كان جيلي جيل السبعينيات من القرن الماضي يعتبر وما زال قضية فلسطين مصرية مصيرية، ومن ثم كنت من 1978 وحتي 1997 في دائرة النضال الفلسطيني من القاهرة لبيروت وموسكو والقدس ورام الله وأريحا وغزة ونيقوسيا، وكان عمود الخيمة دائما ياسر عرفات، هذا الرجل الأسطورة تعرفت عليه أول مرة في بيروت 1978 مع المناضل المصري، مدير مكتبه فاروق القاضي (أحمد الأزهري) والصحفي الكبير فهمي حسين مدير تحرير وكالة وفا الفلسطينية حينذاك، وتعددت اللقاءات لأنه يحب مصر والمصريين وكان يلتقي بنا دائما كلما جاء ضيوف من القاهرة من قادة الحركة الوطنية مثل د.رفعت السعيد، وكان اللقاء الاخير في أريحا 1996 وكنت رئيس الوفد الأهلي المصري لمراقبة أول انتخابات فلسطينية، ولنبدأ باللقاء الأخير حيث كنت لم أر الرجل منذ الخروج من بيروت 1982، اقتربت منه في مكتبه احتضني ودار حديث قصير ونصحني أن التقي بفيصل الحسيني بالقدس.
(١)
بيت الشرق
فيصل عبد القادر الحسيني (١٧ يوليو ١٩٤٠-٣١ مايو ٢٠٠١ م)
وزير إسرائيلي: إرهابي ابن إرهابي.. والصهاينة رفضوا انضمامه للسلطة الفلسطينية لأنه من القدس
تعرض لمحاولتي اغتيال.. ومات في الكويت.. ودفن في المدينة المقدسة بجوار أبيه
في بيت الشرق تجد الدولة الديمقراطية العلمانية التي يعيش فيها الفلسطينيون مسلمين ومسيحيين ويهودا، هكذا كان أعضاء مكتب فيصل الحسيني وفي الواجهة صورتين الأولي لأبيه عبد القادر الحسيني والثانية لياسر عرفات.
شخص متعدد المواهب والقدرات، ولد فيصل في بغداد. والده هو عبد القادر الحسيني قائد ومؤسس جيش الجهاد المقدس والذي استشهد في معركة القسطل وجدّه هو موسى كاظم رئيس بلدية القدس. ولد فيصل كان والده مسجونًا، ثم انتقل إلى السعودية، وبعدها القاهرة ليدرس حتى الجامعة حيث تعرف على ياسر عرفات، اشترك في حركة القوميين العرب عام ١٩٥٧ م. كذلك شارك في إنشاء وتأسيس المنظمة الطلابية الفلسطينية عام ١٩٥٩ م، والتي أصبحت فيما بعد نواة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
عمل في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في القدس عام ١٩٦٦ في قسم التوجيه الشعبي. ثم انتقل إلى مكتب منظمة التحرير في بيروت كمساعد ملحق عسكري برتبة ملازم أول، ثم انضم إلى قوات جيش التحرير الفلسطيني المرابط في سوريا أوائل عام ١٩٦٧ م. بعد حرب يونيو ٦٧ توجه إلى القدس وقاد العمل السياسي لمنظمة التحرير فيها واعتقل في أكتوبر ١٩٦٧ م وحكم عليه بالسجن مدة عام بتهمة امتلاك أسلحة. بعد خروجه عمل فني أشعة.
أسس عام ١٩٧٩ جمعية الدراسات العربية (بيت الشرق) في مدينة القدس. أطلق عليه رحبعام زئيفي وزير الدولة الإسرائيلي اسم الإرهابي ابن الإرهابي. قاد النضال الفلسطيني في الانتفاضة الأولى وسجن فيها عامين كاملين، قام بإجراء مباحثات مبكرة مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية. رأس الوفد الفلسطيني المفاوض المجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر. رئس الفريق الفلسطيني للمفاوضات وشكل الوفد الفلسطيني المفاوض المتجه إلى مدريد والذي رأسه الدكتور حيدر عبد الشافي، لم يرأس الوفد حينه وذلك لاعتراض إسرائيل كونه من القدس، عاد وترأس الوفد المفاوض في محدثات واشنطن عام ١٩٩٣م. بعد اتفاقات أوسلو رفضت إسرائيل أن ينضم إلى زعامة السلطة الفلسطينية، بحجة أنه يعيش في القدس.
