رغم الخوف الذي انتشر بين الناس كانتشار النار في الهشيم حول حقيقة وجود الفطر الأسود لدى مرضى كورونا في مصر خاصة بعد تصريح شقيق الفنان الراحل سمير غانم بأنه كان مصابا في عينه اليمنى بهذا المرض، إلا أن حقيقة الأمر لا تتعدى اكتشاف حالتين فقط حتى الآن كانتا تعانيان من فيروس كورونا. والعهدة على المصدر الموثوق في معلوماته وهو الدكتور حسام حسني رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورونا بوزارة الصحة.
لكن الحقيقة الأخرى هي أنه لا توجد دولة في العالم ليس بها الفطر الأسود بما في ذلك مصر حيث أنه ومنذ الفراعنة ثبت وجود هذا المرض بها. لكنه غير مُعدٍ وينشط فقط عند ضعف الجهاز المناعي والاستخدام المفرط للكورتيزون أو الأدوية المثبطة وهي حالات تعد على أصابع اليد وقابلة للعلاج ولا تدعو للقلق عند اكتشافها المبكّر.
لا أخفي عليكم أني منذ قرأت عن الفطر الأسود وأنا في ذهني هاجس العفن البنّي الذي يصيب البطاطس، ربما لكوني صحفية اقتصادية في الأصل وهذه قضية يتم متابعتها بشكل موسمي لأنها تؤرق المزارعين و الموردين للأسواق في الداخل والخارج وتكبدهم خسائر جسيمة. والغريب أني سرت وراء هاجسي، وبالبحث والمتابعة اكتشفت أنهما يعودان لمصدر واحد حيث يحدث داء الفطر الأسود بسبب عفن موجود في التربة والمواد العضوية المتحللة، مثل الأوراق المتعفنة. لكن البطاطس التي بها عفن بنيّ لا تسبب أمراضا لمن يتناولها وإنما جودتها تقل. وبنفس الطريقة، ينشط الفطر الأسود أحيانا داخل غرف الرعاية المركزة نتيجة الأوكسيجين الرطب ويتأثر المرضى فاقدو المناعة به فقط وفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. ومن هذا المنطلق، يحرص الأطباء على سرعة خروج المرضى من غرف الرعاية بمجرد تحسن حالتهم خوفا من وجود أي عدوى، على الرغم من التعقيم المشدد الذي يتم باستمرار في المستشفيات بوجه عام وفي غرف الرعاية بوجه خاص.
ربما هناك دواعٍ تستوجب القلق نظرا لأن الفطر الأسود يسبب إصابات بالغة ينتج عنها تلف في الأنسجة ويحتاج لتدخلات جراحية قد تؤدي لفقد عين المريض. لكن هناك أيضا ما يدعو للاطمئنان وهو أن هذه الظاهرة موجودة بكثافة في الهند وهذا الارتفاع الكبير في الإصابات له ما يبرره هناك وهو أن الهنود يعانون من الإصابة بداء السكري غير المنضبط على نطاق واسع، كما أن المرضى يصلون متأخّرين إلى الطبيب بعد أن يفقدوا الرؤية بالفعل!
كما يعتقد الأطباء أن ظهور العفن الأسود نتج عن استخدام المستشفيات الهندية المعالجة لمرضى فيروس كورونا الكورتيزون بكميات كبيرة، وهو ما أدى إلى رفع مستويات السكر في الدم خاصة لدى مرضى السكري ويُعتقد أن ضعف المناعة لديهم يمكن أن يؤدي إلى حالات الإصابة بالفطريات المخاطيّة.
ويعاني المرضى المصابون بهذه العدوى الفطرية عادة من أعراض انسداد ونزيف في الأنف وتورم واحمرار وألم في العين، وتدلّي الجفون وفقدان البصر في النهاية. ويمكن أن تكون هناك بقع سوداء من الجلد حول الأنف.
ويمكن أن يتماثلوا للشفاء بعد استخدام الدواء الوحيد الفعال ضد المرض حاليا وهو الحقن الوريدي بعقار مضاد للفطريات يسمى "أمفوتيريسين بي" مع جرعة يومية لمدة تصل إلى ثمانية أسابيع.
والنصيحة الآن من أطباء الهند -وهم بالمناسبة من "أشطر" أطباء العالم ونجدهم في المقدمة بأهم مستشفيات بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا- بضرورة اعتناء الأطباء بمرضى السكري أثناء علاجهم من كورونا وأن يمتد ذلك حتى بعد خروجهم من المستشفى بحيث يضبطون مستويات السكر في الدم لدى هؤلاء المرضى ونفس هذه العناية الخاصة مطلوبة لمرضى السرطان وفاقدي المناعة.
أما النصيحة الأخرى في ظل هذه الموجة الجديدة من سلالة الفيروس الخبيثة فهي تقليل عدد المصابين بكورونا في غرف العناية المركزة مع الحد من الأوكسجين الرطب داخلها لأن ذلك قد يكون مسؤولا أيضا عن تنشيط العدوى، كما أن المطلوب تناول دواء الكورتيزون تحت إشراف الطبيب، والحرص على اكتشاف العدوى مبكرًا لأنها عدوانية، وكشط الأنسجة الميتة وإزالتها.
وللحد من الخوف أو الفزع الذي يؤرق الناس حاليا، من الضروري التزام المواطنين بالإجراءات الاحترازية والحفاظ على أنفسهم ومناعتهم خاصة من يعانون السكري والمرضى الذين أجريت لهم عملية زرع أو مرضى السرطان.
أما واجب الأطقم الطبية فهو حيوي ورئيسي في الحفاظ على الحدود ومراقبة المسافرين القادمين من مختلف المطارات والموانئ لتفعيل نظام الترصّد للأوبئة الذي تتميّز به مصر ويختصّ بتتّبع كافة الأمراض الوبائيّة ومعدّلات انتشارها من عدمه لتقديم حلول سريعة لمواجهة الوباء، إضافة إلى ضرورة تطوير المسحة التي تكتشف السّلالة الهنديّة حيث من الواضح أن المسحات غير متطورة بشكل كاف لحد الآن لاكتشاف هذه السّلالة كما أن اللّقاحات غير فعّالة ضدّها لأن بها 12 طفرة، وهو ما جعلها تنتشر بقوة وتغير في جهاز المناعة.
olfa@aucegypt.edu