نجحت مصر في تجاوز أصعب المحن سياسيًا واقتصاديًا وماليًا وحتي الفوضي التي عمت المنطقة خرجت منها مصر بأقل قدر ممكن من الخسائر واستعادت الدولة هيبتها بمهارة واستكملت كل مؤسسات الدولة باستثناء المجالس المحلية الشعبية المنتخبة ورغم الوعود الكثيرة بمناقشة قانون المحليات في البرلمان السابق ومنحه الأولوية للبرلمان الجديد ولكنً لاشئ في الأفق يشير إلى إصدار قانون المحليات تمهيد لإجراء الانتخابات وقد أجرت الحكومة تعديلات عدة على مشروع القانون واستحدثت به مواد أخرى، وقد تم مراجعته أكثر من مرة بسبب استحداث بعض المواد، من بينها على سبيل المثال أنه لم يكن في البداية يذكر وجود نائب محافظ، ودور اللامركزية كان محدودا جدا في القانون وبما أن الدولة تعمل على تفعيل اللامركزية فكان لا بد من توضيحها أكثر، والأعداد المطلوبة لدخول المحليات 57 ألفا و600 عضو مجلس محلى على مستوى جميع المحافظات، ففى كل قرية 24 عضوا وفى كل محافظة 24 آخرون. وفقًا لوزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي، الذي توقع أن يخرج المشروع للنور قريبا ومن ثم إجراء انتخابات المحليات هذا العام. التي لم تجرى منذ العام 2008، ومنذ حل المجالس المحلية في يونيو 2011 والأمر هكذا فما المانع من تعيين مؤقت لكل أعضاء المجالس المحلية على الأقل كتدريب واكتساب الخبرات لجيل جديد من كل الكوادر وكاختبار للانتخابات الشاملة بعد إعداد قانون عصري للمحليات بعد أن تم تأجيل مناقشتة عدة مرات، خاصة أن الجماهير تكاد تكون قد نست المجالس المحلية بعد أن ظلت مجمدة منذ عشر سنوات ذلك بعد حل تلك المجالس بحكم من القضاء الإداري في يونيو عام 2011 استنادًا إلى حل مجلسي الشعب والشورى، وتعطيل الدستور، وحل الحزب الوطني الحاكم. وبات الفراغ في المحليات أمرا عاديا وألقي بعبئه على نواب البرلمان مما شتت الأدوار الرقابية والتشريعية لهم وأصبحت المجالس الشعبية المحلية هي الركن الناقص في البنية المؤسسية السياسية وكان الظن أن هذا القانون هو الأولى بالرعاية. ولكن الحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون أن إقرار هذا القانون من الصعوبة نظرًا للتعقيدات التي وضعتها لجنة صياغة الدستور فيما يتعلق بأسلوب انتخاب الأعضاء أو الصلاحيات الممنوحة لأعضائه. وقد أفرد الدستور فصلًا كاملًا ضمن باب نظام الحكم عن الإدارة المحلية يتكون من 9 مواد، إضافة لمادة واحدة في باب الأحكام الانتقالية، وجاءت المادة 180 لتكون بمثابة العمود الفقري للإدارة المحلية، خاصة عندما نصت على أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن 35، وربع المقاعد للمرأة على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن 50% من إجمالي عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسبة تمثيلًا مناسبًا للمسيحيين وذوي الإعاقة، وهو ما يستحيل تطبيقه عمليًا لاختيار 54 ألف عضو بنظام الانتخاب الفردي، بل لا يمكن التطبيق الدستوري لهذا النص إلا بنظام القائمة المطلقة المغلقة. وبات الأمر يستدعي إعادة النظر في باب الإدارة المحلية بالدستور لوضع نص منضبط، أو وضع قانون توفيقي يمارس لمدة محدودة وخاصة في حسم مسألة المحافظ بالانتخاب أو التعيين التي تركها الدستور اختيارية، وربما كانت المادة 242 بالدستور هي التي تيسر الأمر إلى حد ما بالنص على استمرار العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يطبق النظام المنصوص عليه في الدستور بالتدرج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه.
وهو ما كان من المفترض أن يمنح السلطة التنفيذية ومجلس النواب مساحة من التجربة، واختيار الأدوات قبل التطبيق الكامل لمبادئ اللا مركزية الإدارية والمالية والاقتصادية، إلا أن الواقع يشير لتآكل الهامش الزمني وضياع ما يقرب من الأعوام السبعة دون اتخاذ أي خطوات عملية.
وحتى إذا افترضنا البدء فعلًا بإقرار القانون وإجراء الانتخابات وتشكيل المجالس فسوف يصعب نقل صلاحيات السلطة المركزية إلى أُطر من اللامركزية للمحليات، بل لن يتمكن البرلمان فيما تبقى له من مدة من تعديل التشريعات اللازمة لهذا النقل الإداري والمالي والاقتصادي على أن المعضلة الأكبر هي النظام الانتخابي المقترح بين الفردي والقائمة، في ظل نمط انتخابي تفويضي يعتمد على المراحل والمستويات التراتيبية تتطلب من الناخب اختيار ممثليه لـ 3 مستويات محلية (قرية ومركز ومحافظة) بمعنى أنه سيكون مطلوبًا منه إبداء الرأي في 6 بطاقات اقتراع مختلفة؛ مما يفتح الباب للأخطاء والارتباك والزمن اللازم للتصويت؛ وهكذا فإن اقتراح تعيين مؤقت للمجالس المحلية الشعبية قد يكون أفضل تجربة لتلافي كل الثغرات.