مع كل أزمة تشهدها قناة السويس يثار الحديث مشروعات بديلة لقناة السويس وقبل شهرين كنا على موعد مع الحادث الذى توقف العالم أجمع، حينما جنحت سفينة الحاويات العملاقة «إيفرجيفين» في المجرى الملاحى لقناة السويس، أثناء رحلتها من الصين إلى مدينة رودتردام الهولندية، مما تسبب في إغلاق المجرى الملاحى للقناة لمدة 6 أيام، مما تسبب في تعطل حركة التجارة العالمية القادمة من مناطق الإنتاج وسلاسل التوريد في آسيا إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية، الأمر الذى تسبب في خسائر بالمليارات وارتفاع أسعار النفط لما يزيد عن 6 % بسبب غلق القناة.
ولعل الأزمة الأخيرة أسهمت في استغلال بعض دول العالم للترويج إلى مشروعاتها على أنها «مشروعات بديلة لقناة السويس»، وبالتزامن مع انعقاد جلسات المحاكمة الخاصة بالسفينة «إيفرجيفين» من قبل محكمة الإسماعيلية الاقتصادية، عملت الشركة المالكة للسفينة على استخدام أوراق ضغط والترويج الإعلامى لفكرة البحث عن بدائل لقناة السويس بعد استمرار أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس، حيث نقلت وسائل إعلام يابانية وألمانية تصريحات عن مسئولين في الشركة حول بحثهم عن طرق بديلة لقناة السويس، ونشرت «دوتشيه فيليه» الألمانية في تقرير لها مجموعة من الطرق البديلة التى تسعى الشركات اليابانبة لاستخدامها في الفترة المقبلة، وهو الأمر الذى أكد خبراء الملاحة البحرية والاقتصاد أنه بعيد عن الواقع، كما أكدوا أن تلك المشروعات حتى في حال إقامتها لن تؤثر بشكل أو بآخر على القيمة المهمة لقناة السويس في خدمة التجارة العالمية.
وخلال السطور التالية نسرد أهم المعلومات عن المشروعات المطروحة من قبل بعض الدول، بالإضافة إلى آراء لمجموعة من كبار خبراء الملاحة الدولية والاقتصاد.
لعل من أبرز الطرق المطرحة كبدائل هو طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا الذى كان يستخدم قبل افتتاح قناة السويس عام ١٨٦٩ ومنذ ذلك الحين توقفت حركة المرور عبره تقريبا، لكن العودة إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح يحمل الكثير من العقبات أبرزها طول فترة الرحلة ومن ثم زيادة التكلفة، ما يعنى أنها أغلى من المرور عبر قناة السويس.
أما المشروع الثانى فهو ما تروج له روسيا، وهو طريق القطب الشمالى الواقع شمال روسيا، إلا أن المشروع يعتمد على فكرة انصهار الجليد في فترة الصيف كأحد العوامل الناجمة عن ظاهرة التغير المناخى وارتفاع درجات الحرارة، إلا أن المشروع يراهن على التقدم التكنولوجى للسفن التى تمكنها من العبور على العبور وسط الظروف المناخية القاسية وسط الجليد، وهو ما نجحت فيه ١١ سفينة فقط حتى العام ٢٠١٠، وارتفع العدد قليلا ليسجل ١٣٣ سفينة في ٢٠٢٠، وهو العدد الضئيل للغابة بالمقارنة مع قناة السويس حيث مرت عبر القناة أكثر من ١٩٣١١ سفينة خلال العام المالى ٢٠١٩-٢٠٢٠، حسبما أعلنت هيئة قناة السويس في بيان لها يوليو الماضي.
أما الصين، فهى الأخرى لديها طموحات لتصبح نقطة رئيسية لممرات الشحن للسلع من شرق آسيا إلى أوروبا والعكس أيضا، إذ تشمل مبادرة الحزام والطريق أو طريق الحرير الجديد عددا من مشاريع البنية التحتية الخاصة بالنقل، وفى الآونة الأخيرة، جرى الترويج لاعتزام دولة الاحتلال الإسرائيلى تدشين طريق للنقل والشحن يربط بين ميناءي إيلات وصولا إلى عسقلان في البحر المتوسط، إلا أنه أيضا بحسب الخبراء فإنه يصعب إقامته نظرا للظروف المناخية والتضاريس الوعرة بالإضافة إلى أنه يزيد من مدة وتكاليف رحلات الشحن والنقل بالمقارنة بقناة السويس.
يقول الدكتور شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد، أننا لا نعارض أي منافسة لقناة السويس، وكون إعلان دولة عن إيجاد طريق بديل لقناة السويس من أجل الاستفادة الاقتصادية منه فهذا شرعى ولا خلاف فيه مثله مثل الدول التى تسعى للتنقيب على البترول أو إنتاج سلعة أو منتج للمنافسة به في السوق العالمية، إلا أن قناة السويس تتمتع بميزة نسبية تجعلها على رأس الطرق البحرية المهمة في العالم، وهى أقصر نقطة لربط البحر الأحمر والبحر المتوسط وهو ما يمنح مصر ميزة اقتصادية إضافية.
