«والله إنك أحسن مني» هكذا ودع أنس خطيبته فى اللحظة التى رأها تحت الأنقاض، كان من المفترض أن يتزوجا عقب عيد الفطر المبارك، ولكن القدر كان له اختيار آخر.
أنس اليازحى وشيماء أو الدكتورة كما كان يحب أن يلقبها، كانت إحدى القصص التي حين وثقتها عجزت أن أكتب لها مقدمة، ففى بعض الأحيان تكون القصة نفسها مقدمة.
يحكى أنس أنه وفى ساعات القصف دار حديث صغير بينه وبين خطيبته، تلك التى لجأت إليه فى أشد الأوقات صعوبة لقناعتها أنه الحامى لها بعد الله، يقول أنس "عندما بدأت الغارات كتبت لشيماء على الواتس آب أسألها كيف حالك؟ فردت: بخير الحمدلله بس خايفة، قلت لها: "اختبئى فى مكان آمن".
لم تصل رسالته الأخيرة لشيماء مما جعل الشكوك تحوم فى رأسه، كان هناك نزاع نفسى «هل حدث حقا وماتت شيماء؟» سؤال كانت الإجابة عليه صعبة جدا، قرر أنس أن يقطع الشك باليقين وذهب حيث تسكن قطعة من روحة، البيت مهدم.. وكل شىء لم يكن على ما يرام، وقتها بدأ قلبه يخفق وقال لنفسه إن ماتت فلها الجنة وإن كانت لا تزال على قيد الحياة فالحمد لله.
ظل أنس ما يقرب من ١٠ ساعات يبحث عن شيماء تحت الأنقاض، ومع كل حجر يزال يرى أن الأمل لا زال موجود وأنها لا زالت على قيد الحياة، ورغم أن صوتها لم يكن من بين الأصوات التي كانت تخرج من تحت الركام إلا أنه لا زال مؤمنا بأنها ستخرج وسيكملان معا حياتهما التى رتباها سويا.
١٠ ساعات كانت الدقيقة فيهم تمر كالعام، فالانتظار كان أشد صعوبة ولا شىء أشد منه سوى الحقيقة التى رآها أنس بعينيه حين خرجت خطيبته من تحت الأنقاض أخيرا ولكن جثة هامدة.
بعد نحو عامين ونصف العام من خطوبتهما وبدلا من أن يتسلمها أنس من والدها عروسه، تسلمها من الاحتلال جثة هامدة لا حول لها ولا قوة.
صدمة كبيرة كانت تسيطر على أنس وهو ما ظهر جليا فى فيديو حكى فيه قصته مع خطيبته، وظن أنس وهو ضاحك مستبشر لخطيبته نهاية سعيدة فى الجنة، ليستلم أنس جثة خطيبته ويصلى عليها ويوارى التراب على جسده بيده، وعلى ملامحه قوة تخفى كم الحزن الذى بداخله.
تلك القصة التى لن ينساها العالم كله وليس غزة فقط، كتبت فى ليلة ١٦ مايو حيث كان شارع الوحدة على موعد مع مجزرة مروعة كبرى حيث استهدفت الطائرات الحربية منازلها بلا سابق إنذار أو اتصال أو تحذير، فدمرت ما يزيد على أربعة منازل على رؤوس ساكنيها الأمر الذى أدى ارتقاء عائلات بأكملها كان من بينها عائلة أبو العوف التى يسكن البناية فيها ما لا يقل عن مائة شخص، وارتقت شيماء مع أكثر من عشرة أفراد من أبناء عائلتها.