عين مسئولا عن ملف القدس وانتخب من المجلس الوطني الفلسطيني عضوا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٩٦ م. بصفته مسئولا عن ملف القدس كان يحضر اجتماعات مجلس الوزراء الفلسطيني
حكي لي عن والدة عبد القادر شهيد معركة القسطل وعلاقته بمصر قائلا: "كانت القاهرة دائما مهد الكفاح الفلسطيني حيث عاد والدي إلى القاهرة في أول يناير ١٩٤٦، التي سبق وأن طرد منها بأمر إسماعيل صدقي، ولكنه هذه المرة عاد للعرض على الأطباء ومداواة جروحه والندوب التي تقرحت في جسده إثر معاركه الكثيرة، وعلى الرغم من ذلك فقد كان الحسيني أكثر إيمانًا ويقينًا أن المقاومة هي السبيل الأوحد للحرية والكرامة؛ فأثناء وجوده في مصر عمد إلى وضع خطة لإعداد المقاومة الفلسطينية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي فراح ينظم عمليات التدريب والتسليح للمقاومين وأنشأ معسكرًا سريًا بالتعاون مع قوى وطنية مصرية مشتركة بالقرب من الحدود المصرية الليبية، كما قام بتدريب عناصر مصرية أيضًا للقيام بأعمال فدائية، حيث شاركت عناصره في حملة المتطوعين بحرب فلسطين وكذلك في حرب القناة ضد بريطانيا، ويضيف فيصل في تائر: ضرب عبد القادر الحسيني خلال معركة القسطل غير المتكافئة مثلًا رائعًا في التضحية.
نعود إلى فيصل الابن
تعرض لمحاولتي اغتيال وقاد العديد من المظاهرات المطالبة بإزالة الاستيطان في القدس. كان يجيد العبرية، ويظهر في التلفاز والإذاعة الإسرائيلية مبينا وجهة النظر الفلسطينية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتوفي فيصل في الكويت حيث كان يقوم بمحادثات لإنهاء الخصومة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الكويتية، الخصومة التي تلت احتلال العراق للكويت، دفن فيصل في القدس بجوار أبيه في مظاهرة خرج فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
(٢)
آه أيتها القاهرة كم من المنظمات تألفت على أرضك
العودة إلى "الختيار" في أريحا
ياسر عرفات (وُلد في مدينة القاهرة، ٤ أغسطس ١٩٢٩ – تُوفي في باريس،١١ نوفمبر ٢٠٠٤ )
أحمد ياسين: عرفات مصري.. وأبوعمار: شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها
كانت آخر كلمات أحمد ياسين في اللقاء وهو يضحك: "عرفات مصري"، حينما عدت إلى عرفات في أريحا وقلت له رد مبتسما: "شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها"
وأضاف اسمي الحقيقي محمد عبد الرءوف عرفات القدوة الحسيني.. وهي عائلة فلسطينية من الفلسطينيين الاقحاح.
لاحظت أن كل المنظمات الفلسطينية الكبرى أسست في مصر
من المقاومة الفلسطينية للشهيد عبد القادر الحسيني وحتي حركة فتح وجناحها المسلح (العاصفة)، مرورا بحماس التي تعد فرعا من الإخوان المسلمين.
وفي مصر، تبوأ عرفات رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية منذ ١٩٦٩ وحتى ٢٠٠٤، وثالث شخص يتقلد هذا المنصب منذ تأسيسها عام ١٩٦٤، وهو القائد العام لحركة فتح أكبر الحركات داخل المنظمة التي أسسها مع رفاقه في عام ١٩٥٩. عارض منذ البداية الوجود الإسرائيلي ولكنه عاد وقبِل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٤٢ في أعقاب هزيمة يونيو ١٩٦٧، وموافقة منظمة التحرير الفلسطينية على قرار حل الدولتين والدخول في مفاوضات سرية مع الحكومة الإسرائيلية، كرس معظم حياته لقيادة النضال الوطني الفلسطيني مطالبًا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
أشهد بأنني عرفت هذا الرجل من بيروت إلى السلطة الفلسطينية، وتوقيعة على أوسلو بعد مؤتمر مدريد ١٩٩١. ترأس السلطة الوطنية الفلسطينية في عام ١٩٩٦ بعد انتخابه. أدانت الفصائل الإسلامية وبعض اليسارية والعضوة في منظمة التحرير الفلسطينية التنازلات التي قُدمت للحكومة الإسرائيلية، وأصبحوا من المعارضة. وفي عام ١٩٩٤ مُنحت جائزة نوبل للسلام لياسر عرفات، وإسحاق رابين، وشمعون بيريز بسبب مفاوضات أوسلو.
