الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تقوى الآباء تحفظ الأبناء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جرت العادة في الغالب أن يفسد الناس بفساد كبرائهم وأن يستقيموا باستقامتهم، ويرتبط صلاح الأبناء بتقوى الآباء؛ لأن الولد يتبع أباه في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته؛ فالولد ظل أبيه ولا يستقيم الظل والعود أعوج، فإذا فسد الآباء فسد الأبناء، ولو تأملنا هذه الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]؛ لوجدنا ان القرآن يضع لنا قاعدة ربانية هى أن من أراد أن ينجي نفسه وينقذ أبناءه من بعده فعليه بتقوى الله ومخافته؛ فالذين يتقون الله في الذرية الضعيفة يضمنون أن الله سيرزقهم بمن يتقي الله في ذريتهم الضعيفة، ومعنى الآية أَي: وليخش من كان له ولدٌ صغارٌ خاف عليهم من بعده الضيعة أن يتقوا الله وسوف يرزقهم بمن يتقي الله في ذريتهم الضعيفة؛ فتقوى الآباء وصلاحهم، لها دور كبير في صلاح أبنائهم، وقد صدق ذلك ما حكاه القرآن الكريم عن الغلامين اليتيمين الذي قال الله تعالى عن أبيهما: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} فحفظ الله الكنز لليتيمين ببركة صلاح أبيهما، وارسل الله رجلين عظيمين موسى عليه السلام والرجل الصالح الخضر، قال الله تعالى في سورة الكهف على لسان الخضر: {وَأَما الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبكَ...} [الكهف: 82]؛ فحينما نزلا الرجلين إلى القرية وطلبا من أهلها الضيافة، كانوا بخلاء أشحاء فضنوا عليهما حتى بشربة ماء، ومع هذا عندما وجد العبد الصالح جدارًا أوشك على السقوط فشمر عن ساعده وقابل البخل بالكرم والمعروف، وأعاد بناء هذا الجدار، ولما سئل في ذلك قال بأن الجدار كان لغلامين يتيمين في المدينة وأن هناك كنزًا تحت هذا الجدار، وأن أبويهما صالحان، فأبقى الله تعالى أثر صلاح الوالدين في أولادهما، وقد ذكر بعض المفسرين أنه كان الجد السادس، أو السابع، أو العاشر، وقال ابن كثير في تفسيره عن الآية: "فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم"، وقال ابن عباس: "حفظا بصلاح أبيهما ولم يذكر لهما صلاح" أي: لم يبين لنا القرآن هل كان الأولاد صالحين كآبائهم كي يستحقوا هذه المكافأة أم لا ؟!

تقوى الوالدين وأعمالهم الصالحة لها أثر عظيم في صلاح أبنائهم ونفعهم في الدنيا والآخرة، وقد ورد عن بعض السلف أنه قال لابنه "يابني لأزيدن في صلاتي من أجلك"، فقال بعض العلماء: معناه أصلي كثيرًا وأدعو الله لك كثيرًا في صلاتي، وورد عن عمر بن عبدالعزيز عندما سئل وهو على فراش الموت: ماذا تركت لأبنائك يا عمر؟ قال: تركت لهم تقوى الله، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى، وقال الإمام ابن القيم: "أكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوهم كبارًا"، وقد ورد في قصة الرجل الصالح شديد الورع «ابن المبارك» الذي كان يعمل حارسًا لبستان أحد الأثرياء وذات يوم طلب منه صاحب البستان أن يُحضر له رمانًا حلوًا فأحضره فإذا هو حامض فغضب مولاه ثم تكرر ذلك ثلاث مرات وفي كل مرة يكون حامضًا؛ فقال له مولاه: أنت لا تعرف الحامض من الحلو؟ فقال المبارك: ما أكلت منه شيئًا حتى أعرفه؛ فقال: لمَ لم تأكل؟ قال المبارك: لأنك ما أذنت لي بالأكل منه؛ فعجب صاحب البستان وعظم في عينه وزاد قدره عنده، وكان لصاحب البستان له بنت خُطبت كثيرًا، وذات يوم قال لمبارك: يا مبارك من ترى تُزوّج هذه البنت؟ فقال: «أهل الجاهلية كانوا يزوجون للحسب واليهود للمال وهذه الأمة للدين»؛ فأعجبه عقله وأخبر الرجل زوجته، وقال لها: ما أرى لهذه البنت زوجًا غير المبارك فتزوجها، وكان من ثمرة ذلك «عبد الله بن المبارك» الذي قال عنه سفيان: إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنةً مثل ابن المبارك فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام.. اللهم اغفر لي ولوالدي، رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا.