدد الاستقرار والتنمية المستدامة للدول ويقوض قيم الديمقراطية وسيادة القانون، مؤكدا أن هذه الأموال مطلوبة بشكل عاجل أكثر من أي وقت مضى من أجل تطوير وإعمال جميع حقوق الإنسان، خاصة في البلدان التي تمر بمراحل انتقالية.
ويبقى التغلب على التحديات التي حددتها الدراسة أمام استعادة الدول العربية الأموال المنهوبة بالخارج، تحتاج لجهد كبير لإنفاذ القانون، خصوصا ما يتعلق بغياب الخريطة المعلوماتية "شبه الكاملة" بشأن أموال وأملاك كبار مسئولي النظم السابقة بالخارج، وتعدد مستويات التعامل مع الجهات المعنية باستعادة الأموال، وغياب آلية التصرف في الأموال التي يتم استعادتها، ثقل التأثيرات الانتشارية لجائحة كورونا.
وحتما إن فكرة تحويل القضية من مجرد تحرك فردي لكل دولة، إلى تحرك جماعي وإقليمي خطوة نحو الطريق الصحيح.