استهدف الاحتلال الصهيوني الأبراج الإعلامية الفلسطينية بشكل واضح وجلي أمام العالم، فالقصف لم يكن عشوائيا كما كان في السابق، ولكن كان ممنهجا ومدروسا، وكأن الاحتلال هذه المرة أراد أن يعلنها أمام العالم أجمع وبكل "بجاحة وهمجية": نحن لسنا فقط ضد حرية الإعلام والصحافة.. بل نحن لا نريد إعلاما ولا صحافة من الأساس.
"مباني للإرهاب"، هكذا يحاول الاحتلال تبرير استهدافه للأبراج الإعلامية في غزة، بدعوى أنها أوكار إرهابية ومخابئ للسلاح، وعلى الرغم من أنه لم يقدم أي دليل مرئي أو مسموع أو حتى مجرد ورقة صغيره يثبت من خلالها زعمه، إلا أنه لا زال مستمرا في تدمير كل عين تنقل الحقيقة للتغطية على همجيته في قصف غزة.
إما شهيد وإما أسير أو جريح.. أن تكون صحفيًا فلسطينيًا فأنت هدف
أن تكون صحفيًا فلسطينيًا فهذا يعني أنك هدف مستمر لقوات الاحتلال، فلا قوانين تحمي ولا إنسانية تشفع لدى المحتل، ورغم المحاولات العديدة التى تصدرها إسرائيل عن مدى حرية الصحافة على أراضيها إلا أنه وبحسب الإحصائيات الأخيرة وثق "المكتب الإعلامي الحكومي" في قطاع غزة ٧٧٨ انتهاكًا إسرائيليًا بحق الصحفيين الفلسطينيين خلال عامي ٢٠٢٠ و٢٠٢١، فيما كشف نادي الأسير أنّ سلطات الاحتلال تعتقل ١٦ صحفيا في سجونها، في وقت صعّدت فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من استهدافها للصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين في مختلف الأراضي الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة. وأضاف المكتب: "الانتهاكات الإسرائيلية عام ٢٠٢٠ وصلت إلى نحو ٥٦١ انتهاكًا، فيما واصل الاحتلال جرائمه العام الحالي، والتي بلغت حتى ٣ مايو الجاري ٢١٧ انتهاكًا".
وشدد البيان على أن "الاحتلال يستمر في ضربه بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة عرض الحائط، من خلال الاستمرار في اعتداءاته، من دون أدنى اهتمام بالمواثيق والأعراف الدولية الضامنة لحرية الصحافة".
قتل واعتقال وتعذيب جسدي
ويتعرض الصحفيون الفلسطينيون إلى مختلف أنواع الانتهاكات، كالاعتداء الجسدي وإطلاق النار عليهم، والاعتقال، والقتل، وإغلاق مؤسساتهم الإعلامية. ويؤكد المكتب أن الانتهاكات بحق الصحفيين ووسائل الإعلام "اقترفت عمدًا". وشملت الانتهاكات جرائم التعرض للحق في الحياة والسلامة الشخصية للصحفيين، وكذلك استهداف الصحفيين وتعرضهم للإصابة المباشرة بالرصاص الحي والمعدني وقنابل الغاز السام وغاز الفلفل، والاعتداء عليهم بالضرب والتهديد، وغير ذلك من وسائل العنف أو الإهانة.
١٩ صحفيًا فلسطينيًا في سجون الاحتلال
وأكد رياض الأشقر مدير مركز فلسطين لدراسات الأسرى أن الاحتلال لا يزال يعتقل ١٩ صحفيًا فلسطينيا ما بين معتقل إدارى وموقوف، ومنهم من صدرت بحقه أحكام كبيرة جدًا.
وأضاف مدير مركز فلسطين لدراسات الأسرى، لـ"البوابة"، أن انتهاكات الاحتلال لحقوق الصحفيين لا تتوقف ما بين اعتقال واعتداء ومنع من العمل وحجز المعدات بل وصل الأمر لإطلاق النار عليهم خلال أداء عملهم الصحفي الأمر الذى أدى إلى استشهاد بعضهم وإصابة آخرين بجراح وإعاقات.
