لم يحدث تغيير للشعب في ثلاث سنوات، لكن حدث أن تغير الوعي وصححت الجماهير مفاهيمها.
الشعب الذي خرج في ٢٥ يناير هو ذاته الشعب الذي خرج في ٣٠ يونيو.
خرج في ٢٥ يناير بمطالب محددة "عيش، وحرية، وعدالة اجتماعية، لم يخرج هذا الشعب بكل أطيافه ليشارك في هدم الدولة المصرية ومؤسساتها ولا ليصارع على حكم مصر.
"سًرقت ثورته" هذا اعتراف مثبت وشهد به الجميع، كانت هناك خفايا لا يعرفها البسطاء الذين استُخدمُوا لتأجيج النيران لتحرق الأخضر واليابس، لم يفق الشعب إلا وناقوس حرب أهلية يقرع بعنف ويتوحش الإرهاب وينتشر المجرمون في ربوع الوطن يهددون الأمن العام ويسلبون ويقتلون.
استيقظ المصريون على فزع فاق كل التوقعات وعلى حكم المرشد.
أتذكر حينها قصة لصديقي الطبيب زكريا حملت عنوان "زكريا المضاد"، ويحكي فيها أنه في لحظة من اللحظات كان يتبادل هو وابنه الرشق بالحجارة حتى أصيب ونزف فوقعت عين ابنه عليه فهرع إليه يبكي ويسنده ليخرج من حيز الصدام ثم يسأله عن شقيقه فيخبره أنه في ميدان آخر فيطلب منه اصطحابه ليأتيا به قبل العودة إلى منزلهما مشاهد كثيرة في حكاية وحكايات عن أمثال زكريا المضاد لم تصاغ حتى الآن ويصعب على العقل حتى هذه اللحظة إدراكها.. لكن أظن أنه وأبنائه وأمهما يستعيدوها فيبكون ويبتسمون ويشكرون الله.
أمهات تستغيث من يأجوج ومأجوج وقومهما الذين خرجوا يحطمون كل شيء.
قتلى في كل مكان ووطن عريق يتهاوى.. دول تعبث في أحشاء مصر وطوابير من الانتقام تصطف في كل مكان وجماعة إرهابية تعلن انتصارها على أشلاء المصريين وعالم يستعد لإعلان شهادة وفاة أقدم الدول حضارة.
وبقية تتمسك بالأمل رغم بحور الألم وتصرخ تستدعي الانتباه قبل فوات الأوان.
بدأ الشعب يستعيد وعيه ويصحح مساره ويعي أن مصر أهم من مطالبه الفئوية.
جيش نشأ من بيوت هذا الشعب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يترك أهله فريسة لتلك الجماعة الإرهابية، فإما مراجعة وتلبية لصوت هذه الجموع الخفيرة وإما انتزاع الوطن من تلك الهوة العميقة مهما كانت التضحيات.
قرار يحتاج مقاتل كما يحتاج إيمان وجلد من كل المصريين شعب وجيش وشرطة.
وطن جريح ينزف شهداء.. وجماعة تحشد العتاد والأعداد من كل مكان لتعلن إماراتها في أرض استعصت على الانحناء.
شموخ وحضارة وقوة تجمعت في رمز لجيش لم يشهد التاريخ تفرقه وشتاته ومولد زعيم وطني جديد يضرب بكل الإملاءات عرض الحائط، ليعلن بيانا تاريخيا باسم المصريين و٤٨ ساعة يعد العالم دقائقها وثوانيها ثم القرار.
قرار جمعي باستعادة الوطن مهما كانت التضحيات.
عنوان جديد يضاف إلى صفحات التاريخ ٣٠ يونيو.
أما بعد.. فمهما كان هذا الذي سيجئ بعد نحن على استعداد له.
حصار ومحاولات تركيع وجبهات من النار فتحت.. دول تدعم بكل ما أوتيت من قوة فسيناريو الخراب المعد سلفا أفسده المصريون في آخر حلقاته، لا جدوى من كل الانتصارات السابقة إذا ما سقطت مصر.
فلقد سبقهم تتار وصليبيون وهمج انتصروا في كل معاركهم وكانت مصر حائط الصد.
ظنوا أن أرضها لم تعد قادرة على إنجاب فرسان فخرج لهم من بين الصفوف قائد مغوار قطع أعناق رسلهم على باب زويلة وأطلق النفير في شوارع وحارات أزقة مصر.
ضبابية وتشتت ويأس وخوف وترقب مشهد لا يعرف حتى المنجمين أين سينتهي؟ لكن ثمة إيمان مازال في القلوب، إيمان لن يفهم ويعرف مبعثه سوى هذا الشعب.
بيوت تتبارى في تقديم شهداء يروونها بدمائهم لتخرج من غرفة الإنعاش وتعود للحياة.
مصر تنهض وشعبها خارج غرفة العمليات في انتظار البشارة من قادتها.. ثم تأتي البشارة.. مصر على قيد الحياة لكن الحالة الحرجة وتستدعي إجراءات حاسمة.
صوت واحد ها نحن قد فوضناك أن نسير خلفك في الصعب والسهل على حد سواء..
ما حدث كان مستحيلا ما زال العالم ينظر إليه باندهاش.. ما حدث عبور من الموت إلى الحياة.. بعث جديد.. ما حدث يستحق منا جميعا التأمل فيما كان وما هو كائن.. الطريق كان وعرا وطويلا لكنا قطعناه بصبر وتوأدة لنقولها بقوة ويقين وثبات تحيا مصر.