بدأت القوات الأمريكية وقوات الناتو بالانسحاب من افغانستان تدريجيا، بعد عشرون عاما من الدمار والقتل في مواجهه الإرهاب في افغانستان، حيث يطرح الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان فرضيات متعددة لمرحلة ما بعد إتمام الخروج الأمريكي من هذه الدولة.
وشكلت على مدى تاريخها المعاصر نقطة جذب وتصادم لسياسات ومصالح الدول الإقليمية القريبة منها والمحيطة بها، التكهنات بشأن اليوم التالي لا تقتصر على الوضع الداخلي، حيث حركة طالبان ومسلحوها يتمترسون خلف حصونهم الأيديولوجية ومشاريعهم العسكرية وفلسفات نظام حكم خاص بهم، وحيث تشير أيضًا كثير من الملامح إلى وجود بؤر لتنظيمات إرهابية كالقاعدة وداعش في بعض المناطق، علاوة على تكتلات قبلية مسلحة وكلها لا تزال تتحيّن فرصة الظفر بالسلطة والسيادة على البلاد أو على جزء منها، تقابل ذلك حكومة منتخبة تفرض سلطتها على جزء من البلاد وتخوض مواجهات ومعارك مع بعض فلول "طالبان" في عدة محاور من البلاد، دون أن تتمكن من تحقيق نصر حاسم عليها.
يذكر أن حركة طالبان سيطرت الخميس الماضي، على منطقة بإقليم لاجمان بشرق أفغانستان، لتضيفها إلى مجموعة من مكاسبها الأخيرة،وقال العضوان بمجلس الإقليم عتيق الله عبدالرحيم ضيا وجولزار سانجاروال، إن الحركة حاصرت منطقة دولت شاه النائية بالإقليم لمدة شهر على الأقل.
وعلى مدى أكثر من أسبوع، حاول الجيش الأفغاني توصيل تعزيزات ومعدات للقوات الحكومية المحاصرة في المنطقة، ولكن طالبان أحبطت هذه الجهود.
وتخوض حركة طالبان قتالا ضاريا مع القوات الأمنية في منطقة أخرى، مما يضيف للمخاوف بشأن الوضع الأمني بأكمله في إقليم لاجمان.
وكانت حركة طالبان قد سيطرت منذ أسبوع على منطقة إستراتيجية في إقليم وارداك، وسط البلاد، بالقرب من العاصمة كابول. كما سيطرت الحركة منذ أيام على منطقة بإقليم باجلان بشمال البلاد.
يذكر أن حركة طالبان كثفت من هجماتها على عواصم الأقاليم ومراكز المناطق، والقواعد الأمنية الأكبر عقب بدء انسحاب القوات الدولية من أفغانستان في الأول من مايو الجاري.
من جانبه قال مكتب المُفتش العام الأمريكي، الاسبوع الماضي، إن هجمات حركة طالبان على القوات الحكومية الأفغانية ازدادت رغم جهود السلام مشيرا إلى أن العنف تصاعد في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021.
ونقلت وكالة أنباء (خامة برس) الأفغانية عن تقرير جديد صادر عن المفتش العام الأمريكى أن طالبان زادت هجماتها بنحو 37 في المائة في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بالفترة نفسها في عام 2020.
وقال التقرير إنه من المحتمل أن تكون طالبان مستعدة لشن هجمات واسعة النطاق على عواصم الأقاليم ومن المرجح أن تستعد لشن هجمات معقدة على منشآت قوات الأمن الوطنية الأفغانية وإضعاف قدرات الحكومة الأفغانية.
وتشير بيانات مهمة الدعم الحازم إلى أن الهجمات الإرهابية بلغت ذروتها في الربع الأخير من عام 2020 عند 12838 هجومًا، من ضمنها 4367 هجومًا "مؤثرا" أدى إلى وقوع خسائر في الأرواح.
وأشار التقرير إلى أن القاعدة اعتمدت على طالبان في الحماية، وهو مؤشر واضح على عدم قطع طالبان علاقاتها مع الإرهاب العالمى رغم الوعد الذى قدمته للولايات المتحدة.
يأتى ذلك في الوقت الذى قال فيه مسئولون يمثلون مقاولين دفاعيين إن مليارات الدولارات المخصصة لمساعدة ودعم أفغانستان من خلال الوكالات الحكومية الأمريكية معرضة للخطر جراء عملية الانسحاب.