وأكد الأشقر أن الاحتلال يضرب بعرض الحائط كل المبادئ الأساسية لحرية الصحافة، من خلال الاستمرار في انتهاكاته، دون أدنى اهتمام بما يمثله الثالث من أيّار من كل عام، وهو التاريخ الذي يُحتفل فيه بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة؛ والذى أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٩٣.
٦٩ انتهاكًا صحفيا في العدوان الأخير على غزة
وبحسب وحدة الحماية القانونية للصحفيين التابعة لبيت الصحافة في فلسطين فقد بلغ عدد الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون والصحفيات من قبل الاحتلال الإسرائيلي ما بين ١١ إلى ١٩ مايو، وصلت إلى (٦٩) انتهاكًا للحريات الإعلامية في القطاع وقد طالت هذه الانتهاكات (٣٦) صحفيا وصحفية بالإضافة إلى (٣١) مؤسسة إعلامية حتى تاريخه.
وبحسب النشرة فقد توزعت الانتهاكات كالتالي: عدد (١) استشهاد صحفي، عدد (٩) إصابات جسدية في صفوف الصحفيين، وعدد (٤) إصابات بالهلع أو الصدمة، وعدد (٢٦) ضرر كلي بمؤسسات صحفية، وعدد (٧) ضرر جزئي بمؤسسات صحفية، وعدد (١٤) منازل يقطنها صحفيون قد تعرضت لأضرار نتيجة القصف، وعدد (٥) تدمير لمعدات صحفية.
صحفيو غزة للاحتلال: مستمرون في عملنا مهما كلفنا الأمر
لم يتوقع أبدا أن يصحو يوما ما على خبر هدم أعز ما يملك، ذلك الحلم الذي حلم به كثيرا وجاهد في إنشائه رغم كل الظروف والصعاب التى مرت به أدت إلى بتر قدميه، وبدلا من أن يتبادل التهاني في أول يوم العيد، تحولت تلك التهاني إلى مواساة له.
ومن أمام مكتبه الذى دمره الاحتلال قال "مؤمن فايز": " في هذه الصورة أقف أمام حلمي.. هذا حلمي الذي حملته على مدى سنوات عملي في نقل الحقيقة مكتب idea شركة إنتاج إعلامي وصحفي أردتها أن تكبر رعيتها مثل ابني الصغير كنت سعيد بنجاحها ".
وتابع: "اليوم في أول يوم عيد دمرها الاحتلال الصهيوني وسوى العمارة في الأرض.. ليس شيء جديد على الاحتلال هذا ديدنه.. ومع ذلك ستبقى عين الحقيقة "
" شعور مؤلم أن أرى أمام عيوني استهدافنا كصحفيين " هكذا عبرت الصحفية سماح سامي المبحوح عن شعورها تجاه ما يحدث في غزة من جرائم استهداف الصحفيين من قبل الاحتلال.
وتابعت " على الرغم من محاولة الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العدوان على قطاع غزة، استهداف الصحفيين وتدمير المؤسسات الإعلامية بالكامل لإسكات صوت الحقيقة ومنعه من فضح جرائمه والمجازر التي يرتكبها بحق المدنيين في بيوتهم، إلا أن التغطية مستمرة ومستمرين في توثيق صور الضحايا ليرى العالم أجمع أن الإعلام صوت من لا صوت له، وأن الصحفي سيبقى على رأس عمله لإيصال رسائل الجرحى وذوي الشهداء".
وأضافت سماح " شعور مؤلم أن أرى أمام عيوني استهدافنا كصحفيين وتدمير مؤسساتنا الإعلامية من احتلال إسرائيلي لا يرحم، تلك المؤسسات التي احتضنت أحلامنا وأفراحنا وأطراحنا، تلك التي مكثنا فيها أوقات أكثر من بيوتنا، هي ذاتها عشت فيها ذكريات جميلة مع زملائي، أمضينا نوثق داخلها حروب واعتداءات عدة، وعلى الرغم من محاولة الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العدوان على قطاع غزة، استهدافنا كصحفيين وتدمير مؤسساتنا الإعلامية بالكامل لإسكات صوت الحقيقة ومنعنا من فضح جرائمه والمجازر التي يرتكبها بحق المدنيين في بيوتهم، إلا أننا سنواصل التغطية ونشر صور الضحايا ليرى العالم أجمع أن الإعلام صوت من لا صوت لهم وسنبقى على رأس عملنا لإيصال رسائل الجرحى وذوي الشهداء، وسنعمل من جديد على بناء أرشيف يحفظ معالم هذا العدوان الإسرائيلي الوحشي على القطاع، ليستخدم كدليل إدانة أمام المحاكم الدولية.
