ماهي مصادر المعلومات والثقافة العامة عند شباب اليوم؟ هل هي المنزل والمدرسة أو الجامعة والكتب والندوات والصحافة والتليفزيون؟ أم هي شبكة الانترنت ومصادر التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وانستجرام أم هي تجارب ونصائح الأقران والزملاء؟
أسئلة تكررت مرات عديدة خلال الأيام الماضية بسبب بسيط هو التخوف من امكانية التأثير في ثقافة الجيل الجديد بأخبار مكذوبة، أو استمالتهم عن طريق جماعات مشبوهة. أسئلة نحاول الاقتراب منها في هذا المقال.
أولا: دور المدرسة في اكساب الطلاب المعارف العامة والانتماء الوطني:
لابد أن نعترف ان دور المؤسسات التعليمية قد تناقص تدريجيا خلال العقود الماضية، وحتى قبل مجئ جائحة الكورونا وتعطيل الدراسة في المدارس والجامعات لفترات طويلة. اتذكر وأنا طالب في المرحلة قبل الجامعية في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، أن كان للمدرسة دوراً رائداً في التربية قبل التعليم. كنا نكتسب معظم معارفنا من المدرسة، وكنا نستعير الكتب من مكتبة المدرسة، وكان هناك نشاط رياضي وثقافي وزيارات مدرسية ورحلات ومسابقات في المعلومات العامة. هذا كله تناقص تدريجيًا في مدارسنا الحكومية وان كان مازال موجودًا بشكل او بآخر في المدارس الخاصة والدوليه باهظة التكاليف والتي تستوعب أقل من ١٠٪ من أبناء المصريبن.
ثانيًا: دور الجامعات المصرية في بناء شخصية الطالب وتثقيفه وإعداده لسوق العمل:
أعتقد أن أخطر ماحدث في التعليم الجامعي المصري في العقود الماضية هو تخلي الجامعة عن دورها التثقيفي والتوعوي في بناء شخصية الطالب. حدث هذا بالتدريج ودون قصد، وان كنت اظن ان بعض الجماعات المنظمة قد ساعدت في ذلك لكي تستدرج الشباب المتحفز للمعرفة والنشاط الي خارج الجامعة. أتذكر وأنا طالب في طب المنصوره في مطلع ثمانينيات القرن الماضي أن جامعة المنصورة كانت زاخرة بالأنشطة الطلابية واللقاءات المفتوحة مع المثقفين وأصحاب الرأي من كل التيارات والأحزاب. اتذكر أن الزميلات كن يرتدين الملابس القصيرة ولم نعرف في هذه الحقبة لا الحجاب ولا النقاب الا في اضيق الحدود . كان دور الجماعات الدينية محدوداً للغاية، وكان التيار اليساري وحزب التجمع هو الأعلى صوتا. كانت الشعارات السياسية والاجتماعية لليسار تجذب الطلاب أكثر من التيار الديني المنغلق على نفسه. كان التيار الليبرالي يحاول العودة من خلال حزب الوفد، وكان حزب العمل الاشتراكي هو الآخر يحاول أن يكتسب شعبية بين الطلاب. كانت كل الآراء مطروحة وكانت الندوات تُعقد في وجود ادارة الكلية والجامعة. ثم حدث نشاط مكثف من الجماعات الدينية منذ التسعينيات، ومع زيادة نشاط الجماعات الدينية، بدء دور اليسار والليبراليين في التراجع التدريجي حتي كاد أن يتوقف تماما. أما الجماعات الدينية فقد نجحت في جذب الطلاب خارج أسوار الجامعة ونجحوا في السيطرة على اتحادات الطلاب في معظم الجامعات المصرية.
ثالثا: انتشار التليفون المحمول و الانترنت والتواصل الاجتماعي،
مع انتشار التليفونات المحمولة، وتطور طرق الاتصال والتواصل بين الشباب، وتنامي دور شبكات التواصل الاجتماعي في العقد الأخير، حدث تَغَيُر في سلوك الشباب وحتى في لغة الحوار وطريقة الكتابة والتي تستخدم لغة خاصة، لاهي عربية ولا هي انجليزية. وصار للشباب لغتهم الخاصة بهم ومفرداتهم الخاصة بهم، وظهرت المجموعات المغلقة التي يتحاور فيها الشباب بين بعضهم البعض بلغتهم الخاصة. وفي نقس الوقت ظهرت مئات القنوات التلفزيونية وأصبحت الحوارات والندوات تتم علي شاشات التلفزيون. ومع زيادة التنوع في طرق الاتصال ومضاعفة تعداد السكان، حل المحمول وشبكات التواصل محل التلفزيون والكتاب واللقاءات المباشرة. وفي ظل كل هذه التعقيدات ظهرت الكتائب الالكترونية التي تحاول ان تجتذب أو توجه الشباب. وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي هي المصدر الاول للمعلومات لجيل كامل من الشباب. وللحديث بقية.