تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أجرى الموقع الرسمي للجائزة العالمية للرواية العربية ضمن القائمة القصيرة حوارا قصيرا مع الروائية أميرة غنيم والتي وصلت روايتها "نازلة دار الاكابر" ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية.
تحدثت أميرة غنيم خلال هذا الحوار عن عن البحث الذي قامت به من أجل كتابة رواية "نازلة دار الأكابر"قائلا: "لم يكن البحثُ المتعلّق بنازلة دار الأكابر مرحلة سابقة عن التأليف بل كان في الواقع نشاطا محايثًا لفعل الكتابة. فمن أجل إحكام النسيج السرديّ احتجتُ أحيانا إلى الاستعانة بالوثائق التاريخيّة المتعلّقة بفترة الثلاثينات في تونس على وجه التخصيص، فكانت معظم مطالعاتي خلال الفترة التي كنت منكبّة فيها على كتابة الرواية موجّهة نحو ذاك المنحنى، ولمّا كانت بعض الأحداث متعلّقة بشخصيّات مرجعيّة فقد احتجتُ أيضا إلى تعميق معرفتي بهذه الشخصيّات وبالعلاقات الجامعة بينها وبالفضاء الذي كانت تألفه وتتحرّك فيه. ثمّة أيضا اشتغال على التراث اللاماديّ التونسيّ أحوجني بين الفينة والأخرى إلى استرفاد بحوث جامعيّة أو شرائط وثائقيّة أو حتّى شهادات شفويّة من حفّاظ الذاكرة الجماعيّة،وفي العموم، كنتُ منفتحة على كلّ ما يمكن أن يمنح السرد مصداقيّة ويمنح الرواية عُمقا معرفيّا لا يظهرُ للقارئ ظهورا مباشرا فجّا وإنّما يكون بمثابة الخلفيّة التي تُحدس حدسا ولا تُرى عيانا".
وتابعت غنيم:" أعتقد أنّ الكتابات المتأخّرة عن الطاهر الحدّاد تمكّنت من تصحيح صورته، بل كانت في مجملها منصفة له ولفكره بعد أن أوجد الزعيم الحبيب بورقيبة لهذا الفكر الإصلاحيّ شرعيّة اجتماعيّة بقوّة القانون من خلال إصدار مجلّة الأحوال الشخصيّة منذ فجر الاستقلال، وهي مجلّة قانونيّة استلهمت رؤية الحدّاد التنويريّة في خصوص المرأة والأسرة. غير أنّنا إذا عدنا إلى كتابات معاصريه، سواء في الصحف التي شنّعت عليه غداة صدور كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، أو في المؤلّفات التي صاغها شيوخ الزيتونة للردّ عليه، لاحظنا بيسرٍ نيّة التشويه والتزوير والتكفير التي صدر عنها هؤلاء. وهو الأمر الذي حدا بصديقه أحمد الدرعيّ إلى أن يكتب مؤلّفا عنوانه "دفاعا عن الحدّاد" جاء في مقدّمته أنّه "تصحيح للتاريخ لمن تهمّهم معرفته".
وأضافت غنيم انها تعتقد أنّ رواية "نازلة دار الأكابر"كانت في جانبٍ منها منخرطة في المسار التصحيحيّ المتعلّق بالرموز الوطنيّة، غير أنّها أسدلت أمام التاريخيّ حجاب التخييليّ معوّلة على نباهة القارئ الذي لن يغفل حتما عن الشفافيّة المميّزة للحُجب التي ينسجها الإبداع السرديّ، حُجب تكشف أكثر ممّا تستر، إذ لا يلبث القارئ/الرائيّ أن يستشفّ بقليل من التأمّل ما يثوي خلفها من أثافٍ ثلاث مسترسلة على خطّ الزمان المرجعيّ هي ماضينا وحاضرنا والبعض من آتينا.
أمّا القول عن الحدّاد بأنّه "قاسم أمين تونس" فأظنّه مفيدا لتلخيص جانب وحيد من المشروع الإصلاحيّ الذي نهض به الحدّاد، وهو ذاك المتصل بتحرير المرأة. غير أنّه ينبغي أن نلفت الانتباه إلى أنّ الطاهر الحدّاد لم يكن مصلحا اجتماعيّا فحسب، ولم يكن نضاله الفكريّ مقتصرا على موضوع المرأة. فعلى الرغم من حياته القصيرة، جمع الحدّاد في كتاباته بين محاور إصلاحيّة متشابكة، إذ كان مصلحا اجتماعيّا مدافعا مثل قاسم أمين عن حقوق المرأة، وكان أيضا مصلحا نقابيّا دافع عن حقوق طبقة العمّال في كتابه حول الحركة العمّالية بتونس في فترة العشرينات، علاوة على تأليفه كتيّبا في إصلاح التعليم الزيتونيّ، وهذا ما يجعله قائما على جبهات نضالية كثيرة لستُ أظنّها اجتمعت عند مصلح غيره لا في تونس فحسب، بل في العالم العربيّ أيضا.
وأوضحت غنيم إن قصة الطاهر الحداد وزبيدة هي هامش الرواية وإن الموضوع الرئيسي هو "الصراع التاريخيّ بين تصوّرينِ للوجود ورؤيتين للعالم كشفت عنهما الشهادات"، فقصّة الحبّ المتخيّلة بين الطاهر الحدّاد وزبيدة الرصّاع ذريعةً للسرد ليس إلّا. ولهذا لن يجد القارئ في نازلة دار الأكابر تفاصيل هذه العلاقة لأنّ منطق البناء التخييليّ يتعمّد حجب جانبٍ كبير منها فلا يُدرك إلّا تكهّنا ومن خلال التقاط إشارات عابرة. أمّا محرق الحبكة فقد كان موجّها لرصد التناقضات التي شهدها المجتمع التونسيّ خلال فترة الثلاثينات. وهي فترة غنيّة في تاريخنا الوطنيّ بالصدامات المثمرة على أصعدة مختلفة، سياسةً ومجتمعا وفكرا،كما حاولت الرواية استعادة هذه التناقضات وإبراز جذورها التاريخيّة والتلويح بآثارها وانعكاساتها على الحاضر التونسيّ من خلال تلك الشخصيّات المتصارعة التي، وإن تعايشت في بيئة واحدة وأحيانا تحت سقف واحد، فقد جسّد كلّ منها رؤية أخلاقيّة وقيميّة في تناحرٍ مع رؤية أخرى مختلفة عنها. هذا الصراع هو لبّ الحكاية وهو معطى أساسيّ لفهم التحوّلات الاجتماعيّة الطارئة على البيئة التونسيّة وما يشابهها من سائر البيئات العربيّة. أمّا تحديد الرؤيتين المتصارعتين فأتركه لعناية النقّاد وقد قرأت مؤخّرا مقالا للناقد المغربيّ محمّد برّادة يتعرّض إلى هذه المسألة باستفاضة مثيرة للإعجاب.