أعود إليكم بشغف لاستكمال ما بدأناه معا في الحديث عن عالم الموسيقى، كنا قد قدمنا 10 حلقات بدأناها بالتعريف بمجال العلاج بالموسيقى، ثم تناولنا تاريخ العلاج بالموسيقى وأوضحنا أنه مثل أى علم من العلوم، بدأ بالخرافة ثم انتقل إلى مرحلة العلم.. وهى قصة الإنسان مع مختلف الظواهر الطبيعية، وحياته الاجتماعية والنفسية والجسمانية، كما تحدثنا عن استخدام الموسيقى لأجل صحة وسعادة وراحة الإنسان، وأكدنا أنها ليست فقط شيئًا ترفيهيًا، ولا هى محصورة في مجال الفلسفة أو العبادة، بل استخدمت للتأثير على النواحى العقلية والعاطفية والجسمانية والحركات اللا إرادية.. حيث إنها لغة الانفعالات والعواطف، فتغير الأحاسيس والانفعالات بشتى أشكالها، المرحة أو الحزينة، الهادئة أو العنيفة، الدافعة إلى الهدوء والتأمل أو الدافعة إلى الحماس والثورة.
أداة نضالية ضد الاحتلال.. ولنا في فلسطين «نموذج»
فالموسيقى والعلاج رفيقان، لم يفترقا خلال أحقاب تاريخ الإنسان.. فهى من أقدم الوسائل العلاجية، لذا استخدمت منذ أقدم العصور بطريقة بدائية.. ثم تطورت إلى ما وصلت إليه في عهدنا هذا، بناء على دراسات وتجارب تقبل المزيد من التطور، وواصلنا الحديث عن قوة وقدرة الموسيقى على التعبير عن خلجات النفس البشرية، وأنها اتصال لا كلامي: «عندما تتوقف القدرة على الكلام تبرز الموسيقى»، واختتمنا حديثنا في الحلقات السابقة إلى ما توصل الخبراء إليه من معرفة تأثير الآلات الموسيقية المختلفة على وظائف الحركة في الجسم، وكذلك تأثير الأشكال الموسيقية والغنائية على تحقيق نفس الهدف.. ونواصل في هذه الحلقة تناول تأثيرات الموسيقى على الإنسان.
تأثير الموسيقى في تنشيط المخ
البروفيسور شارل بيريند (Chales Behrend) بهاهمبورج هو أول طبيب يستخدم الموسيقى في تنشيط المخ.. وقد لاقت مجهوداته في هذا المجال حتى الآن نجاحا عظيما.
وفى مجال تنشيط المخ، أثبت بريبرام (Pribram) بتجاربه حدوث استجابات كهربائية بالجلد نتيجة زيادة تدفق الدم بالرأس، كما أثبتت تجارب أخرى حدوث اليقظة نتيجة النشاط الكهربائى لأجزاء المخ المتصلة بالأذن الداخلية.. كل ذلك بفعل الموسيقى.
كما أثبتت تجارب ميخائيل موجندوفيك (Mihkal Magendriof) وفيرا بولياكوفا (Vera Polyakova) أن زمن رد الفعل الحركى نقص بمقدار٢ من الألف من الثانية، والوظائف الجسمانية والذاكرة تحسنت نحو مائة في المائة.
الموسيقى في علاج الشلل الرعاش:
شمل هذا النوع من العلاج تعرض المريض لسلسلة من المؤثرات الصوتية المتباينة السرعة والحجم مع اختلاف درجة الرعشة، ولقد أمكن التحكم في شدة وسرعة وثبات الرعشة بواسطة مؤثرات صوتية وبصرية.
وفى تقرير لاحق أشار الباحثون إلى أن الموسيقى المختلفة لها آثار مختلفة على سرعة الرعشة، فالموسيقى البطيئة الهادئة تخفض سرعة الرعشات إلى أدنى درجة – نحو ٦٥ في الدقيقة – أما موسيقى المارشات العنيفة فتزيد من سرعة الرعشات حتى تصل إلى مائة في الدقيقة.
الموسيقى في إجراء العمليات الجراحية:
الجراح الإيطالى الدكتور جاتونزابيللا (Gatonozabella) أجرى ٣٠٠٠ عملية جراحية، استخدم فيها المخدر الموضعى واستعان بالموسيقى الهادئة الناعمة، لتهدئة الحالة النفسية لمرضى أثناء الجراحة.
مجالات أخرى لاستخدامات الموسيقى:
١- الموسيقى والإنتاج في العمل:
ليس استخدام الموسيقى في العمل بالشيء المستحدث، فلقد استخدمها الناس منذ أقدم العصور في أعمالهم. ولعل أبرز مثال لهذه الحقيقة- وهو ما سبق الحديث عنه – استخدام عامل البناء والبحار وغيرهما الأغانى والألحان أثناء العمل. هذا النوع من الأغانى لم يكن فقط جزءا من الطقوس، ولكن كان يستعملها العاملون في التعبير عن شعورهم تجاه عملهم ورؤسائهم ولنتأمل خاصة بعض أغانى الزنوج الأمريكيين أيام العبودية.. ففى أحيان كثيرة كان الغناء يقوم بالتنفيس عن الشعور بالقهر والاضطهاد.
علاوة على ذلك تستخدم الموسيقى أيضا أثناء الصيد لتتجمع الأسماك عند سماع هذه الموسيقى، مما يساعد الصيادين على صيد كميات أكبر من الأسماك، مثلما يحدث الآن في بحيرة قارون وغيرها من أماكن الصيد.