بنهاية سنة ٢٠٠٤، مرض ياسر عرفات بعد سنتين من حصار الجيش الإسرائيلي له داخل مقره في رام الله، ودخل في غيبوبة. توفي ياسر عرفات في ١١ نوفمبر ٢٠٠٤ في مستشفى بيرسي العسكري بباريس عن عمر جاوز ٧٥ عاما. لا يعرف سبب الوفاة على التحديد، وقد قال الأطباء إن سبب الوفاة هو تليف الكبد، ولكن لم يتم تشريح الجثة.
(٣)
بيروت خيمتنا الأخيرة
في بيروت ١٩٨٠ كان الدكتور رفعت السعيد في زيارة وذهبنا إلى لقاء اثنين من أبرز قاد الثورة الفلسطينية الأول "الحكيم" الدكتور جورج حبش
الحكيم يداوي جراح شعبه بالرصاص
جورج حبش (ولد في ١ أغسطس ١٩٢٦ في اللد - توفي في ٢٦ يناير ٢٠٠٨ في عمان)
أقنع عبدالناصر بدعم الكفاح المسلح في جنوب اليمن وفلسطين
سياسي وطبيب فلسطيني، من مؤسسي حركة القوميين العرب ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. قيادي في منظمة التحرير الفلسطينية. شغل منصب الأمين العام في الجبهة الشعبية منذ تأسيسها عام ١٩٦٧ حتى عام ٢٠٠٠.
ولد في اللد عام ١٩٢٦ لعائلة مسيحية أرثوذكسية ثرية من ملاك الأراضي في مدينة اللد في فلسطين. والده التاجر نيقولا حبش، وله ستة إخوة. تلقى تعليمه الابتدائي في اللد والإعدادي في الكلية الأرثوذكسية في يافا، ونال شهادة الثانوية من كلية " في القدس، ثم عمل لعامين مدرّسا في يافا. في عام ١٩٤٤ قبل لدراسة الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت التي تخرج منها في عام ١٩٥١ متخصصا في طب الأطفال.
يقول الحكيم في حوار:
مع نشوب حرب ١٩٤٨ عاد حبش إلى فلسطين وتطوع للعمل في الإسعاف في مستشفى اللد. تعرض حبش للتهجير مع عائلته التي غادرت يافا بعد سقوطها إلى اللد، ثم أجبرت على الرحيل مع أهالي المدينة الذين طردوا بعد سقوطها في ١١ يوليو ١٩٤٨ وأجبروا على المسير إلى القدس، وكان لهذه التجربة حسب حبش (الذي دفن أخته فوتين في حديقة المنزل قبيل الرحيل) أثرا نفسيا عميقا وخلّفت مشاعر غضب ورغبة في الرد على الظلم الواقع والعمل على استرجاع فلسطين.
هنا القاهرة
كما كانت القاهرة ملتقي الحسيني وعرفات
في بداية عام ١٩٦٤ توجه حبش إلى القاهرة والتقى عبد الناصر لأول مرة وطرح عليه مسألة دعم الكفاح المسلح في جنوب اليمن وفلسطين، وهو ما أيده عبد الناصر بتحفظ ووافق على تدريب عسكري لمقاتلين فلسطينيين وكذلك منح دراسية في مصر. تكرر اللقاء في نفس العام وتمكن حبش من الحصول على الدعم المصري السياسي والعسكري للجبهة القومية في جنوب اليمن.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
بعد حرب عام ١٩٦٧ انتقل حبش ورفاقه (وديع حداد وأبوعلي مصطفى الزبري وآخرون) إلى العمل المسلح وفق نظريات حرب العصابات وأعلنوا في ١١ ديسمبر من العام ١٩٦٧ عن تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي شغل حبش منصب أمينها العام ونشطت في العمل العسكري على حدود فلسطين وفي الأرض المحتلة.
