الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

چورچ الصباغ.. أيقونة الفن التشكيلى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في نهايه القرن التاسع عشر، بدأ العصر الذي سطع فيه رواد الفن التشكيلي.. رحّالة بين مصر وفرنسا وإيطاليا.. كل خطوة من خطواتهم تاركة صدى راسخا بآذاننا إلى الآن، وما يثير دهشة طلاب العلم ندره ذكر اسم الفنان "جورج صباغ" في كتب الفن برغم من إبداعه حيث كان منخرطًا في الحياة الثقافية والفنية بعاصمة النور باريس، والذي لعب دورًا كبيرًا في الانتقال من الفن الانطباعي والفن الأكاديمي إلى الفن التجريدي والرمزية والحركات المبكرة الأخرى للحداثة.
چورچ حنا صبّاغ الذي ولد في عام 1887 لعائلة كاثوليكية ثرية من أصول سورية لبنانية كانت تعيش بالإسكندرية، درس في مدرسة الآباء اليسوعيين (تاجروينت) الفرنسية بالقاهرة، ثم أرسله والده حنّا الصباغ أحد المعنيين بمشروع التطوير العمراني لهليوبوليس، عام 1906 إلى باريس في سن التاسعة عشرة لدراسة القانون والعيش مع أخته، واستمر في الإقامة بباريس حيث احترف بعد ذلك مهنة الرسم الملون لأنه موهوب بالفطرة.
بدأ في تلقي دروس التصوير في مرسم لوسيان ليفي - دورمير قبل أن يلتحق لفنون ولذلك أمضى سنوات في باريس في رفقة الرسامين والمثالين دؤبا في زيارة قاعات المتاحف ومعارض الفن، كان شبيها بمحمود مختار في انطلاقته من باريس، ففي حين عمل "مختار" في مصنع للذخيرة فترة الحرب العالمية الاولي، عمل "جورج صباغ" في محل لبيع السيارات، ممتلئين عشقًا للفن كما يشترك مع الفنان "محمود سعيد"، و"محمد ناجي" في أن الفن أخذ بشغف قلبهما رغم دراسة القانون ورغبة الأهل في تلك الفترة في هذا التوجه الذي كان يأهل الدارسين للقانون من مكانة سياسية كبيرة.
توقف والده عن إرسال أموال له حتى يعود ابنه إلى دراسة القانون، ثم التحق بأكاديمية رنسون للفنون التي فيها تعلم أساليب فيها الرسم والتصوير مع فنانين آخرين متعددي الاتجاهات وتُعد هذه المرحلة هي مرحلة التكوين بالنسبة للفنان.
عام 1916 تزوج جورج صباغ من فتاة فرنسية تدعى مونيك وبدأ إقامة معارضه الفنية في باريس وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 كان عضوًا من أعضاء جماعة النابيز، وهم مجموعة من الفنانين الفرنسيين الشباب الناشطين في باريس من عام 1888 حتى عام 1900، وبدأ الناس في العالم يبتهجون لانتهاء الحرب وظهر ذلك في لوحاته مثل لوحة (الطفل ذو القبعة) و(أنشودة السلام).
تميز فنه بالرصانة والرسم بقوة وبشكل يومي واكتسب من وجوده في باريس الثقافة الفنية وحرية التعبير، ولم يتأثر بالتأثيرية التي كانت نقطة انطلاق الفن الحديث، واتخذها الفنان "يوسف كامل" اسلوبا بعد دراسته في ايطاليا.
لم يتبن جورج صباغ اتجاها فنىا معينا وإنما كان واقعى النزعة ومستقل الفكر كانت موضوعات لوحاته المفضلة هي تصوير المناظر الطبيعية وخاصة في مصر وباريس وقبرص، فالطبيعة عند صباغ هي مصدر الجمال وكذلك صور الأشخاص والتكوينات الساكنة من الأزهار والأشخاص والثمار وتأثر بالمذهب التعبيري والمذهب التكعيبي الذى كان مستحدثًا على أيامه مع ميله أحيانًا إلى المذهب الرومانسي، حيث وجدت ظلال من التراجيديا والدرامية في لوحاته واهتم بالتشكيل الجمالي مع نفحة زخرفيه، ويُعد من رواد الحداثة في القرن العشرين.
انبهر صبّاغ بتجربة كلود مونيه رائد المدرسة التأثيرية، في رسم واجهة كاتدرائية روان في ساعات مختلفة من النهار والليل لاكتشاف تأثير الضوء واللون على أسطح الكاتدرائية باختلاف الوقت، وهو ما ترك أثره على صبّاغ في تفسيره للظواهر الطبيعية؛ مثل العواصف الرملية والزوابع.