ويقول «الدمرداش» لـ«البوابة»: «هى مساعٍ شرعية في مجال التجارة من الشحن وطرق النقل، ومصر نفسها تعمل على المنافسة في سوق الشحن والنقل في العالم من خلال تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إنشاء مناطق لوجستية منافسة لموانئ روتردام ودبى أحد أبرز البقاع العاملة في مجالات الشحن والحاويات في العالم، وبالتالى نستغل الميزة النسبية لقناة السويس من أجل تحقيق عوائد مادية إضافية».
ويشير الدمرداش إلى أن المشروع الإسرائيلى «تل أبيب - أشدود أو عسقلان» تواجهه العديد من التحديات التى تتمثل في صعوبة إقامة قناة عبر الأراضى المحتلة الواقعة تحت سيطرة إسرائيل نتيجة للتضاريس الصعبة، وبالتالى أى مشروع إسرائيلى سيتضمن جزءا بريا، وهو ما يزيد من الوقت والجهد، وبالتالى لن يؤثر كثيرا على قناة السويس، ولكنه سيمثل ضغوطا وقيودا على مصر في تسعير الخدمات من أجل الحفاظ على تنافسية القناة، وهذا هو أقصى تأثير يمكن أن يحققه المشروع الإسرائيلي، ولكن تظل أهمية قناة السويس قائمة ولا يمكن الاستغناء عنها.
ويتابع: «المفاضلة في الوقت والتكاليف ستكون أكبر ما يمكن أن يؤثر به المشروع الإسرائيلى حال إقامته، وتظل قناة السويس الأسرع والأقل تكلفة، بالإضافة إلى العديد من العوامل اللوجستية، فالموضوع كله تحكمه عوامل التكلفة والأرباح من عمليات النقل والشحن».
ويضع الخبير الاقتصادى روشتة من أجل النهوض بالاقتصاد القومى وتحقيق طفرة في قناة السويس وغيرها من المناطق الاقتصادية، حيث قال إن علاج أوجه القصور والأسباب هى أولى الخطوات نحو التطوير، ومن هنا يجب أن نراجع أسعار الخدمات في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وضرورة وضع أسعار تنافسية مع المناطق المماثلة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فمصر ليس لديها مشكلات أمنية تجعل المستثمرين يتخوفون من الاستثمار في مصر، بالإضافة إلى توفير التسهيلات اللازمة للمستثمر من أجل الشروع في إقامة مشروعاته.
ويقول الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن قناة السويس هى أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب بفضل موقعها الجغرافى المتميز، وخلال السنوات الأخيرة حظيت قناة السويس باهتمام كبير وعمليات تطوير على مستوى البنية التحتية، وكذلك حفر قناة السويس الجديدة، وتوسيع الغاطس للمجرى الملاحى للقناة القديمة، وذلك جعل قناة السويس تنافس أى مشروعات أخرى مزعومة، وبالتالى فإن الحديث عن بدائل هو غير واقعي.
ويوضح الخبير الاقتصادى لـ«البوابة»، أنه بالنظر إلى قناة السويس فإننا نجد أن ١٠ ٪ من شحنات النفط تمر عبر القناة، بالإضافة إلى أهميتها الكبيرة في خدمة التجارة العالمية التى تنقل منها نحو ٨٠٪ عبر البحر وتسيطر قناة السويس على ١٢ ٪ من التجارة العالمية العابرة عبر البحار والمحيطات، وأهمية قناة السويس لا يستطيع أحد أن يقلل منها وتنافسية القناة تظل مستمرة، وكذلك جهود التطوير التى تعمل على جعلها دائما في مقدمة الطرق الرئيسية لتجارة العالم.
ويضيف: «الأزمة الأخيرة للسفينة «إيفرجيفين» جعلت العديد من الدول تحاول استغلال الموقف من أجل الترويج لمشروعاتها على أنها بدائل على الرغم من انعدام المنافسة على حد كبير، حيث إن نجاح مصر في التعامل مع الأزمة الأخيرة أحرج العديد من تلك المشروعات، حيث تمت عملية الإنقاذ بمنتهى الاحترافية والمهنية، وفى انتظار الانتهاء من الإجراءات القانونية من أجل إنهاء هذه الأزمة، ومن الطبيعى أن يستغل بعض الأطراف استغلال الموقف».
وتابع: «لا يستطيع أحد أن يقلل من قناة السويس وبخاصة إذا جاءت المشروعات المطروحة من دول غير صديقة، إلا أن الأزمة الأخيرة أظهرت أن قناة السويس ليست مهمة بالنسبة لمصر فقط بل هى مهمة بالنسبة للعالم أجمع، فأسعار النفط ارتفعت نظرا لتعطل القناة، العالم كله انقلب رأسا على عقب بعد تعطل قناة السويس». واختتم الإدريسى حديثه قائلا: «الحديث عن البدائل هى عبارة عن تصريحات أقرب للسياسية، ومصر لديها أدواتها للرد على هذه التصريحات، كما أن الأزمة الأخيرة أفرزت العديد من الدروس المستفادة أهمها الاستمرار في عمليات التطوير على مختلف المستويات من أجل مواجهة هذه المحاولات الفاشلة من قبل بعض الدول للتقليل من أهمية القناة، من خلال العمل على تطوير قواعد البيانات وأساليب التشغيل والحركة في القناة».