(٤)
نايف حواتمة:" نظر نظر يا أبوالنوف"
افتخر دائمًا دائمًا بعروبته ومسيحيته
نايف حواتمة (ولد في نوفمبر ١٩٣٥)
صاحب نظرية الدولتين للحل، وكان أعضاء الجبهة الديمقراطية يتغنون في المواقع:" نظر نظر يا أبو النوف.. الله الله للثورة الوطنية.. الله الله.. ونحن رجالك ما في خوف يا عبوني.. الله الله"
الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي أسسها سنة ١٩٦٩. وواحد من أبرز قادة الرعيل الأول في الثورة الفلسطينية المعاصرة، وفي منظمة التحرير الفلسطيني.
كان حواتمة يفخر دائما بعروبته ومسيحيته، ولد نايف حواتمه في ١٩٣٨، ويؤكد أن آل حواتمه منتشرون في فلسطين والأردن وسوريا ويعودون في الجذور إلى الغساسنة العرب، وتابع دراسته الثانوية في كلية الحسين (عمان، الأردن)
إلى القاهرة أيضًا
ويقول"أبوالنوف" بدأت دراستي الجامعية في كلية الطب جامعة القاهرة وتوقفت في منتصف الطريق لاعتبارات سياسية ووطنية، وبذا انقطعت الدراسة الجامعية نحو عشر سنوات، ثم تم استئنافها في الفلسفة وعلم النفس بجامعة بيروت العربية، ثم استكملت في موسكو حتى الحصول على الدكتوراة، وكانت أطروحته في الدكتوراة.
وعند الارتداد عن نتائج مؤتمر أغسطس ١٩٦٨ واستخدام أشكال من القوة والعنف، أعلن حواتمه استقلال التيار اليساري تحت اسم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في فبراير١٩٦٩.
ومنذ ذلك الحين تحولت الجبهة الديمقراطية تحت زعامة حواتمه إلى فصيل أساسي ورئيسي في إطار ائتلاف منظمة التحرير وفي إطار الثورة والشعب الفلسطيني، ولعبت دورًا أساسيًا في صياغة برامج ومهمات الثورة والمنظمة وفي حياة الكفاح الوطني الفلسطيني ومعارك الدفاع عن الثورة والمنظمة والشعب في الأرض المحتلة كما في الأردن وفي لبنان بالمراحل الزمنية المختلفة وفي إطار الانتفاضة والعمل الجماهيري والشعبي ضد الاحتلال والاستيطان
(٥)
نيقوسيا
قد آن للرحلة أن تنتهي خرجنا من بيروت سبتمبر ١٩٨٢، وحطت بنا التغريبة الثانية في نيقوسيا، وفي مقدمة من استقبلنا المطران الثوري كابوتشي:
لاهوت التحرير الفلسطيني
هيلاريون كابوتشي أو كبوجي (٢ مارس ١٩٢٢ - ١ يناير ٢٠١٧م)
عمل سرا على دعم المقاومة.. واعتقله الاحتلال أثناء تهريب الأسلحة
حكم عليه بالسجن ١٢ عاما.. وأفرج عنه بوساطة الفاتيكان.. ثم أبعد عن فلسطين
رجل الله المقاوم، البطل الذى لم يكتف بالصلاة بل وتمنطق بلاهوت التحرير، وأعطى للأرض قدرا ما أعطى للسماء، واستبق الملكوت على الأرض. ومن منفى إلى منفى، حيث شيعت جنازته منذ سنوات بالعاصمة اللبنانية بيروت، أقرب المدن إلى حلب والقدس، فيا أبانا الذى في السماء الآن ليتقدس وطنك، ولتتحرر قدسك، وأنت الآن في أورشليم السماوية وأمام عرش النعمة، اذكرنا وصل من أجل سلام حلب وفلسطين ومصر.
مازلت أذكر اللقاء الأول في نيقوسيا بعد الخروج من بيروت سبتمبر ١٩٨٢، بللت صليبه بدموعى وقبلت جبينه. على جبينه خريطة فلسطين تطل من بين إكليل شوك المسيح المصلوب بالقدس ودموع ابناء غزة والضفة تنزل مع المريمات من تحت صليب لا يبتعد كثيرا عن الأقصي، ومن بين عينيه لمحت بريق نور القيامة القادمة.