تطوّع جورج في الحرب العالمية الأولى (1914-1915) مع الجيش البريطاني، وتزوج من المؤرخة الفنية والناشطة السياسية أجنيس هامبرت (1894-1963)؛ ابنة السيناتور تشارلز هامبرت، وأنجب منها ولديه پيير صبّاغ وچان صبّاغ، أصبحت أجنيس هامبرت فيما بعد بطلة للمقاومة في الحرب العالمية الثانية.
في العام ذاته، أمضى صبّاغ عدة أشهر في فيللا موريس دينيس الواقعة في قرية بيروس - جيريك في بريتاني بفرنسا؛ وأقام أولى معارضه الفردية في جاليري "شيرون بباريس، وكان معرضًا ناجحًا أصبح بعده صبّاغ فنانًا معروفًا في باريس، وشارك بتجربته مع العديد من فناني مرحلة ما بعد الحرب؛ مثل موديجلياني وإييڤ أليكس وچول إيميل زينج وهنري دي واروكييه وفوچيتا وكانوا ينتمون لما أطلق عليه الناقد الفرنسي چان كاسو دمج هؤلاء الفنانون تجارب مدارس النابية والتكعيبية والوحشية، مع البحث في الوقت ذاته عن شكل جديد للواقعية.
وفي عام 1920، عاد صبّاغ إلى مصر لحضور جنازة والدته وفي تلك الفتره قام برسم مجموعة من الأعمال ذات موضوعات متعلقة بالأسرة والأمومة، وقام بعدها بعدة رحلات أخري، حيث صادق الفنانون المصريون الرواد ورسم عددا من اللوحات التي تناولت موضوعات مثل الأهرامات وأبوالهول وقرية نزلة السمان وبعض الكنائس والصحاري وهرم سقارة المدرج والنخيل ونهر النيل والمراكب الشراعية وأقام معارض فنية في فرنسا نقل فيها جمال القاهرة إلى باريس.
في العامين 1920 و1921، جذبت أعماله "عائلة صبّاغ في باريس" و"عائلة صبّاغ في لا كلارتيه" و"عارية بالفراء" الأنظار في "صالون الخريف" و"صالون المستقلين"، بعد عودته إلى فرنسا في عام 1922، شارك في "صالون المستقبل" بباريس، حيث لفت انتباه الكاتب ألبرت شنيبرجر الذي ألف دراسة تحليلية نُشرت في باريس عن أعمال صبّاغ في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، قرر صبّاغ قضاء الشتاء من كل عام في مصر.
فقام بتأجير استوديو في الدور التاسع ببناية في ميدان التحرير، وبدأ في رسم هضبة المقطم والقلعة عدة مرات لاختبار تأثير الضوء على كليهما.
‎كانت بورتريهات جورج تميل للتكعيبية بألوانها الداكنة وتمكن صبّاغ من اكتشاف مساره الفني، حيث قال "إنها المكان حيث الاختبار الحقيقي"، واتخذت أعماله نموذج الأرض الجرانيتية نموذجًا لها فكانت جادة وطوعية ومتينة ومضطربة.
استحدث صبّاغ لوحات سميكة بلمسات كبيرة من الرؤية المائلة، في عام 1929 حصل صبّاغ على وسام الشرف بدرجة فارس، ثم أصبح مواطنًا فرنسيًّا في عام 1930، وفي عام 1933، ترشح چورچ صبّاغ لمنصب أمين قسم التصوير في صالون الخريف كان مؤسسو صالون الخريف مجموعة من الفنانين والشعراء.
في عام 1936، عاد صبّاغ إلى مصر واستمر بها حتى عام 1945، في عام 1944، كان أمينًا للمعرض الفرنسي الذي أقيم بالعاصمة الجزائرية والذي تضمن أعمالًا من متاحف القاهرة والإسكندرية وبيروت، في عام 1951 سافر إلى سويسرا حيث أقام معرضين في جنيف ولوزان، وتوفي في 9 ديسمبر 1951.
‎أقام "صبّاغ" في خلال 64 عاما 28 معرضًا فرديًّا في فرنسا ومصر وشارك في أكثر من 130 معرضا جماعيا، وأعماله الفنية موجودة في أكثر من 150 مجموعة خاصة.
كتب چان صبّاغ (الابن الأكبر لچورچ صبّاغ) تقديرًا لأعمال والده چورچ حنا صبّاغ، وتضمن ذلك كتالوج يضم لوحاته ورسوماته، في عام 1981، أعد پيير صبّاغ وچان صبّاغ دراسة حياة والدهما وأعماله وتاريخه المهني.