فيما قالت نور عبد الكريم عليان صحفية بغزة "هذه المرة كانت مختلفة عن الحروب الماضية، الاحتلال يحاول أن يدمر وجه الحقيقة في غزة، لا يريد من الصحفيين المتواجدين بغزة إظهار إجرائمه للعالم أجمع، فأصبح يستهدف مكاتب المؤسسات الصحفية والإعلامية، ويحاول أن يخفي معالم الصحافة بغزة.
وتابعت "هذا الاحتلال ليس لديه وجهة حقيقية مستهدفة ويعتبر كل من في غزة محط أهدافه، لم يسلم الطفل الصغير النائم في بيته، ولم تسلم النساء ولا الرجال ولا كبار السن من عدوانه المجرم، فامسى يستهدفهم فيجعلهم أشلاء تحتضنهم الأرض.
وواصلت: "نحن الصحفيين لن تثنينا قصفكم لمقراتنا وذكرياتنا وأماكن عن عملنا عن إظهار إجرامكم بحق أبناء فلسطين، وسيبقى الصحفي بغزة مستمرا بنقل رسالتنا الموجعة لكل ضمير حي، وليرى العالم أجمع حماقة ما تفعلونه بحق غزة، وسنظل نقاومكم بهذه الحقيقة، فالله معنا وحامينا وجعلنا جنودا في الأرض لفضح همجيتكم وإنسانيتكم المنعدمة.
ويقول معتصم مرتجي "الاحتلال أصر أن يطمس هذه الحقيقة التى نقدمها ونكافح من أجلها، ومن تحت الركام نصر على إكمال عملنا، ونحن كنا حاضرين من بداية الحرب الغاشمة على قطاعنا الحبيب "غزة" وأتذكر جيدا أننا في الثلاثة أيام الأولى لم ننم أبدا لنثق كل ما يحدث ونجعل العالم كله يرى مدى الوحشية والهمجية، وفي أول أيام العيد قررنا أن ننام نصف ساعة فقط ولم نكن نعرف أن الاحتلال سيدمر فيها كل ما نملك، لنجد أن مكتبنا أصبح ركاما والتهمة هي نقل الحقيقة ".
وتابع "هذا مكتبي الوحيد الذى أعتبره مصدر إلهام ونقل للحقيقة وأصر الاحتلال أن يقتله بهذه الهمجية الوحشية وأن يفقدنا كل ذكرياتنا ولكن رسالتنا باقية وتغطياتنا مستمرة ونحن مازلنا على نفس العمل ولن نتوانى لحظة بل سنزيد، فهذه الضربة كما أوجعتنا ستزيدنا قوة".
حتى "إذاعة الأسرى" لم تسلم من القصف
فجأة اختفى صوت المذيع بين أصوات الانفجارات.. صمت الجميع.. المذياع لم يعد يعمل.. أمسك أحد الأسرى تلك التي أصبحت قطعة من الحديد يقلبها يمينا ويسارا ولكن دون فائدة، ظنوا أن هناك شيئا ما قد حدث، ليعلموا جميعا فيما بعد أن الاحتلال استهدف برج الجلاء والذي يضم عدة مكاتب من ضمنها إذاعة صوت الأسرى.
لم تكن إذاعة الأسرى بالتحديد إذاعة عادية، ولكنها كانت الموجة الإذاعية الوحيدة التي تربط الأسير بأهله حيث لا زيارات ولا تواصل إلا عبر هذه الإذاعة.
كان ذلك القصف والذي حدث تحديدا يوم السبت ١٥ من مايو، قد شكل وقعا مؤلما على الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، وشكلت إذاعة صوت الأسرى منذ تأسيسها حلقة وصل بين الأسرى وذويهم، وكانت دوما تحمل رسالة تحد لإجراءات الاحتلال التعسفية، لاسيما في منع زيارات الأهالى منذ فترة طويلة بحجج واهية من قبل الاحتلال، ووثقت تجربة الحركة الوطنية الأسيرة عبر سلسلة من البرامج الإذاعية التي تناولتها مع عدد من المحررين والمؤسسات التي تتابع انتهاكات سلطات الاحتلال بحق الأسرى، كما أن انطلاق هذه الإذاعة في إطار شبكة القدس للإنتاج الفني والإعلامي كان عملًا استثنائيًا خدم قضية الأسرى ودفع باتجاه تعزيز معنوياتهم وإرادتهم.