لن أنسي لحيته التي كساه الشيب والصليب الذي بيديه والدموع التي فاضت من عينيه على رصيف المينا.
سيدنا ولد في حلب. أصبح مطرانًا لكنيسة الروم الكاثوليك في القدس عام ١٩٦٥، وعمل سرًا على دعم المقاومة. اعتقلته سلطات الاحتلال في آب ١٩٧٤ أثناء محاولته تهريب أسلحة للمقاومة، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن ١٢ عامًا. أفرج عنه بعد ٤ سنوات بوساطة من الفاتيكان، وأبعد عن فلسطين في نوفمبر ١٩٧٨، وقد أمضى حياته بعد ذلك في المنفى في روما حتى وفاته.
كرمته السودان ومصر وليبيا والعراق وسوريا والكويت بطابع بريد يحمل صورته، أطلقت مدينة رام الله اسمه على أحد شوارع المدينة.
اسمه الأصلي "جورج" وكلمة "كبوجي"، وهي كنيته، تعني "البواب" أو "الحارس" بالسريانية، وقد اختار اسم هيلاريون تيمنًا براهب ولد في غزة في سنة ٢٩١ ميلادية، ونقل طريقة العزلة في الصحاري من المصريين إلى البلاد السورية، وكان والد المطران كبوجي "بشير" يعمل تاجرًا للسيارات في حلب وقد توفي باكرا، أما والدته فتدعى شفيقة رباط، وهي قريبة الدستوري الكبير ونائب حلب عن حزب الكتلة الوطنية، إدمون ربّاط.
وفي سنة ١٩٦٢ أصبح رئيسًا عامًا للرهبانية الباسيلية الشويرية. ثم في سنة ١٩٦٣ اختير رئيسًا عامًا للرهبانية الحلبية، ورقي في ٦ نوفمبر ١٩٦٥ إلى رتبة المطرانية، وعين نائبًا بطريركيًا في القدس لطائفة الروم الكاثوليك. وفي القدس كان الوحيد من بين رجال الدين الذي رفض حضور الاحتفالات والاستقبالات الرسمية التي تنظمها السلطات الإسرائيلية. وفي يوم وفاة جمال عبد الناصر في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ توجه إلى جميع الأساقفة في القدس طالبًا منهم رفع الأعلام السود فوق مقارهم، وقرع الأجراس في أثناء جنازته.
كان كابوتشي من سكان شرقي القدس، لكن المنصب الديني الذي تقلده لم يمنعه الخوض في مجال تهريب الأسلحة للمقاومين الفلسطينيين مستندا على حرية الحركة الممنوحة لرجال الدين.
وتم اعتقاله ونُقلت السيارة ومَن فيها إلى مركز الشرطة وبتفتيش السيارة عثر على ٤ رشاشات كلاشنيكوف ومسدسان وعدة طرود تحتوي على متفجرات بلاستيكية وصواعق كهربائية وقنابل يدوية وما إلى ذلك.
وعُثر على ظرف كتب عليه بخطّه رقم المسئول الفتحاوي أبو فراس في لبنان.
وكانت هذه نهاية القضية وتمت محاكمة كابوتشي وفرض عقوبة السجن لمدة ١٢ عامًا عليه لكن أُفرج عنه في نوفمبر ١٩٧٧ بطلب من البابا. أعلن الفاتيكان مساء يوم الأحد ١ يناير ٢٠١٧ وفاة المطران هيلاريون في العاصمة الإيطالية روما عن عمرٍ ناهز ٩٤ عامًا.
وتبقي القضية من جيل إلى جيل.
آه يا أبى الراحل في ذكراك الرابعة، أطلب منك أن تحمل تحياتى إلى معين بسيسو ومحمود درويش وغسان كنفانى، وجورج حبش وأبوعلى مصطفى وفيصل الحسينى، وأن نرنم سويًا مع توفيق زياد.. أناديكم
أناديكم
أشد على أياديكم..
أبوس الأرض تحت نعالكم
وأقول: أفديكم
وأهديكم ضيا عينى
ودفء القلب أعطيكم
فمأساتى التى أحيا
نصيبى من مآسيكم