والحديث عن أثر الموسيقى على العمل والإنتاج يتطلب ملاحظة نوعين من التجارب والخبرات حول هذه الموضوع.
(أ) استخدام الموسيقى على العمل والإنتاج يتطلب ملاحظة نوعين من التجارب والخبرات حول هذا الموضوع.
(ب) إدخال الموسيقى إلى مكان العمل نفسه وأثناء الإنتاج.
ولأن معنوية العامل من أهم الأسباب لاكتساب الكفاءة ولزيادة إنتاجه، وكما أن زيادة الكفاءة الصناعية هى الهدف الرئيسى من استخدام الموسيقى أثناء فترات العمل، فإن التجارب حول دقائق هذا الموضوع لا تتوقف. ولعل التجارب الإنجليزية في هذا الميدان تلقى المزيد من الأضواء عليه.
** أهم التجارب لتأثير الموسيقى على العمل:
١- لقد سبق أن بين علماء النفس الصناعيون أن الملل في بعض أنواع العمل يبلغ منتهاه في نحو منتصف فترة العمل.
ويظهر هذا الملل في صورة سلوك قلق، ويؤدى إلى نقص في معدل الإنتاج. وانطلاقا من هذه الحقيقة، أجرى ويات ولانجدون (Wyatt and Langdon) بإنجلترا دراسة تعتبر طليعة في هذا الميدان، نظرا لطابعها التجريبى الشامل.
وقد كشفت هذه الدراسة أن العمال يقاومون الملل تلقائيا بالغناء والتحدث وبأنشطة أخرى مختلفة. وعندما أديرت أسطوانات على الفونوغراف، ارتفع الإنتاج بنسبة تتراوح ما بين ٢.٦٪ إلى ٦٪ فعلى الرغم من أن المعدل أظهر تحسنا ملموسا بالموسيقى، إلا أن الأشخاص اختلفوا في ردود فعلهم لها. أغلبية العمال استفادوا، ولكن عددا منهم تأثر تأثيرا ضئيلا أو معدوما. هذه النتائج تتفق مع ما ظهر نتيجة اختبارات أخرى خاصة بالتشتيت.
وأوضح تفسير لذلك هو أن الموسيقى تؤثر في المرتبطين بأعمال تدور على وتيرة واحدة "مملة"، وإلى حد كبير يدوية، وتحتاج إلى تركيز قليل بعد أن يتعلمها الشخص، في حين أنه إذا كان الشخص منهمكا في حل مسألة هندسية معقدة، فقد تشتت الأصوات انتباهه.
ويضيف وايات ولانجدون أن الآثار الطيبة تبدأ في الانخفاض عندما تزداد جرعة الموسيقى عما يجب (أى طوال أو معظم فترة العمل). ويبدو هذا واضحا على الأخص بالنسبة للسيدات- كما سبق أن ذكرنا في الباب الأول – وخصوصا عند من يقمن بأعمال تبعث على الملل.
كما أن هذه الدراسات أثبتت أن نوعية الموسيقى لها تأثيرها في ازدياد أو نقص الإنتاج، وليس مجرد تفضيل العامل لها.
٢- في دراسة على طلبة تدريب في التعليم الميكانيكى والإصلاح التابع لمدرسة بسلاح الإشارة، وجد كير (Kerr) أن تأثير الموسيقى على العمال يتجسد في الحقائق التالية:
* حسن الشعور نحو الزملاء.
* ساعدهم على نسيان تعبهم.
* ساعدهم في أداء المهام الشاقة.
* ساعدهم في نسيان همومهم.
٣- في سلسلة أخرى من التجارب أجريت على طلبة، ثبت أن الأنواع المختلفة من الموسيقى تسبب تغييرات ليس فقط في قدرة العمل، ولكن أيضا في الجهاز الدورى والنبض. فقدرة العامل كانت على أشدها أثناء سرعة النبض وارتفاع ضغط الدم عن الضغط الطبيعي، بسبب الموسيقى المرحة السريعة. كذلك، رجع النبض وضغط الدم لطبيعته عندما ترافقه موسيقى مرحة، ويعود لطبيعته مع الموسيقى الهادئة.
لحن القدس الشجى
إلى هنا انتهت حلقتنا لكن قبل أن أترككم أود أن أؤكد لكم أن الموسيقى والغناء سلاحان لا تقل أهميتهما عن الأسلحة الحربية، فمن خلالها تستطيع التعبير عن نفسك وعرض قضيتك وتوصيل صوتك إلى أبعد مدى وليس أدل على من تلك الموسيقى التى تعلقنا بها، والتى استطاع من خلالها الأخوان رحبانى التعبير عن مشاعرنا جميعا تجاه فلسطين والقدس حينما اجتمعت ألحانهما مع حنجرة العظيمة فيروز ولعلنا نلاحظ في الفترة الأخيرة، بعد عولمة الإعلام وانتشار الفضائيات، أن الموهوبين الفلسطينيين بدءوا في استخدام الموسيقى، كتعبير عن الهوية وأداة للتأثير وقد نجحوا في استخدامها كأداة نضالية في خدمة قضية عادلة.
لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّي
لأجلك يا بهيّة المساكن يا زهرة المدائن
يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّي
عيوننا إليك ترحل كل يوم
تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة
وتمسح الحزن عن المساجد
البيت لنا والقدس لنا
وبأيدينا سنعيد بهاء القدس
بأيدينا للقدس سلام آتٍ