وكانت الإذاعة تغطي ما مساحته ٧٠٪ من السجون الإسرائيلية، وغالبية مدن الضفة الغربية ومناطق فلسطينية في الداخل.
ويقول الدكتور رأفت حمدونة عضو مجلس الإدارة في الإذاعة أنه " قدمت نموذجا مهنيا ووطنيا وشارك في إعداد البرامج وتقديمها مجموعة من الأسرى المحررين الذين أمضوا فترات طويلة متفاوتة في سجون الاحتلال، الأمر الذي كان له دور كبير في تعزيز قضية الأسرى من خلال معايشتهم لهذا الواقع داخل السجون الإسرائيلية، وشكلت خطوة فعلية مهمة على صعيد تكوين إعلام فلسطيني مقاوم ".
وأكد حمدونة أنه ورغم قلة الإمكانيات، حملت الإذاعة رسالة وحدوية تحت شعار (صوت القضية الفلسطينية صوت الوحدة الوطنية)، وتبنت محتوى بمضامين إنسانية ووطنية ومهنية، وعملت من خلالها إبراز معاناة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية وما يتعرضون له من تعذيب وانتهاكات متكررة، واستقبال المحررين والمحررات وأهالي الأسرى والحديث عن حكايات وروايات الاعتقال والنضال والحرية، وواجهت سياسة سلطات الاحتلال بتصوير الأسرى على أنهم مجرمون وإرهابيون وقتلة ومخربون، والتي حاولت من خلالها تضليل الرأي العام العالمي بهذه القولبة السلبية.
واستنكرت إذاعة صوت الأسرى، تدمير مقرها الكائن في برج الجلاء في مدينة غزة، وقالت الإذاعة في بيان لها، أن هذا العمل الإجرامي لن يوقفها عن العمل لنقل هموم وآلام الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال. وأضافت أن تدمير البرج الذي يضم العديد من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية والعربية يؤكد مدى تأثير الرسالة الفلسطينية على إرهاب الاحتلال. وختمت إننا نعد جمهورنا الفلسطيني والأسرى داخل سجون الاحتلال أن نعود ولن تستطيع آلة القمع والإرهاب أن تسكت هذا الصوت الحر.
يشار أن الاحتلال دمر برج الجلاء بعد أن سمح للمتواجدين بداخله بالإخلاء خلال وقت قصير ولم يسمح لهم بأخذ كافة أغراضهم، خاصة أن المكان فيه الكثير من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية، والتي تمتلك معدات عمل كثيرة قد تعرضت للقصف.
وقال الصحفي باسل خير الدين أحد مذيعي الإذاعة أن "إذاعة صوت الأسرى شكلت جسرًا حقيقيًا للتواصل مع الأسرى، هي صوت الأسرى ونبض همومهم وحاملة قضاياهم للجمهور المختلف، وظلت طوال السنوات الماضية تذكر الجمهور الفلسطيني بقضية الأسرى من خلال تنوع برامجها ومعالجاتها الإعلامية للتفاصيل الدقيقة في قضية الأسرى، لقد كانت كجناح طيرٍ يحلق عاليًا في سماء الحرية، يرفرف فوق أسوار السجون، ويثبت للأسرى بأن الحرية باتت أقرب من أي وقتٍ مضى.
وتابع " نعم استطاع الاحتلال أن يستهدف الإذاعة بصواريخه الإجرامية الحاقدة، وأن يدمر مقرها وأجهزتها، وأن يحطم أحلامنا وذكرياتنا وتعبنا وجهدنا المستمر منذ ١١ عامًا، لكنه وبرغم غطرسته وعنجهيته لن يستطع أبدا أن يمحو دور الإذاعة أو تاريخها، ولن يستطيع إيقاف رسالتها، وستبقى إذاعة الأسرى بيتًا لكل الأسرى والمحررين وموجة تنطق باسمهم وبمعاناتهم، وأملنا أن تعود للعمل والانطلاق من جديد من تحت الركام كطائر الفينيق وتصدح بالحق عبر أثير موجة FM.