إلى جانب قد حذرت السفارة الأمريكية في أفغانستان، الاسبوع الماضي من تصاعد الوضع الأمني، داعية مواطنيها إلى ضرورة توخي الحذر والتحضير للمغادرة فورا.
ويأتي التحذير والدعوة الأمريكية في ظل تصاعد وتيرة العنف والمواجهات بين القوات الحكومية وحركة طالبان، تزامنا مع انسحاب القوات الأمريكية؛ حيث قتل ١١ شخصا، وأصيب ١٣ في ٤ انفجارات منفصلة، في أول أيام عيد الفطر بأفغانستان، بعد ساعات من بدء وقف لإطلاق النار لمدة ٣ أيام بالبلاد.
وطالبت السفارة الأمريكية، في بيان رعاياها بوضع خطط لمغادرة أفغانستان عبر شركات الطيران التجارية بسبب التصاعد التاريخي للعنف في أفغانستان بعد عطلة العيد، يتم تذكير مواطني الولايات المتحدة بتوخي الحذر في الأماكن المزدحمة، بما في ذلك الأسواق ودور العبادة والبنوك".
من جانبه؛ قال عبدالناصر مأمون، الباحث في الشأن الأفريقي، إنه بعد أن قررت إدارة بايدن البدء في سحب قواتها من أفغانستان، والتي تبدأ من الشهر الجاري، وحتي سبتمبر المقبل، والتي ستكون لهذا الانسحاب تداعيات ضخمة ومؤثرة على أفغانستان، والتي أنفقت فيها أمريكا أكثر من ٨٠ مليار دولار، لتحقيق الأمن، وإنشاء قوة أمنية وطنية مستديمة، إلا أن الفشل بات يلازمها، مما حدا بها إلى مطالبة مواطنيها بسرعة مغادرة البلاد، لعدة أسباب، أهمها حسب رؤية الأمريكان، أن أفغانستان، وفي ظل عدم توصل الأطراف المتحاربة فيها لاتفاق سياسي، سيدخل البلاد في ظل ذلك الانقسام في احتراب أهلي مدمر.
وأضاف "مأمون"، في تصريحات لـ"البوابة"، أن هذا العنف "سيمهد لعودة إمارة طالبان من جديد مما سيؤدي بدوره إلى حدة وقوة وجرأة التنظيمات الإرهابية، والتي يأتي على رأسها داعش، وفلول القاعدة، التي ما زالت تتمتع بعلاقات وطيدة ومميزة، مع تنظيم طالبان، والتي ستعتبر الانسحاب الأمريكي كالانسحاب السوفيتي في ١٩٨٩، نصرا عقائديا جهاديا، وكل ذلك من شأنه أن يجعل رعاياها أهدافا لذلك النشاط الإرهابي. بينما قال هاني عمارة، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، إنه مع انسحاب القوات الأمريكية بدأت طالبان بشن عمليات تستهدف إعادة السيطرة على مناطق نفوذها في أفغانستان، وتتأهب حاليا الحكومة الافغانية لعملية عسكرية موسعة، لسد الفراغ الذي تتركه القوات الأمريكية، مما يتوقع معه زيادة وتيرة العنف، وعودة الحرب الأهلية إلى عدد من المناطق، وسيكون استهداف الأجانب والأمريكيين بشكل خاص جزءا منها.
بينما قال هشام النجار، باحث في شئون الحركات الإسلامية، إن هناك احتمال كبير لانتشار الفوضى وتضاعف حدة العنف خاصة بعد مقتل أعداد كبيرة من طالبان على يد القوات الأفغانية وهو ما سيدفعها للثأر وربما استهداف قوات دولية للتغطية على اخفاقاتها تجاه القوات المحلية.
وأضاف النجار في تصريحات لـ"البوابة"، أنه هناك تهديدات وجهها تنظيم القاعدة في بدايات هذا الشهر تزامنًا مع الذكرى العاشرة لمقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يقلق واشنطن بشأن امكانية استهداف مصالحها ورعاياها في أفغانستان، ومجمل الأوضاع هناك تتجه نحو التصعيد كلما اقترب موعد انسحاب القوات الميركية وقوات الناتو.